آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أَيْ إلا في ذهاب ولا يتقبل ولا يستجاب.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٥١ الى ٥٦]
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥)
إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)
قَدْ أَوْرَدَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «١» رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا سُؤَالًا فَقَالَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَتَلَهُ قَوْمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَشَعْيَاءَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِمَّا مُهَاجِرًا كَإِبْرَاهِيمَ، وَإِمَّا إِلَى السَّمَاءِ كَعِيسَى فَأَيْنَ النُّصْرَةُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ [أَحَدُهُمَا] أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ خَرَجَ عَامًّا وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَعْضُ قَالَ وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ [الثَّانِي] أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّصْرِ الِانْتِصَارُ لَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِمْ أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا فُعِلَ بِقَتَلَةِ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَشَعْيَاءَ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مَنْ أَهَانَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ أن النمرود أخذه الله تعالى أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ رَامُوا صَلْبَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْيَهُودِ فَسَلَّطَ اللَّهُ تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ سَيَنْزِلُ عِيسَى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا فَيَقْتُلُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ فَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَهَذِهِ نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى فِي خَلْقِهِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ أَنَّهُ يَنْصُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَيُقِرُّ أَعْيُنَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ.
فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ الله تبارك وتعالى مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ» «٢» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إِنِّي لِأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يثأر الليث بالحرب» ولهذا أهلك الله عز وجل قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقَوْمَ لُوطٍ وَأَهْلَ مَدْيَنَ وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَضْرَابَهُمْ مِمَّنْ كَذَّبَ الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى مِنْ بَيْنِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحدا.

(١) تفسير الطبري ١١/ ٦٩.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٣٨، بلفظ: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب». وأخرجه ابن ماجة في الفتن باب ١٦، بلفظ: «من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة».

صفحة رقم 136

قال السدي لم يبعث الله عز وجل رَسُولًا قَطُّ إِلَى قَوْمٍ فَيَقْتُلُونَهُ أَوْ قَوْمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ فَيُقْتَلُونَ فَيَذْهَبُ ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لَهُمْ مَنْ يَنْصُرُهُمْ فَيَطْلُبُ بِدِمَائِهِمْ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ فَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ يُقْتَلُونَ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مَنْصُورُونَ فِيهَا. وهكذا نصر الله نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَنَاوَأَهُ وَكَذَّبَهُ وَعَادَاهُ فَجَعَلَ كَلِمَتَهُ هِيَ الْعُلْيَا وَدِينَهُ هُوَ الظَّاهِرَ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَجَعَلَ لَهُ فِيهَا أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا، ثُمَّ مَنَحَهُ أَكْتَافَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَصْرَهُ عَلَيْهِمْ وَخَذَلَهُمْ لَهُ وَقَتَلَ صَنَادِيدَهُمْ، وَأَسَرَ سَرَاتَهُمْ فَاسْتَاقَهُمْ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَخْذِهِ الْفِدَاءَ مِنْهُمْ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَتَحَ عَلَيْهِ مَكَّةَ فَقَرَّتْ عَيْنُهُ بِبَلَدِهِ وَهُوَ الْبَلَدُ الْمُحَرَّمُ الْحَرَامُ الْمُشَرَّفُ الْمُعَظَّمُ فأنقذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك وَفَتَحَ لَهُ الْيَمَنَ وَدَانَتْ لَهُ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ بكاملها وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لِمَا لَهُ عِنْدَهُ من الكرامة العظيمة فأقام الله تبارك وتعالى أَصْحَابَهُ خُلَفَاءَ بَعْدَهُ فَبَلَّغُوا عَنْهُ دِينَ اللَّهِ عز وجل ودعوا عباد الله تعالى إلى الله جل وعلا، وَفَتَحُوا الْبِلَادَ وَالرَّسَاتِيقَ وَالْأَقَالِيمَ وَالْمَدَائِنَ وَالْقُرَى وَالْقُلُوبَ حَتَّى انْتَشَرَتِ الدَّعْوَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا. ثُمَّ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَنْصُورًا ظَاهِرًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ النُّصْرَةُ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ وَأَجَلَّ، قَالَ مجاهد: الأشهاد الملائكة.
وقوله تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ وَقَرَأَ آخَرُونَ يَوْمُ بِالرَّفْعِ كَأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِهِ وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مَعْذِرَتُهُمْ أَيْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ وَلَا فِدْيَةٌ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ أَيِ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ وَهِيَ النَّارُ قَالَهُ السُّدِّيُّ بِئْسَ الْمَنْزِلُ وَالْمَقِيلُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ أَيْ سُوءُ الْعَاقِبَةِ وَقَوْلُهُ تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَهُوَ مَا بَعَثَهُ الله عز وجل بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ أَيْ جَعَلْنَا لَهُمُ الْعَاقِبَةَ وَأَوْرَثْنَاهُمْ بِلَادَ فِرْعَوْنَ وَأَمْوَالَهُ وَحَوَاصِلَهُ وَأَرْضَهُ بِمَا صَبَرُوا عَلَى طاعة الله تبارك وتعالى واتباع رسوله موسى عليه الصلاة والسلام وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي أُورِثُوهُ وَهُوَ التَّوْرَاةُ هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وَهِيَ الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ السَّلِيمَةُ.
وقوله عز وجل: فَاصْبِرْ أَيْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ وَعَدْنَاكَ أَنَّا سَنُعْلِي كَلِمَتَكَ وَنَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِمَنِ اتَّبَعَكَ وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فيه ولا شك وقوله تبارك وتعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ هَذَا تَهْيِيجٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ أَيْ فِي أَوَاخِرِ النَّهَارِ وَأَوَائِلِ اللَّيْلِ وَالْإِبْكارِ وَهِيَ أَوَائِلُ النَّهَارِ وأواخر الليل.

صفحة رقم 137
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية