
(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)، وقال موسى: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). وإنما سأل حالة لا تجعل إلا للأنبياء والأولياء في الآخرة، فبين الله تعالى أن ذلك غير سهل ما دمت على هذه الحالة، وبين تعالى أن من تخصص هذه
الحالة، وكان منه حال ينافي الإيمان عذب أشد العذاب، فقد قيل: صغائر
العامة كبائر الأولياء، والقليل من ذنوبهم يعظم عقابه فإذا يعذب ما كان
من كفره عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فمن بلغ مبلغهم، ولم
يؤتوا بما أوتوا.
الله أعلم بالحقائق.
قوله عز وجل: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧)
إن قيل: (وَإِذ قَالَ) إخبار عما مضى، فمتى كان هذا السؤال؟

قيل في ذلك جوابان:
أحدهما: أدن ذلك إخباراً عما يكون يوم القيامة، فذكر لحظة الماضي تقريباً للفعل، وإخبار بأنه في حكم ما قد كان كما قال: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ).
وقوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا) ونحو ذلك.
والثاني: أن ذلك قاله حين رفعه إلى السماء وجهة سؤاله مع علمه تعالى إن لم يكن من عيسى ذلك. وتبكيت للكَفْرةِ وتكذيب لهم.
إن قيل ما وجه قوله: (مِنْ دُونِ اللَّهِ) وهم لم يتخذوهما من دونه، وإنما اتخذوهما معه وأيضاً فإن هذا متعين أنهما لو اتخذوهما إلهين معه لكان يجوز لأنك إذا قلت اتخذت فلاناً دوني صفياً فإنما أنكر إفراده باتخاذه.

قيل: إن قوله: (مِن دُونِى) يحتمل وجهين:
أحدهما: أنكر اتخذتموهما معبودين، ولم يتخذوه معبوداً، وذلك أنهم لما عبدوهما معه كان عبادتهم له غير معتد؛ لأن الله تعالى لا يرضى أن يعبد معه غيره، فلهذا قال: (مِنْ دُونِ اللَّهِ).
والثاني: أن: (دُونِ) هاهنا للقاصر عن الشيء وهم
عبدوا المسيح وأمه فيما توصلا إلى عبادة الله. كما عبد الكفار الأصنام حيث قالوا: (مَا نَعبُدُهُم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفَى)، فكأنه قيل:
أنت قلت اتخذوني إلهين متوصلين بنا إلى الله، قال سبحانك منزهين عن
ذلك، وأنكر أن يقول ما لا يحق أن يعلمه تعالى.
وبيَّن أنه علام الغيوب فيما خفى علمه عنا فيه.
إن قيل ما وجه قوله: (وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) فأثبت لله نفساً. ؟
قيل: النفس عبارة عن الذات، يقال: جاءني فلان بنفسه، وقيل عنى في معني مقابل النفس بالنفس.

وقيل: نفس العالم، وإضافته إليه على وجه الملك لا على وجه البعضية، تعالى الله عن البعضية.
وهذا كما روى (الريح من نفس الرحمن)، ونحو ذلك،
وقيل: القصد إلى نفي النفس عنه، فكأنه قال تعلم ما في نفسي ولا نفس لك، قصد إلى نفى التركيب
قال وعلى هذا قال الشاعر:
لا ترى الضبُّ بها يتحجر
قصداً إلى أن لا ضب ولا حجر هاهنا، فيكون من الضب الأحجار.
وقيل:
عئ تعلم ما أنا عليه، ولا أعلم ما أنت عليه.
وقوله: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)
قيل: إن بدل من الهاء، وقيل: إن بدل من (مَا)، وقيل: خبر ابتداء