آيات من القرآن الكريم

هُدًى وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

ذَلِكَ وَلَا نُشَفَّعُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدَهُمَا: كَوْنُ المشفوع له مؤمناو الثاني: حُصُولُ الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَإِقْدَامُنَا عَلَى هَذِهِ الشَّفَاعَةِ مُمْتَنِعٌ لَكِنِ ادْعُوا أَنْتُمْ، وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ فَادْعُوا لِرَجَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْبَةِ، فَإِنَّ الْمَلَكَ الْمُقَرَّبَ إِذَا لَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُ فَكَيْفَ يُسْمَعُ دُعَاءُ الْكُفَّارِ، ثُمَّ يُصَرِّحُونَ لَهُمْ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِدُعَائِهِمْ فَيَقُولُونَ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَاجَةَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَأَذَّى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ بِسَبَبِ جُرْمِهِمْ، وَإِذَا كَانَ التَّأَذِّي مُحَالًا عَلَيْهِ كَانَتْ شَهْوَةُ الِانْتِقَامِ مُمْتَنِعَةً فِي حَقِّهِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إِيصَالُ هَذِهِ الْمَضَارِّ الْعَظِيمَةِ إِلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ إِضْرَارٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ الْعَبِيدِ، فَهُوَ إِضْرَارٌ خَالٍ عَنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ الْمُنْتَفِعَةِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الْكَرِيمِ أَنْ يُبْقِيَ عَلَى ذَلِكَ الْإِيلَامِ أَبَدَ الْآبَادِ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ، / مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْحَمَ حَاجَتَهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ دُعَاءَهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى تضرعهم وانكسارهم، ولو أن أقصى النَّاسِ قَلْبًا فَعَلَ مِثْلَ هَذَا التَّعْذِيبِ بِبَعْضِ عَبِيدِهِ لَدَعَاهُ كَرَمُهُ وَرَحْمَتُهُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ هَذَا السَّيِّدَ فِي مَحَلِّ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ وَالْحَاجَةِ، فَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ هَذَا الْإِضْرَارُ؟ قُلْنَا أَفْعَالُ اللَّهِ لَا تُعَلَّلُ ولا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٣] فَلَمَّا جَاءَ الْحُكْمُ الْحَقُّ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْحَقِّ وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٥١ الى ٥٥]
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥)
اعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لِمَا ذَكَرَ وِقَايَةَ اللَّهِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ الْمُؤْمِنَ مِنْ مَكْرِ فِرْعَوْنَ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَنْصُرُ رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَالثَّانِي: لَمَّا بَيَّنَ مِنْ قَبْلُ مَا يَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ مِنَ التَّخَاصُمِ وَأَنَّهُمْ عِنْدَ الْفَزَعِ إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَقُولُونَ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ [غَافِرٍ: ٥٠] أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الرُّسُلِ وَأَنَّهُ يَنْصُرُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غَافِرٍ: ٤] وَامْتَدَّ الْكَلَامُ فِي الرَّدِّ عَلَى أُولَئِكَ الْمُجَادِلِينَ وَعَلَى أَنَّ الْمُحِقِّينَ أَبَدًا كَانُوا مَشْغُولِينَ بِدَفْعِ كَيْدِ الْمُبْطِلِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْبِيرًا لَهُ عَلَى تَحَمُّلِ أَذَى قَوْمِهِ.
وَلَمَّا بَلَغَ الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِ الْمَطْلُوبِ إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى وَعَدَ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ/ فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ بِأَنَّهُ يَنْصُرُ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، وَيَنْصُرُ الَّذِينَ يَنْصُرُونَهُمْ نُصْرَةً يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ الْمُحِقِّينَ تَحْصُلُ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: النُّصْرَةُ بِالْحُجَّةِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْحُجَّةَ سُلْطَانًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهَذِهِ النُّصْرَةُ عَامَّةٌ لِلْمُحِقِّينَ أَجْمَعَ، وَنِعْمَ مَا سَمَّى اللَّهُ هَذِهِ النُّصْرَةَ سُلْطَانًا لِأَنَّ السَّلْطَنَةَ فِي الدُّنْيَا قَدْ

صفحة رقم 523

تَبْطُلُ، وَقَدْ تَتَبَدَّلُ بِالْفَقْرِ وَالذِّلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَالْفُتُورِ، أَمَّا السَّلْطَنَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْحُجَّةِ فَإِنَّهَا تَبْقَى أَبَدَ الْآبَادِ وَيَمْتَنِعُ تَطَرُّقُ الْخَلَلِ وَالْفُتُورِ إِلَيْهَا وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ بِالْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ، فَإِنَّ الظَّلَمَةَ وَإِنْ قَهَرُوا شَخْصًا مِنَ الْمُحِقِّينَ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِسْقَاطِ مَدْحِهِ عَنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ بِسَبَبِ أَنَّ بَوَاطِنَهُمْ مَمْلُوءَةٌ مِنْ أَنْوَارِ الْحُجَّةِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى الظَّلَمَةِ وَالْجُهَّالِ كَمَا تَنْظُرُ مَلَائِكَةُ السموات إِلَى أَخَسِّ الْأَشْيَاءِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمُبْطِلِينَ وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ لَهُمْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمُحِقِّينَ، فَفِي الْغَالِبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُومُ بَلْ يُكْشَفُ لِلنَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَمْرًا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْوَاجِبِ وَنَقِيضِ الْحَقِّ وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْمُحِقَّ إِنِ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ وَقَعَ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحْذُورِ فَذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِمَزِيدِ ثَوَابِهِ وَتَعْظِيمِ دَرَجَاتِهِ وَسَادِسُهَا: أَنَّ الظَّلَمَةَ وَالْمُبْطِلِينَ كَمَا يَمُوتُونَ تَمُوتُ آثَارُهُمْ وَلَا يَبْقَى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَثَرٌ وَلَا خَبَرٌ. وَأَمَّا الْمُحِقُّونَ فَإِنَّ آثَارَهُمْ بَاقِيَةٌ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ وَالنَّاسُ بِهِمْ يَقْتَدُونَ فِي أَعْمَالِ البر والخير ولمحنهم يَتْرُكُونَ فَهَذَا كُلُّهُ أَنْوَاعُ نُصْرَةِ اللَّهِ لِلْمُحِقِّينَ فِي الدُّنْيَا وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَنْتَقِمُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، كَمَا نَصَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ قُتِلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَأَمَّا نُصْرَتُهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ بِإِعْلَاءِ دَرَجَاتِهِمْ فِي مَرَاتِبِ الثَّوَابِ وَكَوْنِهِمْ مُصَاحِبِينَ لِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النِّسَاءِ: ٦٩].
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا إِلَى قَوْلِهِ وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ دَقِيقَةً مُعْتَبَرَةً وَهِيَ أَنَّ السُّلْطَانَ الْعَظِيمَ إِذَا خَصَّ بَعْضَ خَوَاصِّهِ بِالْإِكْرَامِ الْعَظِيمِ وَالتَّشْرِيفِ الْكَامِلِ عِنْدَ حُضُورِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَانَ ذَلِكَ أَلَذَّ وَأَبْهَجَ فَقَوْلُهُ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا- إِلَى- وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْأَشْهَادِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مَلَكٍ وَنَبِيٍّ وَمُؤْمِنٍ، أَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَهُمُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ يَشْهَدُونَ بِمَا شَاهَدُوا، وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَقَالَ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: ٤١] وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] قَالَ الْمُبَرِّدُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدُ الْأَشْهَادِ شَاهِدًا كَأَطْيَارٍ وَطَائِرٍ وَأَصْحَابٍ وَصَاحِبٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدُ الْأَشْهَادِ شَهِيدًا كَأَشْرَافٍ وَشَرِيفٍ وَأَيْتَامٍ وَيَتِيمٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ لَا تَنْفَعُ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْمَعْذِرَةِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ كَأَنَّهُ أُرِيدَ الِاعْتِذَارُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَيْضًا مِنْ هَذَا شَرْحُ تَعْظِيمِ ثَوَابِ أَهْلِ الثَّوَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ يَنْصُرُهُمْ فِي يَوْمٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَحَالُهُمْ فِي عُلُوِّ الدَّرَجَاتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا حَالُ أَعْدَائِهِمْ فَهُوَ أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُمْ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاذِيرِ الْبَتَّةَ وَثَانِيهَا: أَنَّ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَهَذَا يُفِيدُ الْحَصْرَ يَعْنِي اللعنة مَقْصُورَةً عَلَيْهِمْ وَهِيَ الْإِهَانَةُ وَالْإِذْلَالُ وَثَالِثُهَا: سُوءُ الدار وَهُوَ الْعِقَابُ الشَّدِيدُ فَهَذَا الْيَوْمُ إِذَا كَانَ الْأَعْدَاءُ وَاقِعِينَ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالْبَلِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ خَصَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ بِأَنْوَاعِ التَّشْرِيفَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْجَمْعِ الْأَعْظَمِ فَهَهُنَا يَظْهَرُ أَنَّ سُرُورَ الْمُؤْمِنِ كَمْ يَكُونُ، وَأَنَّ غُمُومَ الْكَافِرِينَ إِلَى أَيْنَ تَبْلُغُ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْأَعْذَارَ إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْأَعْذَارَ لَا تَنْفَعُهُمْ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [الْمُرْسَلَاتِ: ٣٦] قُلْنَا قَوْلُهُ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ

صفحة رقم 524
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية