آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

الله. والغيبة مشتقة من غاب يغيب. وهي القول في الغائب واستعملت في المكروه. ولم يبح في هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه من تجريح في الشهود وفي التعريف لمن استنصح في الخطاب ونحوهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما معاوية فصعلوك لا مال له». وما يقال في الفسقة أيضا وفي ولاة الجور ويقصد به التحذير منه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعن الفاجر ترعون؟ اذكروا الفاجر بما فيه حتى يعرفه الناس إذا لم تذكروه» ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «بئس ابن العشيرة». ثم مثل تعالى الغيبة بأكل لحم ابن آدم الميت، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم. فمنه قول الشاعر [سويد بن أبي كاهل اليشكري] :[الرمل]
فإذا لاقيته عظّمني... وإذا يخلو له لحمي رتع
ويروى فيحييني إذا لاقيته.
ومنه قول الآخر: [المقنع الكندي].
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
فوقفهم الله تعالى على جهة التوبيخ بقوله: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فالجواب عن هذا: لا. وهم في حكم من يقولها. فخوطبوا على أنهم قالوا لا. فقيل لهم: فَكَرِهْتُمُوهُ وبعد هذا مقدر تقديره: فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك. وعلى هذا المقدر يعطف قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ قاله أبو علي الفارسي. وقال الرماني: كراهية هذا اللحم يدعو إليها الطبع. وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل. وهو أحق أن يجاب. لأنه بصير عالم. والطبع أعمى جاهل.
وقرأ الجمهور: «ميتا» بسكون الياء. وقرأ نافع وابن القعقاع وشيبة ومجاهد: «ميّتا» بكسرها والشد.
وقرأ أبو حيوة: «فكرّهتموه» بضم الكاف وشد الراء.
ورواها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أعلم بأنه تَوَّابٌ رَحِيمٌ إبقاء منه تعالى وإمهالا وتمكينا من التوبة.
قوله عز وجل:
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١٣ الى ١٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
قوله تعالى: مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى يحتمل أن يريد آدم وحواء. فكأنه قال: إنا خلقنا جميعكم من آدم وحواء. ويحتمل أن يريد الذكر والأنثى اسم الجنس. فكأنه قال: إنا خلقنا كل واحد منكم من ماء ذكر وماء أنثى. وقصد هذه الآية التسوية بين الناس. ثم قال تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا أي لئلا تفاخروا ويريد بعضكم أن يكون أكرم من بعض. فإن الطريق إلى الكرم غير هذا: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وروى أبو بكرة: قيل يا رسول الله: من خير الناس؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله». وفي

صفحة رقم 152

حديث آخر من خير الناس؟ قال: «آمرهم بالمعروف. وأنهاهم عن المنكر. وأوصلهم للرحم وأتقاهم».
وحكى الزهراوي أن سبب هذه الآية غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة، وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح عند النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن فلانة، فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: «إنك لا تفضل أحدا إلا في الدين والتقوى»، فنزلت هذه الآية ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضا، والشعوب: جمع شعب وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطا بنسب واحد، ويتلوه القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الأسرة والفصيلة: وهما قرابة الرجل الأدنون فمضر وربيعة وحمير شعوب، وقيس وتميم ومذحج ومراد، قبائل مشبهة بقبائل الرأس، «لأنها قطع تقابلت» وقريش ومحارب وسليم عمارات، وبنو قصي وبنو مخزوم بطون، وبنو هاشم وبنو أمية أفخاذ، وبنو عبد المطلب أسرة وفصيلة، وقال ابن جبير: الشعوب: الأفخاذ.
وروي عن ابن عباس الشعوب: البطون، وهذا غير ما تمالأ عليه اللغويون. قال الثعلبي، وقيل: الشعوب في العجم والقبائل في العرب، والأسباط في بني إسرائيل. وأما الشعب الذي هو في همدان الذي ينسب إليه الشعبي فهو بطن يقال له الشعب.
قال القاضي أبو محمد: وقيل للأمم التي ليست بعرب: شعوبية، نسبة إلى الشعوب، وذلك أن تفصيل أنسابها خفي فلم يعرف أحد منهم إلا بأن يقال: فارسي تركي رومي زناتي. فعرفوا بشعوبهم وهي أعم ما يعبر به عن جماعتهم، ويقال لهم الشعوبية بفتح الشين، وهذا من تغيير النسب، وقد قيل فيهم غير ما ذكرت، وهذا أولى عندي.
وقرأ الأعمش: «لتتعارفوا» وقرأ عبد الله بن عباس: «لتعرفوا أن»، على وزن تفعلوا بكسر العين وفتح الألف من «أن»، وبإعمال «لتعرفوا» فيها، ويحتمل على هذه القراءة أن تكون اللام في قوله: «لتعرفوا» لام كي، ويضطرب معنى الآية مع ذلك، ويحتمل أن تكون لام الأمر، وهو أجود في المعنى، ويحتمل أن يكون المفعول محذوفا تقديره: الحق، وإذا كانت لام كي فكأنه قال: يا أيها الناس أنتم سواء من حيث أنتم مخلوقون لأن تتعارفوا ولأن تعرفوا الحقائق، وأما الشرف والكرم فهو بتقوى الله تعالى وسلامة القلوب.
وقرأ ابن مسعود: «لتعارفوا بينكم وخيركم عند الله أتقاكم». وروي أن النبي ﷺ قال: «من سره أن يكون أكرم الناس، فليتق الله». ثم نبه تعالى على الحذر بقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ أي بالمتقي الذي يستحق رتبة الكرم في الإيمان، أي لم تصدقوا بقلوبكم وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا. والإسلام يقال بمعنيين، أحدهما: الدين يعم الإيمان والأعمال، وهو الذي في قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] والذي في قوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس» والذي في تعليم النبي ﷺ لجبريل حين قال له: ما الإسلام؟ قال: بأن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، والذي في قوله لسعد بن أبي وقاص: «أو مسلما، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه» الحديث، فهذا الإسلام ليس هو في قوله: وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والمعنى الثاني للفظ الإسلام: هو الاستسلام والإظهار الذي يستعصم به ويحقن الدم، وهذا هو الإسلام في قوله: وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا، والْإِيمانُ الذي هو التصديق أخص من الأول وأعم بوجه، ثم صرح لهم بأن

صفحة رقم 153
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية