آيات من القرآن الكريم

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
ﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰ

اللغَة: ﴿فصِّلتْ﴾ بُيِّنت ووُضِّحت ﴿أَكِنَّةٍ﴾ جمع كنان وهو الغطاء ﴿وَقْرٌ﴾ صمم وثقل يمنع سماع الكلام ﴿مَمْنُونٍ﴾ مقطوع من مننْتُ الجبل إِذا قطعته قال الشاعر:

صفحة رقم 106

_ ﴿أخزى﴾ أشد إهانةً وإِذلالاً من الخزي بمعنى الإِهانة ﴿الهون﴾ الإِهانة والذل.
التفسِير: ﴿حم﴾ الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن ﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرحيم﴾ أي هذا القرآن المجيد منزَّل من الرحمن الرحيم، أنزله جل وعلا رحمة بعباده، وإِنما خصَّ هذين الإِسمين ﴿الرحمن الرحيم﴾ إشارة إلى أن نزوله من أكبر النعم، ولا شك أن القرآن نعمة باقية إلى يوم القيامة ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي كتابٌ جامع للمصالح الدينية والدنيوية، بُيِّنت معانيه، ووُضِّحت أحكامه، بطريق القصص والمواعظ والأحكام والأمثال، في غاية البيان والكمال ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي في حال كونه قرآناً عربياً، واضحاً جلياً نزل بلسان العرب ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي لقومٍ يفهمون تفاصيل آياته، ودلائل إعجازه، فإِنه في أعلى طبقات البلاغة، ولا يتذوق أسراره إلا من كان عالماً بلغة العرب ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين بعذاب الجحيم ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي فأعرض أكثر المشركين عن تدبير آياته مع كونه نتزل بلغتهم، فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل قال أبو حيان: المعنى أعرض أكثر أولئك القوم مع كونهم من أهل العلم، ولكن لم ينظروا النظر التام بل أعرضوا، فهم لإِعراضهم لا يسمعون ما احتوى عليه من الحجج والبراهين وقال القرطبي: السورةُ نزلت تقريعاً وتوبيخاً لقريش في إعجاز القرآن، فهم لا يسمعون سماعاً ينتفعون به، ثم أخبر تعالى عن عتوهم وضلالهم فقال ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ أي وقالوا للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين دعاهم إلى الإِيمان: قلوبنا في أغطية متكاثفة، لا يصل إليها شيءٌ مما تدعونا إليه من التوحيد والإِيمان ﴿وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ﴾ أي وفي آذاننا صممٌ وثقلٌ يمنعنا من فهم ما تقول قال الصاوي: شبهوا أسماعهم بآذانٍ فيها صمَمٌ، من حيث إنها تمدُّ الحقَّ ولا تميل إلى استماعه ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ أي وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول، فنحن معذورون في عدم اتباعك، لوجود المانع من جهتنا وجهتك ﴿فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أي اعملْ أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا، واستمرَّ على دينك فإنا مستمرون على ديننا ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي قل يا محمد لأولئك المشركين: لستُ إلا بشراً مثلكم خصّني الله بالرسالة والوحي، وأنا داعٍ لكم إلى توحيد خالقكم وموجودكم، الذي قامت الأدلة العقلية والشرعية على وحدانيته ووجوده، فلا داعي إلى تكذيبي ﴿فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه﴾ أي توجهوا إليه بالاستقامة على التوحيد والإِيمان، والإِخلاص في الأعمال، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة﴾ أي دمارٌ وهلاك للمشركين الذين لا يفعلون

صفحة رقم 107

الخير، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله قال القرطبي: قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفي الآية دلالة على أن الكافر يُعذَّب بمنع الزكاة مع عذابه على كفره وقال ابن عباس: المراد زكاة الأنفس والمعنى: لا يطهرون أنفهسم من الشرك بالتوحيد، ولا يقولون لا إله الله ﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي كفروا بالبعث والنشور، وكذَّبوا بالحساب والجزاء قال الصاوي: وإنما خصَّ منع الزكاة وقرنه بالكفر بالآخرة، لأن المال شقيق الروح فإِذا بذله الإِنسان في سبيل الله كان دليلاً على قوته وثباته في الدين ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ لما ذكر حال الكفار ووعيدهم، أردفه بذكر حال المؤمنين وما لهم من الوعد الكريم والمعنى الذين صدَّقوا الله ورسوله، وجمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح، لهم في الآخةر أجرٌ غير مقطوع عند ربهم، بل هو دائم مستمر بدوام الجنة، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته فقال ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ﴾ الاستفهام للتوبيخ والتعجب أي كيف تكفرون بالله وهو الإِلهُ العليُّ الشأن، القادر على كل شيء، خالقُ الأرض في يومين؟ ﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً﴾ أي تجعلون له شركاء وأمثالاً تعبدنها معه ﴿ذَلِكَ رَبُّ العالمين﴾ أي ذلك الخالق المبدع هو ربُّ العالمين كلهم، فكيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة شركاء له في الإِلهية والمعبودية؟ قال الصاوي: الاستفهام ﴿أَإِنَّكُمْ﴾ للإِنكار والتشنيع عليهم المعنى: أنتم تعلمون أنه لا شريك له في العالم العلوي والسفلي، فكيف تجعلون له شريكاً؟ ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا﴾ أي جعل في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تميد بالبشر ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ أي أكثر خيرها بما جعل فيها من المياه، والزروع، والضروع ﴿وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا﴾ أي قدَّر أرزاق أهلها ومعاشهم قال مجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها ﴿في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ﴾ اي في تمام أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان، للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها ﴿ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ﴾ أي عمد إلى خلقها وقصد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان قال ابن كثير: والمراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين ﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ أي قالت السموات والأرض أتينا أمرك طائعين قال الزمخشري: وهذا على التمثيل أي أنه تعالى أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إرا ورد عليه أمر الآمر المُطاع، والغرضُ تصوير أثر قدرته في المقدورات من غير أن يكون هناك خطاب وجواب، ومثله قول القائل: قال الحائطُ للمسمار لم تشقني؟ قل: سلْ من يدُقُّني، وروي عن ابن عباس قال قال الله تعالى

صفحة رقم 108

للسماء: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين «قالتا أتينا أمرك طائعتين» واختاره ابن جرير ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات فِي يَوْمَيْنِ﴾ أي صنعنَّ وأبدع خلقهن سبع سمواتٍ في وقت مقدَّر بيومين، فتمَّ خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقهنَّ بلمح البصر، ولكنْ أراد أن يعلّم عباده الحلم والأناة ﴿وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا﴾ أي أوحى في كل سماء ما أراده، وما أمر به فيها قال ابن كثير: أي رتَّب في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو ﴿وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾ أي وزينَّا السماءَ الأولى القريبة منكم، بالكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، وحرساً من الشياطين أن تستمع إل الملأ الأعلى ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم﴾ أي ذلك المذكور من الخلق والإِيداع هو صنع الله، العزيز في ملكه، العليم بمصالح خلقه ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ أي حين جاءتهم الرسلُ من كل جوانبهم، واجتهدوا في هدايتهم من كل جهة، وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتوَّ والإِعراض ﴿أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله﴾ أي بأن لا تعبدوا إلاّ اللهَ وحده ﴿قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً﴾ أي فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذا البيان، فقل لهم: إني أخوفكم عذاباً هائلاً مثل هلاك عاد وثمود، وعبَّر بالماضي إشارةً إلى تحققه وحصوله ﴿إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي ولو شاء ربُّنا إرسالَ رسولٍ لجعله ملكاً لا بشراً ﴿فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ إي فإنا كافرون برسالتكم، لا نتبعكم وأنتم بشرٌ مثلُنا، وفي قولهم ﴿بِمَآ أُرْسِلْتُمْ﴾ ضربٌ من التهكم والسخرية بهم ﴿فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ هذا تفصيلٌ لما حلَّ بعاد وثمود من استحقاقٍ للتعظم والاستعلاء ﴿وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ ؟ أي وقالوا اغتراراً بقوتهم لمّا خُوّفوا بالعذاب: لا أحد أقوى منا فنحن نستطيع أن ندفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا قال أبو السعود: كانوا ذوي أجسام طوال، وخلق عظيم، وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من الجبل فيقتلعها بيده ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ جملة اعتراضية للتعجيب من مقالتهم الشنيعة والمعننى أغفلوا عن قدرة الله ولم يعلموا أن الله العظيم الجليل الذي خلقهم وخلق الكائنات، وهو أعظم منهم قوةً وقدرة؟ ﴿وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ أي وكانوا بمعجزاتنا يجحدون قال الرازي: إنهم كانوا يعرفون أنها حقٌّ ولكنهم جحدوا كما يجحد المودعُ الوديعة ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ أي فأرسلنا على عاد ريحاً باردة شديدة البرد، وشديدة الصوت والهبوب، تُهلك بشدة صوتها وبردها ﴿في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ﴾ أي في أيامٍ مشئومات غير مباركات ﴿لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا﴾ أي لكي نذيقهم العذاب المخزي المذل في الدنيا قال الرازي: ﴿عَذَابَ الخزي﴾ أي عذاب الهوان والذل، والسبب أنهم استكبروا عن الإِيمان،

صفحة رقم 109

فقالب الله ذلك الاستكبار بإيصال الذل والهوان إليهم ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ﴾ أي ولعذابهم في الآخرة أعظم وأشدُّ إهانةٌ وخزياً من عذاب الدنيا، وليس لهم ناصر يدفع عنهم ذلك العذاب ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى﴾ أي وأمَّا ثمود فبينا لهم طريق الهدى، ودللناهم على سبيل السعادة، فاختاروا الضلالة على الهداية، والكفر على الإِيمان ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العذاب الهون﴾ أي فأخذتهم قارعة العذاب الموقع في الإِهانة والذل ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ أي بسبب إجرامهم وطغيانهم وتكذيبهم لنبيّ الله «صالح» قال ابن كثير: بعث الله عليهم صيحةً ورجفة وذلاً وهواناً، وعذاباً ونكالاً، بتكذيبهم صالح وعقرهم الناقة ﴿وَنَجَّيْنَا الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ﴾ أي ونجينا صالحاً ومن آمن به من ذلك العذاب.

صفحة رقم 110
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
إني لعمرُك ما بابي بذي غلقٍ أساعة نحسٍ تُتَّقى أم بأسعد