آيات من القرآن الكريم

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة﴾ الحمية: الأنفة والامتناع عَن الشَّيْء غَضبا، وَمن الأنفة مَحْمُود ومذموم. وَيُقَال: فلَان حام حومته أَي: مَانع لحوزته. وَمعنى حمية الْجَاهِلِيَّة هَاهُنَا: هِيَ أَن الْكفَّار لم يتْركُوا النَّبِي أَن يدْخل [هُوَ] وَأَصْحَابه مَكَّة فِي ذَلِك الْعَام، وَقَالُوا: لَا يدْخل علينا مُحَمَّد أبدا على كره منا مَا بَقِي منا أحد، وَكَانَ ذَلِك أَنَفَة مِنْهُم وحمية، ثمَّ إِن الرَّسُول لما صَالح مَعَهم كَانَ فِي الصُّلْح أَن يرجع هَذَا الْعَام، وَيعود فِي الْعَام الْقَابِل فِي ذَلِك الشَّهْر بِعَيْنِه، وَيَقْضِي نُسكه، وَيُقِيم ثَلَاثًا وَيرجع. وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن [معنى] حمية الْجَاهِلِيَّة: أَن سُهَيْل بن عَمْرو وَمَعَهُ حويطب بن عبد الْعُزَّى [جَاءُوا] ليعقدوا

صفحة رقم 205

﴿الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وألزمهم كلمة﴾ عقد الصُّلْح، فَلَمَّا كَانَ أَوَان (الكتبة) قَالَ النَّبِي لعَلي رَضِي الله عَنهُ: " اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فَقَالَ سُهَيْل: لَا نَعْرِف مَا الرَّحْمَن الرَّحِيم! اكْتُبْ كَمَا نكتب: بِاسْمِك اللَّهُمَّ. فَقَالَ الْمُسلمُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله تَعَجبا من قَوْلهم ورجت بهَا جبال تهَامَة، ثمَّ إِنَّه قَالَ: اكْتُبْ هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله، فَقَالَ سُهَيْل: وَلَو علمنَا أَنَّك رَسُول الله مَا قَاتَلْنَاك؛ اكْتُبْ هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله، وَكتب عَليّ ذَلِك، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَنا مُحَمَّد رَسُول الله، وَأَنا مُحَمَّد بن عبد الله. وَكَانَ فِي عقد الصُّلْح أَيْضا: أَن من جَاءَ إِلَى النَّبِي من الْمُشْركين مُسلما فِي مُدَّة الصُّلْح يرد إِلَيْهِم، وَمن ذهب من الْمُسلمين إِلَى الْكفَّار مُرْتَدا لم يردوه، وَكَانَ هَذَا كُله من حمية الْجَاهِلِيَّة، وَعند هَذِه الشُّرُوط وَقعت الْفِتْنَة لعمر، وأتى رَسُول الله وَقَالَ: أَلَسْت رَسُول الله؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: أولسنا على الْحق؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: علام نعطي الدنية فِي ديننَا؟ يَعْنِي: نرضى بالخصلة الْأَدْنَى لأنفسنا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَنا رَسُول الله وَلَا يضيعني، وَذهب إِلَى أبي بكر وَذكر لَهُ مثل ذَلِك، فَقَالَ لَهُ: إِنَّه رَسُول الله، وَلنْ يضيعه الزم [الغرز]، ثمَّ إِن سُهَيْل بن عَمْرو أسلم بعد ذَلِك وَحسن إِسْلَامه، وَقَامَ فِي الْإِسْلَام مقامات مَشْهُودَة.
وَقَوله: ﴿فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ﴾ قد بَينا معنى السكينَة، وَالْمعْنَى هَاهُنَا: هُوَ الثَّبَات على الدّين مَعَ هَذِه الْأُمُور.
وَقَوله: ﴿وألزمهم كلمة التَّقْوَى﴾ روى ابْن الطُّفَيْل عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي هِيَ: " لَا إِلَه إِلَّا الله ".
وَفِي الْخَبَر الْمَشْهُور عَن عمر قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " أَنا أعلم

صفحة رقم 206

﴿التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما (٢٦) لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين مُحَلِّقِينَ رءوسكم وَمُقَصِّرِينَ لَا تخافون فَعلم مَا لم تعلمُوا فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا (٢٧) ﴾ كلمة إِذا قَالَهَا العَبْد مخلصا من نَفسه دخل الْجنَّة، وَلَا أَدْرِي مَا هِيَ، فَقَالَ: أَنا اردري هِيَ الْكَلِمَة الَّتِي ألاص عَلَيْهَا عَمه أَي: ألح على عَمه أَن يَقُولهَا وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله ". وَعَن الزُّهْرِيّ: أَن كلمة التَّقْوَى بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَقَوله: ﴿وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا﴾ أَي: كَانُوا محلا لهَذِهِ الْكَلِمَة وَأهلا لَهَا، وَيُقَال: كَانُوا أَهلهَا فِي علم الله وَحكمه، وَهُوَ الْأَصَح.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما﴾ أَي: عَالما.

صفحة رقم 207
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية