آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

ما أظهر على أيديهم من الآيات العظام، فكذبوهم وسموهم سحرة. أو جاوزوا حدّ التصديق إلى أن اتخذوهم آلهة، كما قال بعض بنى إسرائيل فيما أظهر على يد عيسى عليه السلام من البينات والمعجزات (هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) واتخذه بعضهم وأمه إلهين أَيَّدْتُكَ قويتك. وقرئ أيدتك، على أفعلتك بِرُوحِ الْقُدُسِ بالكلام الذي يحيا به الدين، وأضافه إلى القدس، لأنه سبب الطهر من أو ضار الآثام. والدليل عليه قوله تعالى تُكَلِّمُ النَّاسَ وفِي الْمَهْدِ في موضع الحال، لأنّ المعنى تكلمهم طفلا وَكَهْلًا إلا أن في المهد فيه دليل على حدّ من الطفولة. وقيل روح القدس:
جبريل عليه السلام، أيد به لتثبيت الحجة. فإن قلت: ما معنى قوله: (فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) ؟ قلت:
معناه تكلمهم في هاتين الحالتين، من غير أن يتفاوت كلامك في حين الطفولة وحين الكهولة الذي هو وقت كمال العقل وبلوغ الأشد والحدّ الذي يستنبأ فيه الأنبياء وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ خصا بالذكر مما تناوله الكتاب والحكمة، لأن المراد بهما جنس الكتاب والحكمة. وقيل (الْكِتابَ) الخط. و (الْحِكْمَةَ) الكلام المحكم الصواب كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ هيئة مثل هيئة الطير بِإِذْنِي بتسهيلى فَتَنْفُخُ فِيها الضمير للكاف، لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى عليه السلام وينفخ فيها، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا من نفخه في شيء. وكذلك الضمير في فتكون تُخْرِجُ الْمَوْتى تخرجهم من القبور وتبعثهم. قيل: أخرج سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ يعنى اليهود حين هموا بقتله. وقيل:
لما قال اللَّه تعالى لعيسى (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ) كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد يقول: مع كل يوم رزقه، لم يكن له بيت فيخرب، ولا ولد فيموت، أينما أمسى بات.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١١١ الى ١١٥]
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥)

صفحة رقم 691

أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أمرتهم على ألسنة الرسل مُسْلِمُونَ مخلصون، من أسلم وجهه للَّه عِيسَى في محل النصب على إتباع حركة الابن، كقولك: يا زيد بن عمرو، وهي اللغة الفاشية ويجوز أن يكون مضموما كقولك: يا زيد بن عمرو. والدليل عليه قوله:

أَحَارِ بْنَ عَمْرٍو كَأَنِّى خَمِرْ وَيَبْدُو عَلّ الْمَرْءِ مَا يَأْتَمِرْ «١»
لأنّ الترخيم لا يكون إلا في المضموم. فإن قلت: كيف قالوا هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ بعد إيمانهم وإخلاصهم «٢» ؟ قلت: ما وصفهم اللَّه بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم أتبعه
(١).
أحار بن عمرو كأنى خمر ويعدو على المرء ما يأتمر
ولا وأبيك ابنة العامري لا يدعى القوم أنى أفر
لامرئ القيس بن حجر. وقيل لربيعة بن جشم اليمنى. والهمزة للنداء. و «حار» مرخم، أصله حارث ضم على لغة من لا ينتظر المحذوف. واللغة المشهورة معاملته معاملة التام، كما أن المشهور أيضا فتح العلم المنادى الموصوف بابن مضاف إلى علم آخر اتباعا لنصب ابن. ويجوز ضمه كما هنا، لأن الترخيم لا يكون إلا في المضموم لأن المفتوح اتباعا كالمركب مع ما بعده. والترخيم لا يأتى في الوسط، ولأنه لو كان مفتوحا وضم في الترخيم لكان فيه إخلال بالفتحة المجتلبة للتناسب. والخمر- كحذر-: الذي خالطه داء فغطى عقله. والخمر- كسبب-: كل ما سبّر من بناء أو شجر. ثم تذكر السبب في ذلك وهو مطاوعته ما لا تنبغي مطاوعته فقال ويعدو على الإنسان ائتماره، أى امتثاله لأمر غيره. ويجوز أن «ما» موصولة، أى الذي يمتثله من أمر من لا يعرف عواقب الأمور، أو من أمر نفسه وهواه، وشبه ذلك بمن يصح منه العدوان، على طريق الكناية. ويروى «ويبدو على المرء» أى يشرف عليه ويظهر له عاقبة امتثاله لما لا ينبغي امتثاله. وكثير ينشد فاصلتى هذا البيت بالتنوين الغالي، لكن أنكره الزجاج والسيرافي، لأنه يكسر الوزن. وجعله ابن يعيش من تنوين الترنم، بناء على أنه لجلب الترنم لا لقطعه، فلا يختص بالقوافى، المطلقة، بل يدخل المقيدة كما هنا. والمشهور تحريك ما قبله بالكسر. واختار ابن الحاجب الفتح. وجوز بعضهم تحريكه بما كان يستحقه لولا السكون. وبعض أجاز اجتماع الساكنين. ودخول «لا» النافية قبل القسم سائغ شائع في لسان العرب، لأنه غالبا يكون لرد دعوى الخصم ونفيها. فالتقدير: ولا يحصل ذلك وحق أبيك، ولو كانت زائدة محضا لكانت الواو في التقدير داخلة على واو القسم. وروى بحذف الواو الأولى: أى وحق أبيك يا ابنة العامري لا أفر من الحرب أصلا، فلا يدعيه أحد على. فنفى الادعاء كناية عن نفى الفرار على أبلغ وجه. [.....]
(٢). قال محمود: فان قلت كيف قالوا هل يستطيع ربك بعد إيمانهم وإخلاصهم- في قوله: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) - قال: قلت ما وصفهم بالايمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما... الخ» قال أحمد: وقيل إن معنى (هَلْ يَسْتَطِيعُ) هل يفعل، كما تقول للقادر على القيام: هل تستطيع أن تقوم: مبالغة في التقاضي. ونقل هذا القول عن الحسن، فعلى هذا يكون إيمانهم سالما عن قدح الشك في القدرة، فان استقام التعبير عن الفعل بالاستطاعة فذاك- واللَّه أعلم- من باب التعبير عن المسبب بالسبب، إذ الاستطاعة من جملة أسباب الإيجاد وعلى عكسه التعبير عن إرادة الفعل بالفعل، تسمية بالسبب الذي هو الارادة، باسم المسبب الذي هو الفعل، في مثل قوله: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) وقد مضى أول السورة. وفي هذا التأويل الحسن تعضيد لتأويل أبى حنيفة، حيث جعل الطول المانع من نكاح الأمة وجود الحرة في العصمة. وعدمه أن لا يملكك عصمة الحرة وإن كان قادراً على ذلك، فتباح له حينئذ الأمة. وحمل قوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) على معنى: ومن لم يملك منكم، وحمل النكاح على الوطء، فجعل استطاعة الملك المنفية هي الملك كما ترى، حتى أن القادر غير المالك عادم الطول عنده فينكح الأمة. وقد مضى ذكر مذهبه، وكنت أستبعد إنهاضه لأن يكون تأويلا يحتمله اللفظ ويساعده الاستعمال، حتى وقفت على تفسير الحسن هذا واللَّه أعلم.

صفحة رقم 692

قوله: (إِذْ قالَ) فإذن إنّ دعواهم كانت باطلة، وإنهم كانوا شاكين، وقوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه: اتقوا اللَّه ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة. وقرئ:
هل تستطيع ربك، أى هل تستطيع سؤال ربك، والمعنى: هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله. والمائدة: الخوان «١» إذا كان عليه الطعام، وهي من «مادّه» إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدّم إليه وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل، أو نكون من الشاهدين للَّه بالوحدانية ولك بالنبوّة، عاكفين عليها، على أن عليها في موضع الحال، وكانت دعواهم لإرادة ما ذكروا كدعواهم الايمان والإخلاص. وإنما سأل عيسى وأجيب ليلزموا الحجة بكمالها ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا. وقرئ: ويعلم، بالياء على البناء للمفعول. وتعلم. وتكون، بالتاء. والضمير للقلوب اللَّهُمَّ أصله يا اللَّه، فحذف حرف النداء، وعوضت منه الميم. ورَبَّنا نداء ثان تَكُونُ لَنا عِيداً أى يكون يوم نزولها عيدا. قيل: هو يوم الأحد. ومن ثم اتخذه النصارى عيداً، وقيل: العيد السرور العائد، ولذلك يقال: يوم عيد، فكأنّ معناه: تكون لنا سروراً وفرحا. وقرأ عبد اللَّه: تكن، على جواب الأمر. ونظيرهما، يرثني، ويرثني لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا بدل من لنا بتكرير العامل، أى لمن في زماننا من أهل ديننا، ولمن يأتى بعدنا. وقيل: يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم: ويجوز المقدّمين منا والأتباع. وفي قراءة زيد: لأولانا وأخرانا، والتأنيث بمعنى الأمّة والجماعة عَذاباً بمعنى تعذيباً. والضمير في: (لا أُعَذِّبُهُ) للمصدر. ولو أريد بالعذاب ما يعذب به، لم يكن بدّ من الباء. وروى أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس صوفا، ثم قال: اللهم أنزل علينا، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلنى من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة، وقال لهم: ليقم أحسنكم عملا يكشف عنها ويذكر اسم اللَّه عليها ويأكل منها. فقال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى بذلك، فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى، ثم كشف المنديل وقال: بسم اللَّه خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسما. وعند

(١). قوله «والمائدة الخوان» في الصحاح «الخوان» بالكسر: الذي يؤكل عليه، معرب. وقوله «من مادة» الذي في الصحاح «ماد الشيء» تحرك. و «مادت الأغصان» تمايلت اه. (ع)

صفحة رقم 693
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية