آيات من القرآن الكريم

إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

يعني: تقبض أرواحهم الملائكة، ملك الموت، وأعوانه، يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ يعني: عند قبض الأرواح. ويقال: يعني: يوم القيامة في النار. ذلِكَ أي: ذلك الضرب الذي نزل بهم عند الموت، وفي النار. بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ يعني: اتبعوا الكفر، وتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلم. وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ يعني: عملوا بما لم يرض الله به، وتركوا العمل بما يرضي الله تعالى. فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ يعني: أبطل ثواب أعمالهم.
قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني: أيظن أهل النفاق، والشك، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ يعني: لم يظهر الله نفاقهم. ويقال: يعني: الغش الذي في قلوبهم للمؤمنين، وعداوتهم للنبي صلّى الله عليه وسلم. وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ يعني: لعرفتك المنافقين، وأعلمتك، فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ يعني: بعلاماتهم الخبيثة. ويقال: فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ إذا رأيتهم. ويقال: لو نشاء، لجعلنا على المنافقين علامة، فلعرفتهم بسيماهم. يعني: حتى عرفتهم. وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ يعني: ستعرفهم يا محمد بعد هذا اليوم فِي لَحْنِ الْقَوْلِ يعني: في محاورة الكلام. ويقال: فِي لَحْنِ الْقَوْلِ يعني: كذبهم إذا تكلموا، فلم يخف على النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية، منافق عنده إلا عرفه بكلامه.
ثم قال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ يعني: لم يخف عليه أعمالكم قبل أن تعملوها، فكيف يخفى عليه إذا عملتموها. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني: لنختبرنكم عند القتال حَتَّى نَعْلَمَ أي: نميز الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ يعني: صبر الصابرين عند القتال وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يعني:
نختبر أعمالكم. ويقال: أسراركم. قرأ عاصم في رواية أبي بكر وَلَيَبْلُونَّكُم حَتَّى يَعْلَمَ وَيَبْلُوَا الثلاثة كلها بالياء. يعني: يختبركم الله. والباقون الثلاثة كلها بالنون على معنى الإضافة إلى نفسه.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: جحدوا وَصَدُّوا يعني: صرفوا الناس عن دين الإسلام عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال مقاتل: يعني: اليهود. وقال الكلبي: يعني: رؤساء قريش حيث شاقوا أهل التوحيد وَشَاقُّوا الرَّسُولَ يعني: عادوا الله تعالى، ورسوله، وخالفوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الدين مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى يعني: الإسلام، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم أنه الحق لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني: لن ينقصوا الله من ملكه شيئاً بكفرهم، بل يضروا بأنفسهم وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ يعني: يبطل ثواب أعمالهم التي عملوا في الدنيا، فلا يقبلها منهم.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٣٣ الى ٣٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)
هَآ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)

صفحة رقم 305

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ يعني: أطيعوه في السر، كما في العلانية. ويقال: أَطِيعُوا اللَّهَ في الفرائض وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ في السنن، وفيما يأمركم من الجهاد وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ يعني: حسناتكم بالرياء. وقال أبو العالية: كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع قول لا إله إلا الله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، حتى نزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فخافوا أن تبطل الذنوب الأعمال. وقال مقاتل: نزلت في الذين يمنون عليك أن أسلموا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال مقاتل: وذلك أن رجلاً سأله عن والده أنه كان محسناً في كفره، قال: هو في النار. فولى الرجل يبكي، فدعاه، فقال له: «والدك ووالدي ووالد إبراهيم في النار». فنزل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ قال الكلبي: نزلت الآية في رؤساء أهل بدر.
قوله تعالى: فَلا تَهِنُوا يعني: لا تضعفوا عن عدوكم وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ يعني: إلى الصلح. أي: لا تهنوا، ولا تدعوا إلى الصلح نظير.
قوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ [البقرة: ٤٢] يعني: ولا تكتموا الحق! وفي هذه الآية دليل على أن أيدي المسلمين، إذا كانت عالية على المشركين، لاَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يجيبوهم إلى الصلح، لأن فيه ترك الجهاد. وإن لم تكن يدهم عالية عليهم، فلا بأس بالصلح لقوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال: ٦١] يعني: إن مالوا للصلح فمل إليه. قرأ حمزة في رواية أبي بكر: إلى السلم بكسر السين. والباقون: بالنصب. قال بعضهم:
وهما لغتان. وقال بعضهم: أحدهما صلح، والآخر استسلام.
ثم قال: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يعني: العالين يكون آخر الأمر لكم وَاللَّهُ مَعَكُمْ يعني:
معينكم، وناصركم، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ يعني: لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً.
يقال: وترتني حقي يعني: بخستني فيه. وقال مجاهد: لن ينقصكم. وقال قتادة: لن يظلمكم.

صفحة رقم 306

إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ يعني: باطل، وفرح. وَإِنْ تُؤْمِنُوا أي: تستقيموا على التوحيد وَتَتَّقُوا النفاق يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ يعني: يعطكم ثواب أعمالكم وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ يعني: لا يسألكم جميع أموالكم، ولكن ما فضل منها إِنْ يَسْئَلْكُمُوها يعني:
جميع الأموال فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا يعني: إن يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم. ويقال:
فَيُحْفِكُمْ يعني: يجهدكم كثرة المسألة تَبْخَلُوا بالدفع وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ يعني: يظهر بغضكم، وعدواتكم لله تعالى، ولرسوله صلّى الله عليه وسلم وللمؤمنين. ويقال: ويخرج ما في قلوبكم من حب المال. يقول: هذا للمسلمين. ويقال: هذا للمنافقين. يعني: يظهر نفاقكم. وقال قتادة:
علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان.
قوله عز وجل: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ قرأ نافع، وأبو عمرو ها أَنْتُمْ بمدة طويلة، بغير همز. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي. بالمد، والهمز، فَهَا تنبيه، وأنتم كلمة على حدة، وإنما مد ليفصل ألف هاء من ألف أنتم. وقرأ ابن كثير: بالهمز بغير مد ومعناه: أَأَنتم. ثم قلبت إحدى الهمزتين هاء. ومعنى هذه القراءات كلها أنتم يا معشر المؤمنين تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني: لتتصدقوا في سبيل الله، وتعينوا الضعفاء. فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ بالنفقة في سبيل الله وَمَنْ يَبْخَلْ بالنفقة فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ يعني: لا يكون له ثواب النفقة وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عما عندكم من الأموال، وعن أعمالكم. وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ إلى ما عند الله من الثواب، والرحمة، والمغفرة. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يعني: تعرضوا عما أمركم الله به من الصدقة، وغير ذلك مما افترض الله عليكم من حق. يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ يعني: يهلككم، ويأت بخير منكم، وأطوع لله تعالى منكم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ يعني: أشباهكم في معصية الله تعالى. قال بعضهم: لم يتولوا، ولم يستبدل بهم. وقال بعضهم: استبدل بهم أناس من كندا وغيرها. وروى أبو هريرة قال: لما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من هؤلاء الذين، إِنْ تولينا استبدلوا بِنَا؟ قال: وَعنده سلمان. فوضع النبي صلّى الله عليه وسلم يده عليه، ثم قال: «هذا وَقَوْمُهُ»، ثم قال: «لَوْ كَانَ الإِيمَانُ مُعَلَّقاً بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَاِرس» وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين.

صفحة رقم 307
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية