
الزوجين، ومنها العثور على الخيانة، فإن اليمين تكون بجانب أقوى المتداعيين شبهة.
١١- الآية تدل على مشروعية اليمين المردودة، أي رد اليمين من المدعى عليه إلى المدعي.
١٢- أولى الورثة المدعين بقبول اليمين منهم فيما يتعلق بالتركة: أقربهم إلى الميت لقوله تعالى: لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما أي يميننا أحق من يمينهما. وهذا يدل على أن الشهادة يصح أن تكون بمعنى اليمين، مثل قوله تعالى: فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ [النور ٢٤/ ٦].
سؤال الرسل يوم القيامة عن أثر دعوتهم
[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٩]
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)
المفردات اللغوية:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ هو يوم القيامة. فَيَقُولُ: ماذا أُجِبْتُمْ أي يقول هم توبيخا لقومهم: ما الذي أجبتم به حين دعوتم إلى التوحيد. عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما غاب عن العباد وذهب عنهم علمه لشدة هول يوم القيامة وفزعهم.
المناسبة:
الآية استمرار في التهديد والتخويف والزجر، فبعد أن أمر الله بالتقوى.
وحذّر من إخفاء شيء من الوصية أو غيرها، أعقب ذلك بالتحذير من الحساب يوم القيامة، أي اتقوا الله واذكروا دائما يوم يجمع الله الرسل. وعادة القرآن أنه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع والأحكام والتكاليف، كما ذكر هنا، أتبعها إما بالإلهيات، وإما بشرح أحوال الأنبياء، أو بشرح أحوال القيامة، ليؤكد

ما تقدم، وهنا أتبع الشرائع بوصف أحوال القيامة، ثم ذكر في الآية بعدها أحوال عيسى.
التفسير والبيان:
اذكر أيها الرسول يوم يجمع الله الرسل يوم القيامة، فيقول لهم على سبيل التوبيخ والتأنيب لأممهم، ويسألهم عما أجيبوا به من أممهم، يسألهم عن نوع الإجابة، أهي إجابة إيمان وإقرار، أم إجابة إنكار وإعراض؟ وذلك كما قال تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف ٧/ ٦] وقال سبحانه: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر ١٥/ ٩٢- ٩٣] وهذا سؤال للطرفين: للرسل وللمرسل إليهم.
وقال تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير ٨١/ ٨- ٩] وهذا سؤال للشاهد دون المتهم للتوبيخ وإنكار الفعل.
وذلك يختلف باختلاف مواقف القيامة وأحوالها، فبعضها يسأل الله الرسل للشهادة على أممهم، وبعضها يسأل الأمم، وقد يسأل الخصم وقد يسأل الشهود، وقد يسأل الفريقان.
ويسألهم أيضا: ماذا عملوا بعدكم وما أحدثوا بعدكم؟ فأجابوا قائلين للربّ عز وجل: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، بطريق التأدب مع الله جلّ جلاله، أي لا علم لنا بالنسبة لعلمك المحيط بكل شيء، العليم بكل شيء، المطلع على كل شيء، فعلمنا بالنسبة إلى علمك كعدم العلم، إنك أنت علام الغيوب، أي ما غاب عن الناس وذهب عنهم لشدة هول يوم القيامة، أو لسعة علم الله بظواهر الأمور وبواطنها.
وبهذا يجمع بين الرأيين في تفسير الآية وتوضيح الجواب، وهما ما يأتي:

الأول- يراد به نقصان علمهم بالنسبة إلى علم الله تعالى، وهذا رأي ابن عباس، وهو الأصح، قالوا: لا علم لنا لأنك تعلم ما أظهروا وما أضمروا، ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا.
الثاني- انعدام علمهم بسبب ما يتعرضون له من هول ذلك اليوم وفزعهم ويذهلون عن الجواب. وهذا رأي الحسن البصري ومجاهد والسّدّي، جاء
في الخبر: «إن جهنم إذا جيء بها زفرت زفرة، فلا يبقى نبيّ ولا صدّيق إلا جثا لركبتيه»
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «خوفني جبريل يوم القيامة حتى أبكاني، فقلت:
يا جبريل، ألم يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر؟ فقال لي: يا محمد:
لتشهدنّ من هول ذلك اليوم ما ينسيك المغفرة».
فقه الحياة أو الأحكام:
الثابت في القرآن الكريم أن الله تعالى يسأل الرسل عن القيام بواجبهم في التبليغ، ويسأل أقوامهم عن مدى إجابتهم دعوة الرسل ونوع الإجابة أهي إجابة إقرار أم إجابة إنكار؟
والله في هذه الآية يوجّه السؤال للأنبياء بقوله مثلا: ماذا أجبتم في السرّ والعلانية؟ ليكون هذا توبيخا للكفار، فيقولون أي الرسل على سبيل النفي الحقيقي: لا علم لنا، فيكون هذا تكذيبا لمن اتخذ المسيح إلها.
وقال ابن جريج: معنى قوله: ماذا أُجِبْتُمْ؟: ماذا عملوا بعدكم؟
قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب.
قال الماوردي: فإن قيل: فلم سألهم عما هو أعلم به منهم؟ فعنه جوابان:
أحدهما- أنه سألهم ليعلّمهم- أي الرسل- ما لم يعلموا من كفر أممهم ونفاقهم وكذبهم عليهم من بعدهم. الثاني- أنه أراد أن يفضحهم- أي أقوامهم- بذلك على رؤوس الأشهاد، ليكون ذلك نوعا من العقوبة لهم.