آيات من القرآن الكريم

إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

المنَاسَبَة: كان بدء السورة في الحديث عن الكافرين، ثم جاء عن المؤمنين، وهنا يأتي الحديث عن المنافقين، وقد استغرق الجانب الأكبر من السورة باعتبارهم الخطر الداهم على الإِسلام والمسلمين، والآيات الكريمة تتحدث عن الجهاد وعن موقف المنافقين منه.

صفحة رقم 195

اللغَة: ﴿سَوَّلَ﴾ زيَّن وسهَّل ﴿أَضْغَانَهُمْ﴾ أحقادهم الدفينة قال الجوهري: الضغنُ والضغينة: الحقد، وتضاغن القوم أبطنوا على الأحقاد ﴿سِيمَاهُمْ﴾ علامتهم ﴿السلم﴾ الصلح الموادعة ﴿يُحْفِكُمْ﴾ يلحُّ عليكم يقال: أحفى بالمسألة وألحف وألحَّ بمعنى واحد ﴿يَتِرَكُمْ﴾ ينقصكم يقال: وتره حقه أي نقصه.
التفسِير: ﴿وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾ أي ويقول المؤمنون المخصلون شوقاً إلى الجهاد وحرصاً على ثوابه: هلاَّ أنزلت سورة فيها الأمر بالجهاد ﴿فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القتال﴾ أي فإِذا أنزلت سورة صريحةٌ ظاهرة الدلالة على الأمر بالقتال قال القرطبي: ﴿مُّحْكَمَةٌ﴾ أي لم تنسخ وقد قال قتادة: كل سورة ذكر فيها الجهاد فيه محكمة، وهي أشد القرآن على المناقين ﴿رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ أي رأيت المنافقين الذين في قلوبهم شك ونفاق ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت﴾ أي ينظرون إِليك يا محمد تشخص أبصارهم جنباً وهلعاً، كما ينظر من أصابته الغشية من حلول الموت ﴿فأولى لَهُمْ﴾ أي فويلٌ لهم قال في التسهيل: وهي كلمة معناها التهديد والدعاء عليهم كقوله تعالى ﴿أولى لَكَ فأولى﴾ [القيامة: ٣٥] ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ مبتدأٌ محذوف الخبر أي طاعةٌ لك يا محمد، وقولٌ جميلٌ طيبٌ خيرٌ لهم وأفضل وأحسن، قال الرازي: وهو كلام مستأنف محذوف الخير تقديره خيرٌ له أي أحسن وأمثل، وإِنما جاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة ويدل عليه قوله ﴿وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ كأنه قال: طاعة مخلصة، وقولٌ معروفٌ خيرٌ لهم ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأمر﴾ أي فإذا جدَّ الجِدذُ وفُرض القتال ﴿فَلَوْ صَدَقُواْ الله لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ أي فلو أخلصوا نياتهم وجاهدوا بصدقٍ ويقين لكان ذلك خيراً لهم من التقاعس والعصيان، والجملةُ جواب الشرط ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ﴾ أي فلعلَّكم إِن أعرضتم عن الإِسلام أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية، من الإِفساد في الأرض بالمعاصي، وقطع الأرحام! ﴿قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولّوا عن كتاب الله، ألم يسفكوا الدم الحرام، ويقطعوا الأرحام، ويعصوا الرحمن؟﴾ قال أبو حيان: يريد ما جرى من الفترة بعد زمان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله﴾ أي طردهم وأبعدهم من رحمته ﴿فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصَارَهُمْ﴾ أي فأصمهم عن استماع الحق، وأعملى قلوبهم عن طريق الهدى فلا يهتدون إلى سبي الرشاد قال القرطبي: أخبر تعالى أن من فعل ذلك حقت عليه اللغنة، وسلبه الانتفاع بسمعه وبصره، حتى لاينقاد للحق وإِن سمعه، فجعله كالبهيمة التي لا تعقل ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن﴾ ؟ الاستفهام توبيخي أي أفلا يتفهمون القرآن

صفحة رقم 196

ويتصفحونه ليروا ما فيه من المواعظ والزواجر، حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات!؟ ﴿أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ «أم» بمعنى «بل» وهو انتقالٌ من توبيخهم على عدم التدبر إلى توبيخهم على ظلمة القلوب وقسوتها حتى لا تقبل التفكر والتدبر والمعنى: بل قلوبهم قاسية مظلمة كأنها مكبَّلة بالأقفال الحديدية فلا ينفذ إليها نور ولا إيمان قال الرازي: إِن القلب خُلق للمعرفة فإِذا لم تكن فيه المعرفة فكأنه غير موجود، وهذا كما يقول القائل في الإِنسان المؤذي: هذا ليس بإِنسان هذا وحش، وهذا ليس بقلب هذا حجر ﴿إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى﴾ أي رجعوا إلى الكفر بعد الإِيمان، وبعد أن وضح لهم طريق الهدى بالدلائل الظاهرة والمعجزات الواضحة ﴿الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ وأملى لَهُمْ﴾ أي الشيطان زيَّن لهم ذلك الأمر، وغرَّهم وخدعهم بالأمل، وطول الأجل ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله﴾ أي ذلك الإِضلال بسبب أنهم قالوا لليهود الذين كرهوا القرآن الذي نزَّله الله حسداً وبغياً ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر﴾ أي سنطيعكم في بعض ما تأمروننا به كالقعود عن الجهاد، وتثبيط المسلمين عنه وغير ذلك ﴿والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي وهو جل وعلا يعلم خفاياهم، وما يبطنونه من الكيد والدسّ والتآمر على الإِسلام والمسلمين قال المفسرون: قال المنافقون لليهود ذلك سراً فأظهره الله تعالى وفضحهم ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ أي فكيف يكون حالهم حين تحضرهم ملائكة العذاب لقبض أرواحهم معهم مقامع من حديد يضربون بها وجودههم وظهروهم؟ قال القرطبي: المعنى على التخويف والتهديد أي إِن تأخر عنهم العذاب فإلى انقضاء العمر قال ابن عباس: لا يُتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ﴾ أي ذلك العذاب بسبب أنهم سلكوا طريق النفاق وكرهوا ما يرضي الله من الإِيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أبطل ما عملوه حال إيمانهم من أعمال البر ﴿أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ﴾ ؟ أي أيعتقد المنافقون الذين في قلوبهم شك ونفاق أن الله لن يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ وأنه لن يظهر بغضهم وأحقادهم على الإِسلام والمسلمين؟ لا بدَّ أن يفضحهم ويكشف أمرهم ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ أي لو أردنا لأريناك يا محمد أشخاصهم فعرفتهم عياناً بعلامتهم ولكنَّ الله ستر عليهم إبقاءً عليهم وعلى أقاربهم من المسلمين لعلهم يتوبون ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول﴾ أي ولتعرفنَّ يا محمد المنافقين من فحوى كلامهم وأسلوبه، فيما يعرضونه بك من القول الذي ظاهره إيمان وإِسلام وباطنه كفر ومسبّة قال الكلبي: لم يتكلم بعد نزولها عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ منافقٌ إلا عرفه ﴿والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ أي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم بحسب قصدكم، ففيه وعدٌ ووعيد ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين﴾ أي ولنختبرنكَم أيها الناسُ بالجهاد وغيره من التكاليف الشاقة حتى نعلم علم ظهور المجاهدين في سبيل الله، والصابرين على مشاقَ الجهاد ﴿وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ﴾ أي ونختبر أعمالكم

صفحة رقم 197

حسنها وقبيحها قال في التسهيل: المراد بقوله ﴿حتى نَعْلَمَ﴾ أي نعلمه علماً ظاهراً في الوجود تقوم به الحجة عليكم، وقد علم الله الأشياء قبل كونها، ولكنه أراد إقامة الحجة على عباده بما يصدر منهم، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبتلنا فإنك إذا ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي جحدوا بآيات الله ومنعوا الناس على الدخول في الإِسلام ﴿وَشَآقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى﴾ أي عادوا الرسول وخرجوا عن طاعته من بعد ما ظهر لم صدقُه وأنه رسول الله بالحجج والآيات ﴿لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي لن يضروا الله بكفرهم وصدّهم شيئاً من الضرر، وسيبطل أعمالهم من صدقة ونحوها فلا يرون لها في الآخرة ثواباً ﴿ياأيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ أي امتثلوا أوامر الله وأوامر رسوله ﴿وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ﴾ أي ولا تُبطلوا أعمالكم بما أبطل به هؤلاء أعمالهم من الكفر والنفاق، والعُجب والرياء ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي جحدوا بآيات الله وصدُّوا الناس عن طريق الهدى والإِيمان ﴿ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ أي وماتوا على الكفر ﴿فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ﴾ أي فلن يغفر الله لهم بحالٍ من الأحوال، وهذا قطع بأن من مات على الكفر لا يغفر اللهُ له لقوله تعالى
﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] قال أبو السعود: وهذا حكم يعم كل من مات على الكفر، وإن صحَّ نزوله في أصحاب القليب ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم﴾ أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى المهادنة والصلح مع الكفار إِذا لقيتموهم ﴿وَأَنتُمُ الأعلون﴾ أي وأنتم الأعزة الغالبون لأنكم مؤمنون ﴿والله مَعَكُمْ﴾ أي والله معكم بالعونِ والنصر ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ أي لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم قال ابن كثير: وفي قوله ﴿والله مَعَكُمْ﴾ بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء ﴿إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أي ما الحياة الدنيا إلا زائلة فانية، لا قرار لها ولا ثبات، كاللعب واللهو الذي يتلهى به الأولاد قال شيخ زاده: بيَّن تعالى أن الدنيا وما فيها من الحظوظ العاجلة، لا يصلح مانعاً من الإِقدام إلى الجهاد، وما يؤدي إلى ثواب الآخرة، لكونها بمنزلة اللهو اللهب في سرعة زوالها، وأن الآخرة هي الحياة الباقية، فلا ينبغي أن يكون حبُّ الدنيا والحرص على ما فيها من اللذات والشهوات سبباً للجبن عن الغزو والتخلف عن الجهاد ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ﴾ أي وإِن تؤمنوا بالله وتتقوه حقَّ تقواه، يعطكم ثواب أعمالكم كاملاً ﴿وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾ أي ولا يطلب منكم أن تنفقوا جميع أموالكم، بل الزكاة المفروضة فيها قال ابن كثير: أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئاً، وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساةً لإِخوانكم الفقراء، ليعود نفع ذلك وثوابه عليكم ﴿إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ﴾ أي إن يسألكم جميع أموالكم ويبالغ في طلبها، ويلح عليكم في إنفاقها تبخلوا ﴿وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ أي ويخرج ما في قلوبكم من البخل وكراهة الإِنفاق قال في التسهيل: وذلك لأن الإِنسان جبل على محبة الأموال، ومن نوزع في حبيبه ظهرت سرائره، فمن رحمته تعالى على عباده عدم التشديد عليهم في التكاليف {

صفحة رقم 198

هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} أي ها أنتم معشر المخاطبين تُدعون للإِنفاق في سبيل الله، وقد كلفتم ما تطيقون ﴿فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ﴾ أي فمنكم من يشح عن الإِنفاق ويمسك عنه ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ﴾ أي ومن بخل عن الإِنفاق في سبيل الله فإِنما يعود ضرر بخله على نفسه، لأنه يمنعها الأجر والثواب قال الصاوي: وبخل يتعدى ب «على» إِذا ضُمِّن معنى شحذَ، وب «عن» إِذا ضُمِّن معنى أمسك ﴿والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء﴾ أي واللهُ مستغن عن إنفاقكم ليس بمحتاج إِلى أموالكم، وأنتم محتاجون إليه ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ أي وإِن تعرضوا عن طاعته واتباع أوامره، يخلف مكانكم قوماً آخرين يكونون أطوع لله منكم ﴿ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ أي لا يكونون مثلكم في البخل عن الإِنفاق بل يكونوا كرماء أسخياء.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - المقابلة بين الآية الأولى والثانية ﴿الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ١] وبين ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ [محمد: ٢] الآية وهو من المحسنات البديعية.
٢ - ذكر الخاص بعد العام ﴿وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ﴾ [محمد: ٢] والنكتة تعظيمه والاعتناء بشأنه.
٣ - الاستعارة التبعية ﴿تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: ٤] شبَّه ترك القتال بوضع آلته، واشتق من الوضع «تضع» بمعنى تنتهي وتترك بطريق الاستعارة التبعية.
٤ - المجاز المرسل ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧] أطلق الجزء وأراد الكل أي يثبتكم، وعبَّر بالأقدام لأن الثبات التزلزل يظهران فيهاوهو مثل ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠].
٥ - الطباق بين ﴿مَنًّا.. وفِدَآءً﴾ وبين ﴿آمَنُواْ.. وكَفَرُواْ﴾ وبين ﴿الغني.. والفقرآء﴾.
٦ - المجاز العقلي ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأمر﴾ نسب العزم إلى الأمر وهو لأهله مثل نهاره صائم.
٧ - الالتفات ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع.
٩ - الاستعارة التصريحية ﴿أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ شبَّه قلوبهم بالأبواب المقفلة، فإِنها لا تنفتح لوعظ واعظ، ولا يفيد فيها عذل عاذل، وهي من لطائف الاستعارات.
١٠ - الإِطناب بتكرار ذكر الأنهار ﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ..﴾ [محمد: ١٥] الآية وذلك لزيادة التشويق إلى نعيم الجنة.
١١ - الكناية ﴿ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ﴾ كناية عن الكفر بعد الإِيمان.
١٢ - السجع الرصين غير المتكلف ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ. واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ. وأعمى أَبْصَارَهُمْ﴾ الخ وهو من المحسنات البديعية.

صفحة رقم 199
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية