آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

فَجُمْلَةُ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ خَبَرٌ عَنِ الْمَوْصُولِ، وَقُرِنَتْ بِالْفَاءِ لِإِفَادَةِ السَّبَبِيَّةِ فِي تَرَتُّبِ مَا بَعْدَ الْفَاءِ عَلَى صِلَةِ الْمَوْصُولِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ كَثِيرًا مَا يُشْرَبُ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيُقْرَنُ خَبَرُهُ بِالْفَاءِ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ صِيغَةُ الْمَاضِي فِي فعل قُتِلُوا مُنْصَرِفَةً إِلَى الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الشَّرْطِ. وَجُمْلَةُ سَيَهْدِيهِمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ آنِفًا عَلَى مَعْنَى إِضْلَالِ الْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْبَالِ.
وَمَعْنَى عَرَّفَها لَهُمْ أَنَّهُ وَصَفَهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَهُمْ يَعْرِفُونَهَا بِصِفَاتِهَا، فَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْجَنَّةِ، أَوِ الْمَعْنَى هَدَاهُمْ إِلَى طَرِيقِهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا يَتَرَدَّدُونَ فِي أَنَّهُمْ دَاخِلُونَهَا، وَذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلِ الْفَرَحِ بِهَا. وَقِيلَ: عَرَّفَها جَعَلَ فِيهَا عَرْفًا، أَيْ رِيحًا طَيِّبًا، وَالتَّطْيِيبُ مِنْ تَمَامِ حُسْنِ الضِّيَافَةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قَاتَلُوا بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ، فَهُوَ وَعْدٌ لِلْمُجَاهِدِينَ أَحْيَائُهُمْ وَأَمْوَاتُهُمْ.
وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ قُتِلُوا بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ مَضْمُونُ الْآيَةِ جَزَاءَ الشُّهَدَاءِ فَهِدَايَتُهُمْ وَإِصْلَاحُ بَالِهِمْ كَائِنَانِ فِي الْآخِرَة.
[٧]
[سُورَة مُحَمَّد (٤٧) : آيَة ٧]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧)
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ الله لَا نتصر مِنْهُمْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ إِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ نَصْرَ الدِّينِ بِخَضَدِ شَوْكَةِ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْهُ، أَتْبَعَهُ بِالتَّرْغِيبِ فِي نَصْرِ اللَّهِ وَالْوَعْدِ بِتَكَفُّلِ اللَّهِ لَهُمْ بِالنَّصْرِ إِنْ نَصَرُوهُ، وَبِأَنَّهُ خَاذِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِسَبَبِ كَرَاهِيَتِهِمْ مَا شَرَعَهُ مِنَ الدِّينِ.
فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لَهَاتِهِ الْمُنَاسِبَةِ. وَافْتُتِحَ التَّرْغِيبُ بِنِدَائِهِمْ بِصِلَةِ الْإِيمَانِ اهْتِمَامًا بِالْكَلَامِ وَإِيمَاءً إِلَى أَن الْإِيمَاء يَقْتَضِي مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ تَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ أَنِ اجْتَنَوْا فَائِدَتَهُ مُشَاهَدَةً يَوْمَ بَدْرٍ.

صفحة رقم 84
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية