آيات من القرآن الكريم

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

اغفر لى خطيئتى وجهلى وإسرافى فى أمرى وما أنت أعلم به منى اللهم اغفر لى هزلى وجدّى، وخطئى وعمدى، وكل ذلك عندى».
وثبت أنه كان يقول فى آخر الصلاة: «اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به منى، أنت إلهى لا إله إلا أنت».
وجاء أيضا أنه قال «أيها الناس توبوا إلى ربكم، فإنى أستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة».
وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما، فإن إبليس قال: إنما أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكونى بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون».
وفى الأثر المروي «قال إبليس وعزّتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم فى أجسادهم، فقال الله عز وجل: وعزتى وجلالى لا أزال أغفر لهم ما استغفرونى».
ثم رغبهم سبحانه فى امتثال ما يأمرهم به، ورهّبهم مما ينهاهم عنه فقال:
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) أي والله يعلم تصرفكم فى نهاركم ومستقركم فى ليلكم، فاتقوه واستغفروه، فهو جدير بأن يتقى ويخشى، وأن يستغفر ويسترحم.
ونحو الآية قوله: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ» وقوله: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ».
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)

صفحة رقم 63

تفسير المفردات
لولا: كلمة تفيد الحثّ على حصول ما بعدها، أي هلا أنزلت سورة فى أمر الجهاد، محكمة: أي بيّنة واضحة لا احتمال فيها لشىء آخر، مرض: أي ضعف ونفاق، نظر المغشىّ عليه من الموت: أي كما ينظر المصروع الذي لا يطرف بصره جبنا منه وهلعا، أولى لهم: أي فويل لهم، وهو من الولي بمعنى القرب، والمراد الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه ويقرب منهم، عزم الأمر: أي جدّ أولو الأمر، عسى كلمة تدل على توقع حصول ما بعدها، توليتم أي توليتم أمور الناس. وتأمرتم عليهم.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عزّ اسمه حال المنافقين والكافرين والمؤمنين حين استماع آيات التوحيد والحشر والبعث وغيرها من الأمور التي أوجب الدين علينا اعتقادها بقوله فيما سلف «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» وقوله: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً» - أردف هذا فذكر حالهم فى الآيات العملية كآيات الجهاد والصلاة والزكاة ونحوها، فأبان أن المؤمنين كانوا ينتظرون مجيئها ويرجون نزولها، وإذا تأخرت كانوا يقولون:
هلا أمرنا بشىء من ذلك، لينالوا ما يقرّبهم من ربهم ويحصلوا على رضوانه والزلفى إليه، وأن المنافقين كانوا إذا نزل شىء من تلك التكاليف شق عليهم ونظروا نظرة المصروع الذي يشخص بصره خوفا وهلعا. ثم ذكر نتيجة لما سلف، وفذلكة

صفحة رقم 64

لما تقدم، فأعقب هذا بأن الله طرد المنافقين وأبعدهم من الخير، ومن قبل هذا أصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين، وأعمى أبصارهم فلا يسيرون على الصراط المستقيم، أما المؤمنون فقد رضى عنهم وأرضاهم، ونالوا محبته، ودخلوا جنته، فضلا منه ورحمة، والله ذو الفضل العظيم.
الإيضاح
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي إن المؤمنين المخلصين فى إيمانهم يشتاقون للوحى، ونزول آيات الجهاد حرصا على ثوابه ويقولون: هلا أنزلت سورة تأمرنا به، فإذا أنزلت سورة واضحة الدلالة فى الأمر به فرحوا بها، وشق ذلك على المنافقين، وشخصت أبصارهم هلعا وجبنا من لقاء العدو ونظروا مغتاظين بتحديد وتحديق كمن يشخص بصره حين الموت.
ونحو الآية قوله «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ؟ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ».
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
(فَأَوْلى لَهُمْ) أي فالموت أولى لمثل هؤلاء المنافقين، إذ حياتهم ليست فى طاعة الله، فالموت خير منها، وقد يكون المعنى على التهديد والوعيد والدعاء عليهم بالهلاك، فكأنه قيل: أهلكهم الله هلاكا أقرب لهم من كل شر وهلاك، فهو نحو قولهم فى الدعاء بعدا له وسحقا

صفحة رقم 65

قال الأصمعى معناه: قاربه ما يهلكه أي نزل به، وأنشد:

فعادى بين هاديتين منها وأولى أن يزيد على الثلاث
أي قارب أن يزيد.
(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي طاعة لله وقول معروف أمثل لهم وأحسن مما هم فيه من الهلع والجزع والجبن من لقاء العدو، فمتاع الحياة الدنيا متاع قليل، وظل زائل، والآخرة خير لمن اتقى.
(فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي فإذا حضر القتال كرهوه وتخلّفوا عنه خوفا وفرقا، ولو صدقوا فى إيمانهم واتباعهم للرسول، وأخلصوا النية فى القتال لكان خيرا لهم عند ربهم، إذ ينالون به الثواب والزلفى عنده ويعطيهم ما تقرّ به أعينهم، ويدخلهم جنات النعيم.
ثم خاطب أولئك المنافقين خطاب توبيخ وتأنيب فقال:
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) أي فلعلّكم لما عهد فيكم من الحرص على الدنيا وزخرفها إذ قد أمرتم بالجهاد الذي هو الوسيلة إلى الثواب فكرهتموه، وظهر عليكم ما ظهر من الخوف والهلع والتشبث بالبقاء فى هذه الحياة والتكالب على زينتها إن أنتم توليتم أمور الناس وصرتم عليهم أمراء أن تفسدوا فى الأرض بالبغي وسفك الدماء، وتقطعوا أرحامكم فتعودوا إلى تباغض الجاهلية من إغارة بعضكم على بعض ونهب الأموال وسفك الدماء.
والخلاصة- إنه لاعجب بعد أن صدر منكم ما صدر من كراهة الدفاع عن حوزة الإسلام- أن تعيدوا أحوال الجاهلية جزعة إذا صرتم أمراء الناس وولاتهم.
وبعد أن ذكر هناتهم بين سببها فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي فهؤلاء هم الذين أبعدهم الله من رحمته، فأصمهم عن الانتفاع بما سمعوا، وأعمى أبصارهم عن الاستفادة مما

صفحة رقم 66
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية