آيات من القرآن الكريم

۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

فإن أعرضوا يا رسول الله فدعهم، فما أرسلناك عليهم حفيظا تحفظهم من الوقوع في الأخطار، وتقيهم أعمال السوء إنما أنت نذير، وهاد إلى سواء السبيل، ما عليك إلا البلاغ فقط، وعلينا الحساب فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ.
[الغاشية ٢١- ٢٦] ثم إن الله- تعالى- بين أن السبب في كفر هؤلاء وعنادهم يرجع إلى انغماسهم في المادة، وغرورهم الباطل بها، وتكبرهم عن الحق لأنهم أولو قوة وبأس، ومال وأولاد فقال: ولو أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها واغتر وتكبر، وإن تصبه سيئة بما قدمته يداه فإنك تراه كفورا جحودا نعم ربه، وتراه نسى ما كان عنده من نعمة وفضل، والكافر الذي لا يؤمن بالله وبصفاته القدسية هو كذلك، أما المؤمن بالله حقا فإن أعطى شكر الله وازداد خضوعا وإيمانا، وإن حرم شيئا صبر وآمن بقضاء الله وقدره، وأن لله ملك السموات والأرض يتصرف فيهما كيف شاء.
لله وحده ملك السموات والأرض، وهو صاحب التصريف في هذا الكون يخلق ما يشاء، ويعطى ويمنع من يشاء، ويهب لمن يشاء أولادا إناثا، ويهب لمن يشاء أولادا ذكورا، ويعطى لمن يشاء ذكورا وإناثا فيزاوج بينهما، ويجعل من يشاء عقيما فلا يعطيه ولدا بالمرة، إنه عليم بخلقه قدير على كل شيء. وليست هناك قوة في الأرض تستطيع فعل غير هذا.
وإذا كان الله هو المعطى والمانع أيليق بك أيها الإنسان أن تدعى ادعاء كاذبا أنك أعطيت هذا على علم من عندك؟ أيليق بك أن تجعل الكفر بدل الشكر والغرور والكبر والغطرسة بدل الخضوع والعبادة والتقديس لله واجب الوجود المبدئ والمعيد؟!
كيفية اتصال الله برسله [سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)

صفحة رقم 378

المفردات:
وَحْياً الوحى: إلقاء شيء في القلوب سواء كان في اليقظة أم في المنام رُوحاً: المراد قرآن كالروح.
بدأ الله السورة بالكلام على الوحى وخاصة القرآن، وكذلك ختمها بالكلام على الوحى العام للأنبياء كلهم وخاصة الوحى الذي نزل على خاتمهم وإمامهم صلّى الله عليه وسلّم وإنه لختام رائع.
روى في سبب نزول هذه الآيات: أن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى نبينا ونظر إليه، فإننا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك؟
فقال النبي: «لم ينظر موسى إلى الله» ونزلت هذه الآيات.
المعنى:
الله- جل جلاله وتقدست أسماؤه- له ذات ليست كالذوات، وله صفات ليست كالصفات، وهو يخالف جميع خلقه لأن خالق هذا الكون وما فيه من أعاجيب يستحيل عليه أن يشبه شيئا من خلقه، فهو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله تلك حقائق آمن بها الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة.
ولهذا ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بإحدى ثلاث، إما أن يوحى إليه وحيا بأن ينفث في قلبه، ويلقى في روعه سواء كان هذا في اليقظة أم في النوم.

صفحة رقم 379

وإما أن يكلمه الله من وراء حجاب فيسمع الكلام ولا يعرف مصدره كما حدث لموسى- عليه الصلاة والسلام-، وإما أن يكلم الرسول من البشر بأن يرسل إليه ملكا من الملائكة كجبريل- عليه السلام- فيوحى ذلك الرسول إلى المرسل إليه من البشر يوحى إليه بإذنه، أى: بأمره- سبحانه وتعالى- وتيسيره، فيوحى إليه ما يشاء.
وكان لهذه الآية وأمثالها وضع خاص، وكانت مثار نزاع بين المسلمين كفرقة المعتزلة وفرقة أهل السنة، ففهم المعتزلة من حصر كلام الله- سبحانه- لخلقه في الأحوال الثلاثة أن رؤية الله غير جائزة، وأثبت الرؤية أهل السنة استنادا إلى آيات من القرآن، على أن الخلاف في رؤية الله يوم القيامة، والحق مع أهل السنة في هذا.
إن ربك عليم بخلقه، يعلم أن أحدا من خلقه لا يستطيع- مهما كان- أن يقوى على المشافهة أو الوقوف في الحضرة القدسية أو الانغماس في الأنوار الإلهية. ولذا ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب إنه علىّ حكيم يضع الأمور في نصابها فلا اعتراض ولا نقاش.
ومثل ذلك الإيحاء البديع، الإيحاء الإلهى أوحينا إليك يا محمد روحا من أمرنا.. إى وربي إنه روح من أمر الله، وسر من أسراره، وأمر لا يدرى كنهه إلا هو، وهل القرآن روح؟! نعم إنه للدنيا روح، وأى روح؟ إنه أحيا العالم، ونقله من حضيض الجهل إلى ذروة العلم والعرفان. هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور؟
وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ «١»
والواقع عند المنصفين أن القرآن حينما نزل كان نزوله حدّا فاصلا بين عهدين، وكان مبدأ للحضارة والعلم، وحياة للناس قضت على ظلمات الجهل.
وهذا هو الدليل على صدق محمد في دعواه الرسالة وأن هذا القرآن من عند الله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [سورة الشورى آية ٥٢].
نعم فالنبي أمى لم يقرأ ولم يكتب وما جلس إلى معلم أو مرشد، فحقّا وما كان يدرى قبل القرآن الكامل ما الكتاب «٢»
والإيمان؟ نعم هذا النبي الأمى العربي يستحيل

(١) - سورة فاطر الآية ٢٢.
(٢) - ما اسم استفهام مبتدأ والكتاب خبره والجملة سدت مسد مفعول تدرى، وجملة ما كنت تدرى كلها حال من الكاف في إليك.

صفحة رقم 380

عليه أن يأتى بهذا القرآن الكامل في كل نواحيه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه رغم كثرة أعدائه وحساده قديما وحديثا، فحقا إنه تنزيل من رب العالمين.
كيف ينشأ من تلك البيئة رجل يقول مثل هذا الكلام، ويتحدى به العرب بل كل الناس فيعجز الكل عن الإتيان بمثله؟! فحقا إن النبي ما كان يدرى ما الكتاب؟ حتى يتصور أن يكون ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه من وضعه.
وما كان يدرى ما الإيمان؟ والإيمان بأصوله وفروعه وتشريعاته وقوانينه، هل من المعقول أن يحيط بها فرد نشأ في بيئة أمية كبيئة العرب الجاهلين؟
ولكن أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا فأعرض أكثر الناس عنه، أرسله الله وأنزل معه القرآن نورا للناس يهتدى به من استرشد بعقله، ونظر نظرا بريئا خاليا من التعصب الأعمى، وإنك يا محمد لتهدى بدينك إلى صراط مستقيم إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ «١»
يهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له كل ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا، وهو العالم به، ألا إلى الله وحده تصير الأمور.
هذا هو القرآن روحا من عند الله، ونورا يهدى به الناس في ظلمات الحياة، وهذا هو الرسول يدعو إلى الخير وينادى بنصرة الحق ويهدى إلى صراط مستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم. ولم يكونوا من المغضوب عليهم ولا الضالين.. اللهم اجعلنا من هؤلاء.

(١) - سورة الإسراء آية ٩.

صفحة رقم 381
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية