
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ﴾ - إلى آخر السورة: أي: ولقد أرسلنا (يا محمد من قبلك) رسلاً إلى أممهم، منهم من أنبأناك بخبره، ومنهم من لم ننبئك بخبره.
روي عن أنس أنه قال: عدة الرسل ثمانية آلاف، بعث النبي ﷺ بعدهم. منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل.
وروى سلمان الفارسي عن النبي ﷺ أنه قال: " بعث الله تعالى أربعة آلاف نبي ".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ في الآية: بعث الله تعالى عبداً حبشياً وهو الذي لم يقصص خبره على نبيه ﷺ.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾، (أي: ليس لرسول ممن تقدمك يا محمد أن يأتي إلى قومه بآية فاصلة بينه وبينهم إلا بإذن الله له) بذلك فيأتيهم بها.

وهذا تنبيه من الله تعالى لنبيه عليه السلام أنه ليس له أن يأتي قومه بما يسألونه من الآيات دون إذن الله تعالى له بذلك.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق﴾، (أي: فإذا (جاء قضاء) الله بين الأنبياء والأمم قضي بينهم بالعدل، فينجي رسله والمؤمنين، ويهلك، هنالك، المبطلون، أي: الكاذبون على الله سبحانه.
ثم قال تعالى: ﴿الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا﴾ أي: خلق لكم الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير وغير ذلك من البهائم لتركبوا منها، يعني: الخيل والإبل والحمير والبغال.
﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾، يعني: الإبل (والغنم والبقر).
التقدير عند الطبري: لتركبوا منها بعضاً، ومنها بعضاً تأكلون ثم حذف ذلك استغناء بدلالة الكلام على ما حذف.
ثم قال ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾، يعني: الأنعام، وذلك جعلهم من جلودها بيوتاً ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين.

وذكر الزجاج أن الأنعام هنا: الإبل، يركبونها ويأكلون لحومها ويستمتعون بجلودها وأوبارها. وهذه الآية. تدل على إباحة أكل لحوم الإبل عند من جعلها خصوصاً في الإبل.
وقد قال تعالى في غيرها مما لا يؤكل: ﴿والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل: ٨] ولم يذكر إباحة أكلها.
ثم قال تعالى ﴿وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ﴾، أي: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها - يعني: الإبل - حاجة في صدوركم لم تكونوا لتبلغوها لولا هي إلا بشق الأنفس، كما قال: ﴿" وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس "﴾ [النحل: ٧].

ثم قال: ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ﴾، أي على الإبل.
وما شابهها من الأنعام في البر، وعلى السفن في البحر تحملون.
﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾، أي حججه / وأدلته على وحدانيته.
﴿فَأَيَّ آيَاتِ الله تُنكِرُونَ﴾، أي: فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس في السماء والأرض - تنكرون صحتها فتكذبوا - من أجلها فسادها - بتوحيد الله سبحانه.
ثم قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾، أي: أفلم يسافر قومك - يا محمد - من قريش فينظروا آثار الأمم التي كذبت الرسل من قبلهم كيف بادوا وهلكوا، فيخافون أن ينزل بهم بتكذيبهم إياك فيما جئتهم به مثل ما نزل بمن كان قبلهم من الأمم المكذبة لأنبيائها.
﴿كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾، أي: كانت الأمم المهلكة قبلهم بالتكذيب أكثر من قريش.
﴿وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأرض﴾، أي: أكثر عدداً وأكثر آثاراً بالبناء والحرث

والعمل من قريش.
﴿فَمَآ أغنى عَنْهُم﴾، أي: عن الأمم الماضية.
﴿مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ من الأموال والأولاد والبناء والعمل بل أهلكوا ودمروا بتكذيبهم الرسل وكفرهم. (فماذا ينتظر) قومك يا محمد مع تكذيبهم بما جئتهم به، وهم دون أولئك في القوة والكثرة والآثار في الأرض من البناء (والتصرف والحرث) وغير ذلك. وهذا كله تنبيه وتهدد لقريش.
ثم قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾، يعني: الأمم الماضية، جاءتهم رسلهم بالآيات الواضحات. ﴿فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم﴾ لجهالتهم.
﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أي: وحل بهم عقاب استهزائهم بما جائتهم به الرسل واستعجالهم للعذاب.
والمعنى: فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا، نحو قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا﴾ [الروم: ٧].

وقيل: الضمير في " فرحوا " للرسل، أي: فرح الرسل بما عندهم من العلم أن الله مهلك من كفر بهم وكذبهم، وناصر دينهم، فينجي الأنبياء ومن آمن بهم ويهلك الكفار.
وقيل: في الكلام حذف. والتقدير: فلما جاءت الرسل قومها كذبوهم فأوحى الله تعالى إليهم أنه معذبهم، ففرحوا بما أوحى إليهم من هلاك من كذبهم، فالضمير للرسل في " فرحوا "، والضمير في " حاق بهم " للمكذبين للرسل.
ثم قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ﴾، أي: لما رأت الأمم المكذبة للرسل عذاب الله تعالى وانتقامه الذي وعد الرسل بإيقاعه على من كذبهم، قالوا أمنا بالله وحده، أي: أقررنا بتوحيد الله وكفرنا بما كنا به مشركين من الأصنام والأوثان).
قال الله جل ذكره: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ أي: لم ينفعهم التوحيد عند معاينتهم العذاب.
﴿سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾، أي: سن الله ذلك سنة فيمن تقدم من عباده أنه من آمن عند معاينة العذاب لم ينفعه ذلك.
﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون﴾، أي: وهلك عند معاينة العذاب من تمادى على كفره

حتى حل به العذاب، فلم ينفعهم إيمانهم عند المعاينة العذاب لأنهم مضطرون إلى ذلك حين عاينوا العذاب وإنما كان ينفعهم الإيمان لو آمنوا قبل معاينتهم ما يلجئهم إلى الإيمان ويضطرهم.
فكذلك فعل الله تعالى فيمن خلا من عباده، لا يقبل إيمانهم عند معاينتهم العذاب واضطرارهم إلى الإيمان، فهو قوله تعالى ﴿سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ﴾ في عباده ".