آيات من القرآن الكريم

وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ

[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٥١]

وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١)
لَمَّا كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بِدَعْوَةِ مُوسَى، وَأَضْمَرَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ نَكْثَ الْوَعْدِ الَّذِي وَعَدُوهُ مُوسَى بِأَنَّهُمْ يَهْتَدُونَ، خَشِيَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَتَّبِعَ قَوْمُهُ دَعْوَةَ مُوسَى وَيُؤْمِنُوا بِرِسَالَتِهِ فَأَعْلَنَ فِي قَوْمِهِ تَذْكِيرَهُمْ بِعَظَمَةِ نَفْسِهِ لِيُثَبِّتَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ، وَلِئَلَّا يَنْقُلَ إِلَيْهِمْ مَا سَأَلَهُ مِنْ مُوسَى وَمَا
حَصَلَ مِنْ دَعْوَتِهِ بِكَشْفِ الْعَذَابِ وَلِيَحْسَبُوا أَنَّ ارْتِفَاعَ الْعَذَابِ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ إِذْ قَوْمُهُ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا دَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوسَى مِنْ سُؤَالِ كَشْفِ الْعَذَابَ.
وَالنِّدَاءُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى فِرْعَوْنَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَرَ بِالنِّدَاءِ فِي قَوْمِهِ. وَكَانَ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ مُنَادُونَ يُعَيَّنُونَ لِذَلِكَ وَرُبَّمَا نَادَوْا فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُرَادُ عِلْمُ النَّاسِ بِهَا. وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٧٠] ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ [الشُّعَرَاء: ٥٣- ٥٥].
وَوَقَعَ فِي الْمَقَامَةِ الثَّلَاثِينَ لِلْحَرِيرِيِّ: «فَلَمَّا جَلَسَ كَأَنَّهُ ابْنُ مَاءِ السَّمَاءِ، نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الْأَحْمَاءِ، وَحُرْمَةِ سَاسَانَ أُسْتَاذِ الْأُسْتَاذِينَ، وَقُدْوَةِ الشَّحَّاذِينَ، لَا عَقَدَ هَذَا الْعَقْدَ الْمُبَجَّلَ، فِي هَذَا الْيَوْمِ الْأَغَرِّ الْمُحَجَّلِ، إِلَّا الَّذِي جَالَ وَجَابَ، وَشَبَّ فِي الْكُدْيَةِ وَشَابَ».
فَذَلِكَ نِدَاءٌ لِإِعْلَانِ الْعَقْدِ.
وَجُمْلَةُ قالَ إِلَخْ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ نَادَى، وَالْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي قالَ مِثْلُ الَّذِي فِي وَنادى فِرْعَوْنُ.
وَفِرْعَوْنُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ هُوَ مِنْفِطَاحُ الثَّانِي.
فَالْأَنْهَارُ: فُرُوعُ النِّيلِ وَتُرَعُهُ، لِأَنَّهَا لِعِظَمِهَا جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِثْلُ نَهَرٍ فَجُمِعَتْ عَلَى أَنْهَارٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِنَهَرٍ وَاحِدٍ هُوَ النِّيلُ. فَإِنْ كَانَ مَقَرُّ مُلْكِ فِرْعَوْنَ هَذَا فِي مَدِينَةِ مَنْفِيسَ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ إِشَارَةً إِلَى تَفَارِيعِ النِّيلِ الَّتِي تَبْتَدِئُ قُرْبَ الْقَاهِرَةِ فَيَتَفَرَّعُ النِّيلُ بِهَا إِلَى فَرْعَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَرْعُ دِمْيَاطَ

صفحة رقم 229
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية