
ولو كان التعزير هو التوقير، لكان قوله: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح ٤٨/ ٩] تكرارا.
والسؤال الثالث- قوله: وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً دخل تحت إيتاء الزكاة، فما الفائدة في الإعادة؟
الجواب- المراد: بإيتاء الزكاة الواجبات، وبهذا الإقراض: الصدقات المندوبة، وخصها بالذكر تنبيها على شرفها وعلو مرتبتها.
مقاصد القرآن
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٥ الى ١٦]
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)
الإعراب:
يُبَيِّنُ لَكُمْ جملة فعلية في موضع نصب على الحال من رَسُولُنا. وتقديره: قد جاءكم رسولنا مبينا لكم.
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ جملة فعلية في موضع رفع لأنها صفة لكتاب، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من الْكِتابِ لأنه قد وصف بمبين.
البلاغة:
وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ فيه استعارة، استعار الظلمات للكفر والنور للإيمان.

المفردات اللغوية:
تُخْفُونَ تكتمون مِنَ الْكِتابِ التوراة والإنجيل، كإخفاء آية الرجم وصفة النبي صلّى الله عليه وسلّم وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ من ذلك، فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة إلا افتضاحكم.
قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ هو النبي صلّى الله عليه وسلّم وَكِتابٌ مُبِينٌ قرآن بيّن ظاهر يَهْدِي بِهِ أي بالكتاب سُبُلَ السَّلامِ طرق السلامة الظُّلُماتِ الكفر النُّورِ الإيمان بِإِذْنِهِ بإرادته صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: دين الإسلام.
سبب النزول:
يا أَهْلَ الْكِتابِ..:
أخرج ابن جرير الطبري عن عكرمة قال: إن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه اليهود يسألونه عن الرجم، فقال: أيكم أعلم؟ فأشاروا إلى ابن صوريا، فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى، والذي رفع الطور، والمواثيق التي أخذت عليهم، حتى أخذه أفكل: رعدة من الخوف، فقال: لما كثر فينا جلدنا مائة، وحلقنا الرؤوس، فحكم عليهم بالرجم، فأنزل الله: يا أَهْلَ الْكِتابِ إلى قوله صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «١».
المناسبة:
بعد أن حكى الله تعالى عن اليهود والنصارى نقضهم العهد وتركهم ما أمروا به، دعاهم عقيب ذلك إلى الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم. وهذا من دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم، وهو من معجزات القرآن المتعددة في نواحيه.
التفسير والبيان:
يا أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، ووحد الكتاب لأنه خرج مخرج الجنس، قد جاءكم رسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض، وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل ووصف الرسول هنا بصفتين:

الأولى- أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون، قال ابن عباس: «أخفوا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأخفوا أمر الرجم، وعفا عن كثير مما أخفوه، فلم يفضحهم ببيانه». ثم إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بيّن ذلك لهم، وهذا معجز لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ كتابا ولم يتعلم علما من أحد، فلما أخبرهم بأسرار ما في كتابهم، كان ذلك إخبارا عن الغيب، فيكون معجزا.
الصفة الثانية- ويعفو عن كثير، أي لا يظهر كثيرا مما تكتمونه أنتم، وإنما لم.
يظهره لأنه لا حاجة إلى إظهاره في الدين. وهذا يدعوهم إلى ترك الإخفاء لئلا يفتضحوا، ولقد كان بيان القرآن لما كتموه سببا في إسلام كثير من أحبارهم.
فالصفة الأولى: أنه يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه وافتروا على الله فيه، والصفة الثانية: أنه يسكت عن كثير مما غيروه، ولا فائدة في بيانه. روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، قوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ فكان الرجم مما أخفوه. ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه أي الشيخان: البخاري ومسلم.
ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم بأنه كتاب واضح، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم نور، أو الإسلام نور، فالمراد بالنور محمد، وبالكتاب القرآن، وقيل: إن المراد بالنور الإسلام، وبالكتاب القرآن. والقرآن بيّن في نفسه، مبيّن لما يحتاج إليه الناس لهدايتهم.
ثم قال تعالى فيما معناه: يهدي بالكتاب من أراد اتباع الدين الذي يرضي الله تعالى، يهديهم طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة، وينجيهم من المهالك بإذنه، أي بتوفيقه، فيخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ويرشدهم إلى أوضح الطرق، وهو الدين الحق لأن الحق واحد لذاته، وطريقه

مستقيم واحد، أما الباطل فله شعاب كثيرة وكلها معوجة.
أي أنه تعالى ذكر للقرآن ثلاث فوائد أو مقاصد:
١- إن المتبع لما يرضي الله يهديه إلى الطريق المؤدي إلى النجاة والسلامة من الشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة باتباع الإسلام لأنه دين الحق والعدل والإخلاص والمساواة.
٢- إنه يخرج المؤمنين به من ظلمات الكفر والشرك والوثنية والوهم والخرافة إلى نور التوحيد الخالص.
٣- إنه يهدي إلى الطريق الموصل إلى الهدف الصحيح من الدين، وإلى خيري الدنيا والآخرة.
فقه الحياة أو الأحكام:
النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم نور كشف زيف أهل الأديان الأخرى، فهو يبين لأهل الكتاب (اليهود والنصارى) ما يخفونه من كتبهم، من الإيمان به، ومن آية الرجم، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة، فإنهم كانوا يخفونها. وهو يعفو عن كثير أي يتركه ولا يبينه، وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته، ودلالة على صدقه وشهادة برسالته، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه. فهو مترفع عما لا فائدة فيه.
والقرآن الكريم يبين الأحكام وما رضيه الله من طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة، والمؤمّنة من كل مخافة، وهي الجنة، ويخرج المؤمنين به من ظلمات الكفر والجهالات إلى نور الإسلام والهدايات بتوفيقه وإرادته، ويرشد إلى الدين الحق.