آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ

الفارق بين المحسنين والمسيئين في المحيا والممات
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)
الإعراب:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ...
أَنْ
وصلتها: سدت مسد مفعول حَسِبَ
. وسَواءً
: حال من ضمير نَجْعَلَهُمْ
ومَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
: مرفوعان بسواء، لأنه بمعنى مستو، ويقرأ بالرفع «سواء» على أنه خبر مقدم، ومَحْياهُمْ
: مبتدأ مؤخر، ومَماتُهُمْ
: عطف عليه. وساءَ ما يَحْكُمُونَ
إن كانت ما
معرفة، كانت في موضع رفع ب ساءَ
وإن كانت نكرة، كانت في موضع نصب على التمييز.
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ بِالْحَقِّ: في موضع نصب على الحال، وليست باؤه للتعدية.
أَفَرَأَيْتَ يقدر له مفعول ثان بعد قوله غِشاوَةً أي لرأيت أيهتدي.
فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي من بعد هداية الله.
البلاغة:
مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
بينهما طباق. وكذا بين السَّيِّئاتِ
والصَّالِحاتِ.
المفردات اللغوية:
أَمْ
الهمزة: همزة الإنكار، وأم منقطعة عما قبلها، أي أبل، والمراد إنكار الحسبان.

صفحة رقم 272

اجْتَرَحُوا
اكتسبوا ومنه الجارحة: أعضاء الإنسان. السَّيِّئاتِ
الكفر والمعاصي. أَنْ نَجْعَلَهُمْ
هذا الضمير وما قبله في اجْتَرَحُوا
للكفار، والمعنى: إنكار أن يستوي الفريقان بعد الممات في الكرامة، أو ترك المؤاخذة، كما استووا في الرزق والصحة في الحياة. ساءَ ما يَحْكُمُونَ
أي ليس الأمر كذلك، فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم وحالهم في الدنيا، أي ساء حكمهم هذا، أو بئس شيئا وحكما حكمهم هذا، وما
مصدرية.
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ كأنه دليل على الحكم السابق، لأن الخلق بالحق يستدعي العدل والتفاوت بين المسيء والمحسن. وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من المعاصي والطاعات، فلا يساوي الكافر المؤمن، وهي عطف على بِالْحَقِّ لأنه في معنى العلة لما سبق، أي ليستدل بذلك على قدرته، وليعدل ويجزي.
أَفَرَأَيْتَ أخبرني. مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى من عبادة الحجر، لأنه كان يعبده، فإذا رأى أحسن منه رفضه وعبد الآخر، والهوى: ما تهواه نفسه.
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ خذله عالما بضلاله، وفساد استعداده وحاله قبل خلقه. وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ طبع عليهما بالخاتم بعد كفره، فلم يسمع الهدى والمواعظ، ولم يتفكر في الآيات. وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً ظلمة، فلم ينظر بعين الاستبصار والاعتبار، ولم يبصر الهدى.
فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ من بعد هداية الله وإضلاله إياه، أي لا يهتدي. أَفَلا تَذَكَّرُونَ تتعظون. وقرئ «تتذكرون».
سبب النزول:
نزول الآية (٢١) :
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ..
: قال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما أنّا أفضل حالا منكم في الدنيا، فأنكر الله عليهم هذا الكلام، وبيّن أنه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب، ومنازل السعادات «١».

(١) تفسير الرازي: ٢٧/ ٢٦٦

صفحة رقم 273

نزول الآية (٢٣) :
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ: أخرج ابن المنذر وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه، طرحوا الأول وعبدوا الآخر، فأنزل الله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ الآية، وقال مقاتل: نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين، لأنه كان يعبد ما تهواه نفسه.
نزول بقية الآية (٢٣) :
وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ... قال مقاتل: نزلت في أبي جهل، ذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة، ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه صادق، فقال له: مه، وما دلّك على ذلك؟
قال: يا أبا عبد شمس كنا نسمّيه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده نسمّيه الكذاب الخائن، والله إني لأعلم أنه صادق، قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟ قال: تتحدث عني بنات قريش أني اتّبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللّات والعزّى إن اتبعته أبدا، فنزلت: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ «١».
المناسبة:
بعد بيان الفرق بين الظالمين الكافرين وبين المتقين في الولاية، بيّن الفرق بينهما من وجه آخر وهو الرحمة والثواب في الآخرة، ثم ذكر تعالى دليل التفاوت بين المحسنين والمسيئين وهو خلق الكون بالحق المقتضي للعدل، وجعل الجزاء منوطا بالكسب والعمل، ثم أخبر تعالى عن المسيء المتبع هواه بأنه موضع تعجب، وأنه لا سبيل إلى هدايته بعد هدايته الله تعالى.

(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ١٧٠

صفحة رقم 274

التفسير والبيان:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ
أي بل أظن هؤلاء الذين اقترفوا الإثم والشرك والمعاصي في الدنيا، فكفروا بالله ورسله، وعبدوا غيره، أن نجعلهم كالذين صدقوا بالله ورسله، وعملوا الأعمال الصالحة من إقامة الفرائض واجتناب المحارم، بأن نسوّي بينهم في الجزاء والثواب والرحمة في دار الدنيا والآخرة، كلا لا يستوون، فإن حال أهل السعادة في الآخرة غير حال أهل الشقاوة، لقد ساء ما ظنوا، وبئس ما حكموا أن نسوي بين الأبرار الطائعين وبين الفجار العاصين في الدنيا والآخرة. والمعنى: إنكار أن يستوي الفريقان حياة وموتا، لأن المحسنين عاشوا على الطاعة، وإنهم عاشوا على المعصية، ومات أولئك على البشرى والرحمة ومات هؤلاء على الضدّ. وقيل: معناه إنكار أن يستويا في الممات، كما استووا في الحياة من حيث الصحة والرزق، بل قد يكون أحسن حالا من المؤمن، فالفرق المقتضي لسعادة المؤمن وشقاوة الكافر إنما يظهر بعد الوفاة.
ونظير الآية قوله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ [الحشر ٥٩/ ٢٠] وقوله سبحانه: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم ٦٨/ ٣٥- ٣٦] وقوله عز وجل: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص ٣٨/ ٢٨].
وهذا دليل واضح أيضا على التفرقة في مصير المؤمن الطائع والمؤمن العاصي.
أخرج الطبراني عن مسروق أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ

صفحة رقم 275

وبعد بيان التفاوت بين المؤمن والكافر في الآخرة والدنيا، أقام الدليل على صحة هذا المبدأ وحكمته، فقال تعالى:
١- وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي أوجد الله وأبدع السموات والأرض بالحق المقتضي للعدل بين العباد، فلو لم يوجد البعث والحساب والجزاء، لما كان ذلك الخلق بالحق بل كان بالباطل، ومن العدل: اختلاف الجزاء بين المحسن والمسيء ٢- وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي خلق الله السموات والأرض بالحق، ليدل بهما على قدرته، ولكي تجزي كل نفس بما قدمت من عمل صالح أو سيء، وهم أي المخلوقون لا يظلمون بنقص ثواب أو زيادة عقاب، فلو ترك الظالم الذي ظلم غيره في الدنيا، ولم يقتص منه في الآخرة، لما كان خلق السموات والأرض بالحق.
فيكون قوله وَلِتُجْزى معطوفا على قوله: بِالْحَقِّ والتقدير:
وخلق الله السموات والأرض لأجل إظهار الحق، ولتجزي كل نفس، والمعنى أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة، وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة، وحصل التفاوت في الجزاء والدرجات والدركات بين المحقين وبين المبطلين.
ثم أبان الله تعالى أحوال الكفار وقبائحهم وسوء جناياتهم، فقال:
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ، وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ أي أخبرني عن حال ذلك الكافر الذي أطاع هواه، وترك الهدى، واتخذ دينه ما يهواه، فكأنه جعل الهوى إلهه يعبده من دون الله، فلا يهوى شيئا إلا تبعه، دون مراعاة لما يحبه الله ويرضاه، فهذا مما يدعو إلى العجب، وكان الحارث بن قيس لا يهوى

صفحة رقم 276

شيئا إلا فعله، والعبرة بعموم لفظ الآية، لا بخصوص السبب الذي نزلت الآية من أجله.
وقد أضله الله وخذله مع علمه بالحق، ومعرفته الهدى من الضلال، وقيام الحجة عليه، وطبع على سمعه، حتى لا يسمع الوعظ، وعلى قلبه، حتى لا يفقه الهدى، وجعل غطاء على بصره وبصيرته، حتى لا يبصر الرشد ويدرك آيات الله في الكون التي تدل على وحدانية الله تعالى.
فمن يوفقه للصواب والحق من بعد إضلال الله له بسبب انحرافه واتباعه هواه، أفلا تتذكرون تذكر اعتبار، وتتعظون حتى تعلموا حقيقة الحال؟! ونظير مطلع الآية قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات ٧٩/ ٤٠- ٤١].
ونظير وسط الآية قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [البقرة ٢/ ٦- ٧].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- كما أن هناك فرقا في الولاية بين المتقين والظالمين، هناك فرق آخر بين المحسنين والمسيئين في الجزاء في الدنيا والآخرة، فالله ولي المتقين وناصرهم في الدنيا والآخرة، والظالمون الكافرون يوالي بعضهم بعضا في الدنيا، وتنقطع ولاياتهم في الآخرة، والمحسنون المؤمنون سعداء الدنيا والآخرة، والمسيؤون الكفار أشقياء في الآخرة، وإن تساووا في الدنيا مع المؤمنين في الصحة والرزق والكفاية، أو كانوا أحسن حالا من المؤمنين فيها.

صفحة رقم 277

٢- لا بد من التفاوت في الجزاء والدرجات والدركات بين المحسنين والمسيئين، عدلا من الله، لأنه بالعدل قامت السموات والأرض، ولكي تجزى كل نفس في الآخرة بما كسبت في الدنيا، وهم لا يظلمون فيها بنقص ثواب أو زيادة عقاب.
٣- إن اتباع أهواء النفس مذموم دائما، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمّه، قال الله تعالى: وَاتَّبَعَ هَواهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف ٧/ ١٧٦] وقال تعالى: وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف ١٨/ ٢٨] وقال تعالى: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [الروم ٣٠/ ٢٩] وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص ٢٨/ ٥٠] وقال: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص ٣٨/ ٢٦].
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما ذكره النووي في كتاب الحجة للمقدسي عن عبد الله بن عمرو: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»
وقال أبو أمامة رضي الله عنه: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى».
وقال شدّاد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن شداد بن أوس: «الكيّس: من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والفاجر: من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله»
وقال صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني: «إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة»
وقال صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر، وهو ضعيف: «ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فالمهلكات: شحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه، والمنجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر:
والعدل في الرضا والغضب»
.

صفحة رقم 278

٤- لا يضلّ الله قوما إلا بعد أن هداهم وبعد أن أعلمهم وعلمهم، ولا يمنع عنهم فضله ورحمته إلا بسبب جحودهم وظلمهم وكفرهم، ولا يحجب عنهم منافذ الهداية من الاستبصار بنور البصيرة والقلب، والنظر في أسباب الرشد، وسماع المواعظ ليفقه الهدى إلا بعد إعراضهم وعنادهم وغيهم.
قال المفسرون: هذه الآية رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان يخلق أفعال نفسه من الاعتقاد وفعل الخير وارتكاب الشر، لأن الله تعالى صرح بمنعه إياهم عن الهدى حين أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره، أي فالله هو الخالق لأفعال الإنسان، وليس العبد خالقا لها، وإنما هو كاسب وآخذ ومختار أيّ الطريقين من الخير أو الشر.
٥- إن أسباب ضلال المضلين إما اتباع الإنسان ما تدعو إليه نفسه الأمّارة بالسوء: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وإما تجاهل الحقائق بعد العلم بوجوه الهداية: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وإما العناد: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ وإما إنكار البعث باعتقاد ألا حياة إلا هذه: نَمُوتُ وَنَحْيا [٢٤] وإنكار المبدأ قائلين: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [٢٤].
وقد أجاب الله على شبهتهم بقوله فيما يأتي من الآيات: وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي ليس لهم على ما قالوه دليل، وإنما ذكروا ذلك ظنا وتخمينا واستبعادا، فلا ينبغي لعاقل أن يلتفت إلى قولهم، لأن الحجة قامت على نقيض ذلك، وهي دليل المبدأ والمعاد المذكور مرارا، وليس قولهم: ائْتُوا بِآبائِنا [٢٤] من الحجة في شيء، لأنه ليس كل ما لا يحصل في الحال، فإنه يمتنع حصوله في الاستقبال».

(١) غرائب القرآن: ٢٥/ ٧٨- ٧٩

صفحة رقم 279
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية