آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ

ويغشّى كما تغشّى السّماء بالغيم) حتى أستغفر في اليوم مئة مرة، وفي رواية توبوا إلى ربكم إني لأتوب إلى ربي عز وجل مئة مرة في اليوم، وروى البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة. وذلك بسبب ما أطلعه الله عليه من أحوال أمته بعده، فأحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم، أو لما كان يشغله النّظر في أمورهم ومصالحهم حتى يرى أنه اشتغل بذلك عن التفرد بربه، فيحزنه ذلك، فيستغفر ربه من أجل أمته، فعليكم باتباعه والتمسك بشريعته واهتدوا بهديه واتخذوه وسيلة لكم وحجة عند ربكم، وإياكم أن تسببوا لأنفسكم ما يكون به حجة عليكم.
وتقدم البحث في هذا في الآية ٦٥ من سورة الزمر المارة في ج ٢ وفيها ما يرشدك لمراجعة غيرها. ولهذا البحث صلة عند قوله تعالى (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الآية ٣٠ من سورة الرّعد الآتية. قال تعالى «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ» تأمرنا بالجهاد حبا فيه وحرصا عليه، لأن فيه العزّ، فأجابهم بقوله «فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ» في الجهاد غير متشابهة لا تحتمل تأويلا ولا تفسيرا «وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ» وكلّ سورة فيها ذكر الجهاد من أشد القرآن على المنافقين، لذلك قال تعالى «رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» نظر شزر وكراهية تضجرا أوجبنا عن لقاء العدو، فتراهم شاخصي أبصارهم كأنهم يعانون سكرات الموت «فَأَوْلى لَهُمْ» (٢٠) كلمة ذم ودعاء عليهم بالمكروه كما تقول ويلك قاربك ما تكره بمعنى التهديد ويقارب هذه الآية في المعنى الآية ٧ من الأنفال والآية ٧٧ من النّساء والآية ٢٠ من الأحزاب المارات فراجعها.
وهنا تم الكلام ثم ابتدأ فقال «طاعَةٌ» لله ورسوله «وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ» عند سماع كلامه بالإجابة أولى بهم من ذلك لو عقلوا وسكتوا «فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ» ودنى وقت الجهاد «فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ» وآمنوا به وأخلصوا وجاهدوا مع رسوله ولم يخالفوا أمره ويخلفوا وعده ولم يكذبوا في قولهم «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ» (٢١) من الإيمان الكاذب والقول الفارغ والنّكث بالعهد والطّاعة المزيفة. واعلم أنه لا يوجد في القرآن

صفحة رقم 28

غير سبع آيات مبدوءة بحرف الطّاء هذه وأول طه وأول الطّواسيم والآية ٦٥ من الصافات و ٢٤ من الدّخان قال تعالى «فَهَلْ عَسَيْتُمْ» أيها المنافقون «إِنْ تَوَلَّيْتُمْ» عن سماع كلام الله واتباع أحكامه وطاعة رسوله فلعلكم «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» كما كنتم في الجاهلية وتسلكوا طرق البغي وسفك دماء النّاس «وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» (٢٢) كما يفعل غيركم من الكفرة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النّبي ﷺ قال إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرّحم فأخذت بحقوي الرّحمن (الحقوه مشد الأزرار) فقال مه فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى، قال فذالك لك. ثم قال ﷺ اقرأوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) الآية. وفي رواية الرّحم شجنة (قرابة) من الرّحمن مشتبكة اشتباك العروق. ولهذا البحث صلة في الآية ٢٣ من سورة الرّعد الآتية وقد بيّنا أول سورة النّساء وآخر الأنفال المارتين ما يتعلق في بحث الأرحام وأشرنا إليه في الآية ٦ من سورة الأحزاب المارة أيضا فراجعها «أُولئِكَ» المفسدون في الأرض قاطعوا أرحامهم هم «الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ» (٢٣) عن طريق الحق وسبيل الرّشاد فتاهو في الحيرة التي أدت بهم إلى النّار «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ» فيتأملون في معانيه ويتفكرون في مغازيه بحضور قلب فيعرفون زواجره ومواعظه ووعده ووعيده ورشده وتهديده، فلا يجسرون على مخالفة ما فيه، وينقادون لأوامره ونواهيه. ونظير هذه الآية الآية ٨١ من سورة النساء المارة، وهذا استفهام بمعنى التعجب من سوء حالهم وقبح تمردهم وشناعة جبنهم فقد تراكم الصّدأ على أفئدتهم وران عليها سوء فعلهم، ولهذا قال تعالى «أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» (٢٤) والقفل مثل لكل مانع للانسان من تعاطي الطّاعات كما أن قفل الدّار مانع من دخولها، وهذا من التكليف الذي لا يطاق، لأن المحل المغلق لا يمكن دخوله، والإيمان محله القلب فإذا ختم عليه وأغلق فمن أين يدخله؟
وهذا من الجائزات، لأن الله أمر من سبق علمه أن لا يؤمن بالإيمان، ولهذا فلا يقال كيف يمكنهم التدبر في القرآن وقد أصمهم الله وأعمى أبصارهم وختم على

صفحة رقم 29

قلوبهم؟ وأم هنا بمعنى بل، والهمزة للتقرير، وهو إعلام بأن قلوبهم مسكرة لا يصل إليها ذكر الله، وتنكير القلوب للدلالة على أنها قاسية لا تتأثر بالوعظ والزجر والمراد بها قلوب المنافقين، لأنها على هذه الصّفة. وتقدم في الآية ٨٢ من النّساء ما يتعلق بهذا البحث فراجعه. وقيل في القفل لغزا:

وأسود عار أنحل البرد جسمه وما زال من أوصافه الحرص والمنع
وأعجب شيء كونه الدّهر حارسا وليس له عين وليس له سمع
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ» القهقرى ورجعوا كفارا «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى» وأصروا على ارتدادهم كان «الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ» بوساوسه حتى زين لهم القبيح ورأوا السّيء حسنا «وَأَمْلى لَهُمْ» (٢٥) بامتداد الأمل وفسحة الأجل، ورغبهم في التمتع بالدنيا وحب الرّئاسة كما يفعل بعض الجهال الآن، ويقولون سوف نتوب، وما يحسون إلّا وقد باغتهم الموت فيتدمون ولات حين مندم. وقرىء وأملي بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء أي أمهلوا في العمر، ولا شك أن المملي هو الله تعالى، وإنما أسند إلى الشّيطان لمباشرته له فعلا، وإلّا فإن الله قادر على منعه، وهو الذي قدره على ذلك التسويل والإملاء واراده، وإلّا فإن كيد الشّيطان ضعيف لا يستطيع على شيء إلا بتقدير الله إياه كما تقدم غير مرة «ذلِكَ» الإملاء والتسويل «بِأَنَّهُمْ» أهل الكتاب والمنافقين «قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ» وهم المشركون «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» ونتعاون معكم على عداء محمد وأصحابه فلا نجاهد معهم ونقعد عن سراياهم ولا نكثر سوادهم، وهذه كلها من الأحوال التي يذكرها المنافقون فيما بينهم سرا ولا يعلمون أن الله تعالى يفضحهم ويخبر رسوله بها «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ» (٢٦) لا يخفى عليه شيء منها. وقرىء بكسر الهمزة أي ما يسره بعضهم لبعض. وبفتحها أي مكن في قلوبهم من ذلك ولم يفشوها بعد «فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ» يكون حالهم حين «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ» (٢٧) إهانة له ويقرب من معنى هذه الآية ٥١، من سورة الأنفال المارة «ذلِكَ» الضرب «بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ» وهو عدم

صفحة رقم 30
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية