وأما آية دحو الأرض فكان بعد خلق السماء، وأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنّص، كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه «١». وهذا مفاد كلام الرازي المتقدم.
وقال مقاتل: خلق الله السموات قبل الأرض، وتأويل قوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: ثم كان قد استوى إلى السماء وهي دخان، وقال لها قبل أن يخلق الأرض، فأضمر فيه (كان) كما قال تعالى: قالُوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف ١٢/ ٧٧]، معناه: إن يكن سرق. وردّ عليه الرّازي بأن كلمة (ثم) تقتضي التأخير «٢».
تهديد المشركين بمثل صاعقة عاد وثمود
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٣ الى ١٨]
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨)
(٢) تفسير الرازي: ٢٧/ ١٠٥ [.....]
الإعراب:
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أَمَّا: حرف تفصيل فيه معنى الشرط، لذا جاءت الفاء في فَهَدَيْناهُمْ الذي هو خبر المبتدأ، الذي هو ثَمُودُ. والأصل في الفاء أن تكون مقدّمة على المبتدأ، إلا أنهم أخروها إلى الخبر، لئلا يلي حرف الشرط فاء الجواب، فهي في تقدير التقديم، لذا جاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، مثل: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى ٩٣/ ٩- ١٠] فنصب اليتيم والسائل بما بعد الفاء، لأنها في تقدير التقديم.
ومن قرأ ثَمُودُ بالنصب، نصبه بفعل مقدر، يفسره هذا الظاهر، تقديره: مهما يكن من شيء، فهدينا ثمود فهديناهم. وقرئ «ثمود وثمود» بالصرف وترك الصرف، فمن صرفه «ثمود» جعله اسم الحي، ومن لم يصرفه «ثمود» جعله اسم القبيلة، فلم يصرفه للتعريف والتأنيث.
أَلَّا تَعْبُدُوا أن: مفسرة، لأن مجيء الرسل بالوحي فيه معنى القول، ولا: ناهية، أو مصدرية ولا: ناهية، أو مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن.
البلاغة:
فَإِنْ أَعْرَضُوا بعد قوله: قُلْ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ التفات من الخطاب إلى الغيبة، إظهارا لعدم المبالاة بهم والاستخفاف بشأنهم، ففي دعوتهم للإيمان خوطبوا اجتذابا لهم، وفي حال إعراضهم عن الإيمان بعد البيان، أهملوا.
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
فَإِنْ أَعْرَضُوا أي كفار مكة عن الإيمان بعد هذا البيان. أَنْذَرْتُكُمْ خوفتكم بنزول العذاب. صاعِقَةً عذابا شديدا يهلكهم كأنه صاعقة. مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ أي مثل العذاب الذي أهلكهم. والصاعقة في الأصل: صيحة الهلاك أو قطعة النار النازلة من السماء مع رعد شديد. إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ إِذْ هنا: ظرف صاعِقَةً الثانية، لأنها بمعنى عذاب، أو حال منها لإضافتها، وقد جاءهم هود وصالح داعيين إلى الإيمان بهما، وبجميع الرسل ممن جاء.
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أي من قبلهم ومن بعدهم، فكأن الرسل جميعا قد جاءوهم.
أَلَّا تَعْبُدُوا «أن» مفسرة بمعنى أي، أو أنها مخففة من الثقيلة، أصله: بأنه
لا تعبدوا، أي بأن الشأن والحديث قولنا لكم: أَلَّا تَعْبُدُوا. لَوْ شاءَ رَبُّنا مفعول شاء محذوف، أي لو شاء ربنا إرسال الرسل. لَأَنْزَلَ علينا. فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أي فإذا أنتم بشر، ولستم بملائكة، فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به. وقوله بِما أُرْسِلْتُمْ ليس إقرارا منهم بالإرسال، وإنما هو على حسب كلام الرسل، أي في زعمكم، وفيه تهكم، كما قال فرعون: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء ٢٦/ ٢٧] وقولهم: فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم.
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق.
مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ أي لا أحد، وهذا اغترار بقوتهم وعزيمتهم، كان واحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل بيده، ثم يجعلها حيث يشاء. أَوَلَمْ يَرَوْا يعلموا. أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً أي قدرة، فإنه قادر بالذات، مقتدر على ما لا يتناهى، قوي على ما لا يقدر عليه غيره. وَكانُوا بِآياتِنا المعجزات. يَجْحَدُونَ ينكرونها مع معرفتهم بأنها حق، وَكانُوا معطوف على قوله: فَاسْتَكْبَرُوا.
رِيحاً صَرْصَراً شديدة البرد، تهلك بشدة بردها، مأخوذ من الصرّ: وهو البرد الذي يصرّ، أي يجمع، أو هي شديدة الصوت في هبوبها، من الصرير، فهي باردة شديدة الصوت بلا مطر. نَحِساتٍ مشؤومات عليهم. عَذابَ الْخِزْيِ عذاب الذل. أَخْزى أشد ذلا.
وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ بمنعه عنهم.
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أي بينا لهم طريق الهدى والحق، بإرسال الرسل وبيان الحجج والأدلة. فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أي فاختاروا الضلالة والكفر على الإيمان. فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ صاعقة من السماء فأهلكتهم، والهون: المهين أو الذل. بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من اختيار الضلالة.
المناسبة:
بعد بيان إعراض عبدة الأوثان عن الإيمان بالله بالرغم من الأدلة الدالة على وجوده وتوحيده وقدرته من خلق السموات والأرض، أمر الله تعالى رسوله ص بأن ينذرهم بعذاب شديد مماثل للعذاب الذي نزل بعاد وثمود من قبلهم، مع بيان سبب العذاب النازل بكل قبيلة على حدة.
التفسير والبيان:
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق: إن أعرضتم عن الإيمان بالله وبرسالتي، ولم تتدبروا وتتفكروا في هذه المخلوقات الكونية العظيمة، فإني أخوفكم بعذاب شديد قاتل في الحال مشابه لعذاب الأمم الماضية المكذبين بالرسل، كعاد وثمود ونحوهما ممن فعل فعلهما.
إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ عذبوا بعد أن جاءتهم الرسل المتقدمون الذين بلغتهم رسالاتهم وكلامهم والرسل المتأخرون الذين رأوهم بأنفسهم، وأمروهم بعبادة الله وحده، فكذبوهم وأدبروا عنهم، وتذرعوا بأن الرسل ملائكة لا بشر كما قال تعالى:
قالُوا: لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً، فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أي قالوا لرسلهم: لو شاء ربنا إرسال الرسل لأرسل إلينا ملائكة، ولم يرسل إلينا بشرا من جنسنا لا فضل لهم علينا، فإنا بما أرسلتم به أيها البشر- في زعمكم- كافرون منكرون، فلا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا.
ولا بأس من إعادة قصة عتبة هنا برواية أخرى مفيدة لمعرفة مدى تأثير القرآن وهذه الآيات بالذات في النفوس إذا تجردت عن الأهواء والعصبيات، أخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: «قال أبو جهل والملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر، فكلّمه، ثم أتانا ببيان من أمره. فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت السحر والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه، فقال: يا محمد، أنت خير أم هاشم، أنت خير أم عبد المطلب؟ فلم يجبه، قال: لم تشتم آلهتنا وتضللنا؟ إن كنت تريد
الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا، وإن تك بك الباءة (الميل للنساء) زوجناك عشر نسوة تختارهن، أيّ بنات من شئت من قريش، وإن كان المال مرادك جمعنا لك ما تستغني به، ورسول الله ساكت، فلما فرغ،
قال ص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا- إلى قوله- فَإِنْ أَعْرَضُوا، فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ
، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم، فرجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم قالوا: لا نرى عتبة إلا قد صبأ، فانطلقوا إليه، وقالوا: يا عتبة، ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت، فغضب وأقسم لا يكلم محمدا أبدا، ثم قال: والله لقد كلمته، فأجابني بشيء ما هو بشعر ولا سحر ولا كهانة، ولما بلغ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ أمسكت بفيه، وناشدته الرحم، ولقد علمت أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب».
ثم بدأ الله تعالى بتفصيل ما حصل من قوم عاد وثمود، بعد الإجمال، فقال:
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ أي فأما قوم عاد فتكبروا عن الإيمان بالله وتصديق رسله، واستعلوا على من في الأرض بغير استحقاق، وبغوا وعتوا وعصوا ربهم، وقالوا: لا أحد أقوى منا، حتى يقهرنا، وقد كانوا ذوي أجسام طوال وقوة شديدة، فاغتروا بأجسامهم حين تهددهم هود عليه السلام بالعذاب، ومرادهم بهذا القول أنهم قادرون على دفع ما ينزل بهم من العذاب.
فرد الله عليهم موبخا، فقال:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً؟ وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ أي أو لم يعلموا ويتفكروا فيمن يبارزون بالعداوة؟ فإنه العظيم الذي
خلق الأشياء وما فيها من القوى، وإن بطشه لشديد، فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء بقوله: كُنْ فَيَكُونُ وهم يعرفون مدى أحقية آياتنا وثبوتها، ولكنهم يجحدون بها ويعصون الرسل، وينكرون معجزاتهم والأدلة الدامغة التي هي حجة عليهم.
ثم ذكر الله تعالى نوع عقابهم، فقال:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى، وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ أي فأرسلنا عليهم ريحا شديدة البرد وشديدة الصوت تحرق وتدمر ما أتت عليه في فترة أيام مشؤومات متتابعات، كما قال تعالى: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الحاقة ٦٩/ ٧].
وغاية ذلك العذاب أن نذيقهم عذاب الذل والهوان في الدنيا بسبب استكبارهم، وإن عذاب الآخرة أشد إهانة وإذلالا من عذاب الدنيا، وهم لا يجدون ناصرا ينصرهم ولا دافعا يدفع عنهم العذاب، لا في الآخرة ولا في الدنيا.
ثم فصل تعالى جناية ثمود، فقال:
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أي وأما قبيلة ثمود، فبيّنا لهم طريق الحق والهدى والنجاة، بإرسال الرسل إليهم، وبيان الأدلة الكونية من مخلوقات الله على توحيدنا، فاختاروا الكفر على الإيمان، وآثروا العصيان على الطاعة، وكذبوا رسولهم، وعقروا ناقة الله التي هي دليل صدق نبيهم.
فكان عذابهم ما أخبر عنه تعالى:
فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي فبعثنا عليهم
صيحة ورجفة وعذابا مهينا بسبب كسبهم وهو التكذيب والجحود. وقوله:
صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ أي داهية العذاب الهوان.
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ أي وأنقذنا من العذاب صالحا عليه السلام ومن معه من المؤمنين برسالته، المتقين ربهم بإقامة فرائضه وترك معاصيه، لم يمسهم سوء، ولا نالهم من ذلك ضرر ولا مكروه.
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من الآيات ما يأتي:
١- إن الإصرار على الكفر سبب لعذاب الدنيا والآخرة، فلما أصر كفار قريش على الكفر والجهل، لم يبق علاج في حقهم إلا إنزال العذاب عليهم، ولكن الله برحمته أراد إنذارهم أولا وتخويفكم هلاكا مثل هلاك عاد وثمود.
٢- لم يترك الله سبيلا لثني كفار عاد وثمود عن كفرهم، فأرسل إليهم كما أرسل إلى من قبلهم رسلا يدعونهم إلى عبادة الله وحده، فتذرعوا بأن الرسول ينبغي أن يكون من الملائكة، والله قادر على إنزال ملائكة بدل الرسل، وأضافوا بأنهم كافرون بما جاء به الرسل من الإنذار والتبشير.
٣- كان من جناية عاد أنهم تكبروا في الأرض على عباد الله: هود ومن آمن معه، بغير حق ولا موجب للتكبر، واغتروا بأجسامهم حين تهدّدهم هود عليه السلام بالعذاب. ولكنهم قوم حمقى فإن الله أقدر منهم وأقوى، فلم يتفكروا في ذلك، وكفروا بالمعجزات. وتضمن استكبارهم أمرين:
الأول- إظهار الكبر وعدم الالتفات إلى الغير.
والثاني- الاستعلاء على الغير.
٤- تدل الآية على إثبات القدرة والقوة لله تعالى، كما قال: إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ، ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
[الذاريات ٥١/ ٥٨] وقدرة العبد متناهية محدودة، وقدرة الله لا نهاية لها وغير محدودة. فقوله تعالى: أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ليس المراد به المفاضلة أو النسبة التفضيلية، وإنما هو على منوال قولنا: (الله أكبر) فلا يراد بالتفضيل معناه المعروف، فهو كما يقولون: ليس على بابه.
٥- عذّب الله في الدنيا قبيلة عاد بإرسال ريح باردة شديدة البرد، وشديدة الصوت والهبوب، في مدى سبعة أيام مشؤومات متتابعات، وسيكون عذابهم يوم القيامة في النار أشد وأعظم من عذاب الدنيا، ولا يجدون ناصرا ينصرهم من العذاب.
٦- لقد بيّن الحق تعالى لقبيلة ثمود الهدى والضلال، فاختاروا الكفر على الإيمان، والمعصية على الطاعة، والضلالة على الرشد، فأرسل الله عليهم قارعة صاعقة مدمرة محرقة هي الصيحة والرجفة والذل والهوان بسبب تكذيبهم صالحا عليه السلام وعقرهم الناقة.
٧- جرت سنة الله عدلا وفضلا ورحمة على إنجاء المؤمنين، فقد نجّى الله تعالى صالحا عليه السلام ومن آمن به، وميّزهم عن الكفار، فلم يحلّ بهم ما حلّ بالكفار، وهذا كعادة القرآن في قرن الوعد بالوعيد.
والعبرة من إيراد قصة عاد وثمود: العظة والعبرة والتخويف والتحذير، وتهديد مكذبي الرسل، والإخبار بأنه تعالى يفعل بمؤمني قوم النبي ص وكفارهم ما فعل بعاد وثمود، وكل ذلك بقصد التخويف للإقلاع عن موجبات العذاب.
أما في الواقع فإن مثل ذلك العذاب لا يقع في أمة محمد ص، لقوله تعالى:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال ٨/ ٣٣] وجاء في الأحاديث الصحيحة: أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة هذه الأنواع من الآفات الشاملة.