
٧ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ قال أهل المعاني: إن تنصروا دين الله (١) ورسوله بالجهاد، إلا أنه أضيف النصر إلى الله تفخيماً لشأنه وتعظيماً وتلطفاً في الاستدعاء إليه كالتلطف في ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] وقوله: ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾ أي بالغلبة على عدوكم ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ قال الكلبي ومقاتل: يعني عند القتال (٢)، وقيل: علي الإسلام (٣)، وروي عن ابن عباس على الصراط (٤).
٨ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال الكلبي: يعني: كفار قريش (٥)، وقال قتادة: هي للكفار خاصة (٦)، وهذا أشبه لأن قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ يعم المؤمنين كلهم، كذلك ما بعده من حكم الكفار، ومعنى التَّعْس في اللغة: قال النضر: التعس: الهلاك. وتعس: هلك (٧).
وقال أبو الهيثم: تعس يتعس معناه: انكب وعثر فسقط على يديه، وأتعسه الله (٨).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٧، "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥.
(٣) ذكر هذا القول والذي قبله الثعلبي في "تفسيره" ولم ينسبهما ١٠/ ١٢٥ أ، وكذلك القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٢.
(٤) ذكر هذا القول القرطبي في "الجامع" ولم ينسبه ١٦/ ٢٣٢، وكذلك ذكره الشوكاني مع القولين السابقين ولم ينسبها. انظر: "فتح القدير" ٥/ ٣١.
(٥) قال في "تنوير المقباس": (أبطل حسناتهم ونفقاتهم يوم بدر) ص ٥٠٧.
(٦) أخرج الطبري عن قتادة قال: هي عامة للكفار ١٣/ ٤٦.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٨.
(٨) انظر: "اللسان" (تعس) ٦/ ٣٢.

وقال أبو إسحاق: التعس في اللغة: الانحطاط والعثور (١).
وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة: تعسه الله وأتعسه في باب فعَلت وأفعلت بمعنى واحد، قال شمر: لا أعرف: تعسه الله، ولكن يقال: تعس بنفسه وأتعسه الله، وذكر عن الفراء قال: يقال تَعَسْتَ، إذا خاطبت الرجل. فإذا صرت إلى أن تقول فَعَل قلت: تعِس بكسرالعين، قال شمر: وهكذا سمعته في حديث عائشة: تعس مسطح (٢)، وأنكر شميل، وأبو الهيثم: تعس بكسر العين. قال ابن شميل: تقول العرب: تَعِسَ فما انتعش وشيكَ فلا انْتَقَشْ إذا دعيت (٣) على إنسان، وأنشد (٤) أبو الهيثم بيت الأعشى:
فالتَّعْسُ أَدْنَى لهَا من أنْ أَقول لَعَا (٥)
قال: ولا يجوز تعس، ولو جاز لقال: فالتعس أدنى لها، هذا قول
(٢) أخرج ذلك البخاري عن عائشة رضي الله عنها. انظر: "صحيح البخاري"، كتاب التفسير باب ٢٥، ومن سورة النور ٥/ ٣٣٢.
(٣) نص الحديث عند البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش..). انظر: "صحيح البخاري" كتاب الجهاد والسير، باب ٧٠، الحراسة في الغزو في سبيل الله ٣/ ٢٢٢.
(٤) انظر: هذا النص من قوله: روى أبو عبيد عن أبي عبيدة في "تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٨ وانظر: "اللسان" (تعس) ٦/ ٣٢.
(٥) انظر: "ديوان الأعشى" ص ١٠٥، و"تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٩، "اللسان" (تعس) ٦/ ٣٢، والكشاف ٣/ ٤٥٤، وقال في مشاهد الإنصاف: يقال للعاثر لعا لك، دعاء له بالانتعاش وتعسًا لك دعاء عليه بالسقوط، يريد أنها لا تعثر ولو عثرت فالدعاء عليها أحق بها من الدعاء لها. انظر: "مثساهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص ٧٦.

أهل اللغة في تفسير التعس وتعريفه.
وأما المفسرون، فقال ابن عباس: يريد في الدنيا العثرة وفي الآخرة التردي في النار (١).
وقال مقاتل: فنكسًا لهم. قال: ويقال: فخيبة لهم (٢)، وهو قول الضحاك (٣)، وقال أبو العالية: سقوطًا لهم (٤)، وقال ابن زيد: شقاء (٥).
وقال ابن جرير: فخزياً وبلاء (٦). وقال المبرد: فمكروهًا لهم وسوءًا قال: وإنما يقال هذا لمن دُعي عليه بالشر والهلكة (٧).
وأما إعراب الآية ونظمها فقال أبو إسحاق: (الذين) في موضع رفع على الابتداء ويكون: (فتعسًا لهم) الخبر (٨)، قال صاحب النظم: موضع الفاء جزم على الجزاء؛ لأنه منسوق على قوله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ وإنما جاء بالفاء في الجواب؛ لأن ذلك لم يوجبه عليهم إلا بشريطة الكفر،
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥.
(٣) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨١، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٢.
(٤) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٥ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨١.
(٥) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٥ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨١، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٢.
(٦) انظر: "جامع البيان" للطبري ١٣/ ٤٥.
(٧) لم أقف على هذا القول.
(٨) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨.