آيات من القرآن الكريم

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

بعض حتى يخلص الكفار وحدهم (١).
قوله تعالى: ﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وقال مقاتل: لو اعتزل المؤمنون الذين بمكة من كفارهم لعذبنا الذين كفروا (٢).
قال الفراء: أي: لو خلص الكفار من المؤمنين لأنزل الله بهم القتل والعذاب (٣).
وقال ابن قتيبة: لو تميزوا من المشركين لعذبنا المشركين بالسيف عذاباً أليماً (٤). قال مجاهد: يعني القتل والسبي (٥).
٢٦ - قوله: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ﴾ (إذ) متعلق بقوله: (لعذبنا) لأن المعنى: لعذبنا الذين كفروا إذ جعلوا في قلوبهم الحمية، وهي مصدر قولك: حمى فلانٌ أنفه يحميه حَمِيَّة أو مَحْمِيَّة، وفلان ذو حمية منكرة، إذا كان ذا غضب وأنفة (٦)، ومعناها الحفاظ من قولهم: حمي فلان الشيء يحميه، إذا منعه من أن يُقْرَب ويجوز أن يكون من الحمى بمعنى الحرارة، قال الليث: حميت من هذا الشيء أحمي منه

(١) ذكر ذلك الماوردي في "تفسيره" ٥/ ٣٢٥، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٨٦، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٥١٤.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٧٥.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٨.
(٤) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢/ ١٣٤.
(٥) لم أقف على هذا القول، وقال الطبري ١٣/ ١٠٣: لقتلنا من بقي فيها بالسيف أو لأهلكناهم ببعض ما يؤلمهم من عذابنا العاجل، وذكره في "الوسيط" ٤/ ١٤٣ بلفظ المؤلف ولم ينسبه.
(٦) انظر. "تهذيب اللغة" (حمى) ٥/ ٢٧٤.

صفحة رقم 318

حمية، أي أنفاً وغضباً، منه لرجل حمي لا يحتمل الضيم، وحمي الأنف (١).
قال المبرد: الحمية الأنفة والإنكار، فإذا كانت مما لا يوقف من مثله فهو ضلالة وعلو، كما قال تعالى: ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ وإذا كانت لما يجب أن يوقف منه فصاحبها محمود.
قال الفراء: حموا أنفاً أن يدخلها عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- (٢).
قال المقاتلان: قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا ونسائنا، وتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا، واللات والعزى لا يدخلونها علينا -يعنون محمداً وأصحابه- فهذه الحمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم (٣).
وقال الزهري: كانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم (٤). وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وذلك أن سهيل بن عمرو كان عند النبي صلى -صلى الله عليه وسلم- وهو يملي كتاب الصلح، وسهيل مشرك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: لا ندري ما الرحمن، ولكن اكتب: بسمك اللهم. ثم قال:

(١) انظر: "العين" (حمى) ٣/ ٣١٢، "تهذيب اللغة" (حمى) ٥/ ٢٧٤ لكن بلفظ (أنفًا وغيظًا) بدل غضبًا.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٨. ولم أقف على قول المبرد.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٧٥، ٧٦، وأورد السمرقندي ٣/ ٢٨٥ هذا القول ولم ينسبه، وذكره البغوي ٧/ ٣٢١ ونسبه لمقاتل، وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه ٧/ ٤٤١، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٣ للمقاتلان.
(٤) أخرج ذلك الطبري١٣/ ١٠٣ عن الزهري. وأورده الثعلبي ولم ينسبه ١٠/ ١٥١ ب، ونسبه للزهري: الماوردي ٥/ ٣٢٠، والقرطبي ١٦/ ٢٨٨، ٢٨٩.

صفحة رقم 319

"اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: لو علمنا أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك (١).
قوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ تفسير السكينة في هذه السورة قد مر مراراً، ومعناها هاهنا ما ذكره الفراء: أذهب الله عن المؤمنين أن يدخلهم ما دخل أؤلئك من الحمية فيعصوا الله (٢).
قوله تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ قال مقاتل: ألزم المؤمنين كلمة الإخلاص وهي: لا إله إلا الله (٣)، وهذا قول جماعة المفسرين (٤)، ورواية أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في تفسيرها هي: لا إله إلا الله (٥)، وزاد علي وابن عمر: والله أكبر (٦).
قال عمرو بن ميمون: ما تكلم الناس بشيء أعظم عند الله من لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي ألزمها الله أصحاب محمد (٧).

(١) أورد ذلك الطبري ١٣/ ٩٩، الثعلبي ١٠/ ١٤٧ ب، "البغوي" ٧/ ٣١٦.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٨.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٧٦.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٠٤، ١٠٥، "الثعلبي" ١٠/ ١٥٢ أ، "السمرقندي" ٣/ ٢٥٨، "الماوردي" ٥/ ٣٢١، "البغوي" ٧/ ٣٢١.
(٥) أخرج ذلك الترمذي في التفسير باب (٤٩) ومن سورة الفتح ٥/ ٣٨٦، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة، قال: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فلم يعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والثعلبي ١٠/ ١٥٢ أعن أبي بن كعب. ونسبه البغوي ٧/ ٣٢١، والقرطبي ١٦/ ٢٨٩.
(٦) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ١٠٤ عن علي -رضي الله عنه-، والثعلبي ١٠/ ١٥٢ أ، ونسبه ابن الجوزي ٧/ ٤٤٢، والقرطبي ١٦/ ٢٨٩، والبغوي ٧/ ٣٢١ لعلي وابن عمر.
(٧) أخرجه الطبري ١٣/ ١٠٥ عن عمرو بن ميمون قال: لا إله إلا الله فقط دون ما ذكره المؤلف.

صفحة رقم 320
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية