
واذكر يا عيسى إذ كففت ومنعت عنك بنى إسرائيل وقت أن جئتهم بالبينات الواضحات وقد حاولوا قتلك وصلبك، ومكروا ومكر الله، والله خير الماكرين، قد نجاك الله منهم، وكفهم عنك، فما قتلوك وما صلبوك ولكن توفاك ورفعك إليه وطهرك من الذين كفروا، وكل ما فعلوه قولهم: ما هذا إلا سحر مبين، وتلك حجة العاجزين.
واذكر إذ أوحيت إلى الحواريين أصحابك وألهمتهم أن يؤمنوا بي وبرسولي عيسى بن مريم، فآمنوا، وقالوا: آمنا بالله وبرسوله واشهد بأننا مسلمون ومنقادون لله في السر والعلانية.
وهكذا منّ الله على عيسى وفضّله وكرّمه، وجعل له أنصارا وأتباعا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
قصة المائدة [سورة المائدة (٥) : الآيات ١١٢ الى ١١٥]
إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥)

المفردات:
الْحَوارِيُّونَ: الأصحاب الخلّص للمسيح. مائِدَةً: هي الخوان الذي عليه الطعام أو الخوان نفسه. اللَّهُمَّ: يا الله. عِيداً: فرحا وسرورا، أو يوما يجتمع الناس فيه للعبادة كعيد الفطر مثلا يعود كل سنة.
قصة المائدة عبرة وعظة، لمن يطلب من الله آيات غير التي أنزلت، وعاقبة ذلك، وهي في الجملة تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم وبيان لطبائع الناس وسيرتهم مع أنبيائهم.
المعنى:
واذكر وقت قول الحواريين لعيسى بن مريم. والمراد في مثل هذا التركيب ذكر ما حصل في الوقت لا نفس الوقت.
قال الحواريون وهم المؤمنون الخلص ردّا على عيسى حين قال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [ال عمران آية ٥٢] ومع هذا قالوا: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ!! وهذا سؤال لا يليق بهم قطعا!! ولذا خرجه العلماء على وجوه أحسنها أنّ (يستطيع) بمعنى يطيع، كاستجاب بمعنى أجاب، أو المعنى: هل تستطيع أمر ربك أى: سؤاله، وقيل: إنه سؤال عن الاستطاعة على حسب الحكمة الإلهية، أى: هل ينافي الحكمة إنزال المائدة أم لا؟ فإن ما ينافي الحكمة لا يقع قطعا وإن كان ممكنا.
ولذا قالوا معتذرين عن إيراد السؤال بهذه الصورة: نريد أن نأكل منها فنحن في حاجة إليها، ونحن إذا أكلنا تطمئن قلوبنا وتهدأ نفوسنا، ونعلم أن قد صدقتنا في أن الله تعالى أرسلك نبيا، واختارنا أعوانا لك وقد رضى عنا بإجابة سؤالنا.
ونكون عليها من الشاهدين بالوحدانية، ولك بالرسالة والنبوة إذ هي كالدليل على ذلك.
قال عيسى ابن مريم: يا ربنا يا مالك أمرنا، ومتولّى شئوننا: أنزل علينا مائدة من السماء يراها هؤلاء، وتكون لنا معشر المؤمنين مصدر فرح وسرور، ويوم نزولها نتخذه عيدا نجتمع فيه للعبادة والشكر، ويعود علينا كل عام باليمن والإقبال