
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٣٨ الى ٥٧]
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢)لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧)
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧)
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ طريق الصواب يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ متعة وبلاغ، تنتفعون بها مدة ثم تزول عنكم وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ ينتفع بها.
وقال السديّ: يعني لا يستجيب لأحد في الدّنيا ولا في الآخرة، فكان معنى الكلام: ليست له استجابة دعوة.
وقال قتادة: ليست له دعوة مستجابة. وقيل: ليس له دعوة في الدّنيا ولا في الآخرة إلّا عبدوها، لأن الأوثان لم تأمر بعبادتها في الدّنيا، ولم تدع الربوبية وفي الآخرة تتبرأ من عابديها وَأَنَّ مَرَدَّنا مرجعنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ.
قال ابن عبّاس وقتادة: يعني المشركين.
وقال مجاهد: هم السفّاكون الدماء بغير حقها.
وقال عكرمة: الجبارين المتكبرين.
فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ وذلك انهم توعدوه لمخالفة دينهم إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ عالم بأمورهم من المحق منهم ومن المبطل فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا.
قال قتادة: نجا مع موسى وكان قبطيا.
وَحاقَ نزل بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ في الدّنيا الغرق وفي الآخرة النار وذلك قوله:
النَّارُ وهي رفع على البدل من السوء يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وأصل العرض اظهار الشيء. صفحة رقم 277

قال قتادة: يعرضون عليها صباحا ومساء، يقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغارا لهم.
وقال السدي وهذيل بن شرحبيل: هو أنهم لما هلكوا جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض على النار كل يوم مرتين تغدوا وتروح إلى النار حتى تقوم الساعة.
أخبرني عقيل بن محمّد بن أحمد الجرجاني: أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمّد بن جرير حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير حدثنا حماد بن محمّد الفزاري قال: سمعت الأوزاعي وسأله رجل فقال: يرحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا فوجا، لا يعلم عددها إلّا الله تعالى، فإذا كان العشي رجع مثلها سودا.
قال: وفطنتم لذلك؟
قال: نعم.
قال: إن تلك الطيور في حواصلها أزواج آل فرعون يعرضون على النار غُدُوًّا وَعَشِيًّا، فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا، فنبت عليها أرياش من الليل بيض وتناثر السود، ثم تغدوا فيعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها، فذلك دأبهم في الدّنيا، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ.
قال: وكانوا يقولون: إنهم ستمائة ألف مقاتل «١».
قال عكرمة ومحمّد بن كعب: هذه الآية تدل على عذاب القبر، لأن الله تعالى ميّز عذاب الآخرة فقال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ «٢» ادخلوا.
قرأ أهل المدينة والكوفة إلّا أبا بكر ويعقوب: بقطع الألف وكسر الخاء من الإدخال.
وقرأ الباقون: بوصل الألف وضم الخاء من الدخول «٣».
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً في الدّنيا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ والتبع يكون واحدا وجمعا.
وقال نحويو البصرة: وواحده تابع.
وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له، لأنه كالمصدر وجمعه أتباع.
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها.
(٢) سورة غافر: ٤٦.
(٣) والتقدير: ادخلوا يا آل فرعون، راجع تفسير القرطبي: ١٥/ ٣٢٠.