
نحن - مما نحن فيه من البلاء - خارجون ولا هم مما هم فيه من النعيم - منتقلون.
قوله: ﴿وَقَالَ الذين فِي النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادعوا رَبَّكُمْ﴾ - إلى قوله - ﴿هُوَ السميع البصير﴾، أي: وقال أهل جهنم لخزنتها: (ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب)، أي: قدر يوم من أيام الدنيا.
فأجابتهم الخزنة: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات﴾، أي: بالحجج الظاهرات الدالات على توحيد الله تعالى.
﴿ قَالُواْ بلى﴾ قد أتتنا بذلك.
قالت لهم الخزنة: ﴿فادعوا﴾، أي: فادعوا ربكم الذي أتتكم الرسل (من عنده) بالدعاء إلى الإيمان به.
﴿وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾، أي: في خسران، لأنهم لا ينتفعون به ولا يُجابون، بل يقال لهم: ﴿قَالَ اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨].

وروى أبو الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: " يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، ويستغيثون فيغاثون بالضريع ﴿لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ فيأكلونه فلا يغني عنهم شيئاً، ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيغصون به فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثون بالشراب، فيرفع لهم الحميم بالكلاليب فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم. ويستغيثون بالملائكة فيقولون: ﴿ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ العذاب﴾ فيجيبونهم: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات﴾. إلى آخر الآية ".
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد﴾، أي: إنا لنعلي كلمة الرسل والمؤمنين وحجتهم على من خالفهم من دينهم بإهلاك من

خالفهم والانتقام منهم في الدنيا.
قال السدي: كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا فلا تذهب تلك الأمة الظالمة حتى يبعث الله تعالى قوماً فينتصر بهم لأولئك المقتولين.
وقيل: معنى الآية الخصوص ولفظها عام.
والمعنى: إنه تعالى ينصر من أراد من الأنبياء والمؤمنين ويعطيهم الظفر في الدنيا على من خالفهم.
وامتنعت الآية من العموم لوجودنا أمماً قد قتلت المؤمنين والأنبياء.
قال أبو العالية: " ينصرهم بالحجة ".
(وعن أبي الدرداء) يرفعه: " من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم، ثم تلا هذه الآية. ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ﴾.
وروى أنس أن النبي ﷺ قال: " من حمى مؤمناً من منافق

يغتابه بعث الله تعالى ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من النار. ومن ذكر مسلماً بشيء يشينُه به وقفه الله جل وعز على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ".
ومعنى /: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد﴾. أي: وينصرهم يوم القيامة، يوم يقوم الأشهاد من الملائكة والأنبياء والمؤمنين (على الأمم) المكذبة بأن الرسل قد بلغتهم وأن الأمم كذبتهم، هذا قول قتادة، وقال مجاهد: الأشهاد الملائكة.
ثم قال تعالى: مفسراً يوم " يقوم الأشهاد " ما هو فقال: ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ﴾، أي: لا ينفع الكفار اعتذارهم إذ لا يعتذرون إلا بباطل لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا بالرسل والكتب والحجج. فلا حجة لهم إلا الكذب وقولهم والله ﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ".
ثم قال: ﴿وَلَهُمُ اللعنة﴾، أي: وللكافرين اللعنة من الله تعالى وهي البُعد من رحمته سبحانه. ولهم مع اللعنة ﴿سواء الدار﴾، أي: عذاب الآخرة.
وأجاز أبو حاتم الوقف على: " في الحياة الدنيا " على أن تنصب " ويوم يقوم الأشهاد " بإضمار فعل. فإن جعلته بدلاً أو عطفاً لم تقف دونه.

وقال غيره الوقف: " الأشهاد ".
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهدى﴾، أي: البيان للحق الذي بعثناه به.
﴿وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب﴾، أي: التوراة، أي: علمناهم إياها وأنزلناها عليهم.
﴿هُدًى وذكرى﴾، أي: بياناً وتذكيراً، ﴿لأُوْلِي الألباب﴾ أي: لأصحاب العقول.
ثم قال تعالى ﴿فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾، أي فاصبر يا محمد لأمر ربك وأنفذ ما أرسلت به.
﴿إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾، أي: إن الذي وعدك الله من النصر والتأييد لدينك حق لا بد منه، فربك منجز لك ما وعدك. وقد فعل به ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿واستغفر لِذَنبِكَ﴾، أي: واسأل ربك أن يستر عليك ذنبك بعفوه ورحمته.
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار﴾، أي: وصل بالشكر منك لربك بالعشي وذلك من زوال من زوال الشمس إلى الليل. والإبكار من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
وقيل: الإبكار هنا: من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى. والأول

أعرف عند العرب.
والعشي والإبكار مصدران جعلا ظرفين على السعة، وواحد الإبكار: بكر. والتقدير: في العشي وفي الإبكار.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾، أي: يخاصمونك يا محمد فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات بغير حجة أتتهم في مخاصمتك.
﴿مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾، أي: ما في صدورهم إلا كبر يتكبرون من أجله عن اتباعك وقبول ما جئتهم به حسداً وتكبراً.
﴿فاستعذ بالله﴾، أي: ليس ببالغين الفضل الذي أتاك الله تعالى فحدسوك عليه.
وقيل: المعنى: ما في صدورهم إلا عظمة، ما هم ببالغين تلك العظمة، لأن الله تعالى مذلهم ومخزيهم، قاله مجاهد.
وقال الزجاج: معناه: ما هم ببالغين إرادتهم في محمد ﷺ. مثل رسل