
لقومه: ما أهديكم إلا إلى طريق الله جل ذكره.
وهذه القراءة بعيدة في اللغة لأن " فعالاً " لا يكون من " أفعل " وإنما يكون من الثلاثي للتكثير. فإن أردت لتكثير من الرباعي جئت " بمفعال ".
وقد أجاز قوم أن يكون الرشاد بالتشديد بمعنى المرشد، (لا على أنه) جار على أرشد ولكنه مثل لال من اللؤلؤ في معناه وليس منه في الاشتقاق.
وقد أجاز قوم أن يكون من رشد، فيكون معناه: ﴿وَمَآ أَهْدِيكُمْ﴾ إلا سبيل صاحب رشاد كما قال: كليني لهم يا أميمة ناصب.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الذي آمَنَ ياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ - إلى قوله - ﴿إِلاَّ فِي تَبَابٍ﴾.

أي: وقال الرجل الذي آمن من آل فرعون وكتم إيمانه: يا قوم إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى ولم تؤمنوا بما جاءكم به.
﴿مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب﴾، يعني: الذين تحزبوا على رسلهم.
﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾، أي: مثل عادة الله فيهم وانتقامه منهم حين كفروا برسلهم.
قال ابن عباس: مثل دأب قوم نوح: مثل حالهم، وقال ابن زيد: معناه، مثل ما أصابهم.
وقوله: ﴿والذين مِن بَعْدِهِمْ﴾، يعني به: قوم إبراهيم وقوم لوط، وهم أيضاً من الأحزاب.
وقوله: ﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾، أي: ليس الله جل ذكره بمعذب قوماً بغير جرم.
ثم قال تعالى ذكره حكاية عن قول المؤمن لقومه: ﴿وياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾، أي: إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى ولم تؤمنوا بما جاءكم به عقاب الله يوم التنادي، أي: يوم القيامة، أي: يوم

يتنادى أصحاب الجنة والنار كما ذكر في سورة الأعراف وغيرها فقال: ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة﴾ [الأعراف: ٤٤]، ﴿ونادى أَصْحَابُ الأعراف﴾ [الأعراف: ٤٨]، ﴿ونادى أَصْحَابُ النار﴾ [الأعراف: ٥٠] قاله قتادة وابن زيد.
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " يأمُر الله تعالى إسرافيل عليه السلام بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره فيديمها ويطولها فلا تفتر - وهي التي يقول الله تعالى: " ﴿ وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾ - فيسيِّر الله تعالى الجبال فتكون سراباً، وترتج الأرض بأهلها رجاً - وهي التي يقول الله تعالى ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ - فتكون (الأرض كالسفينة) المزنقة في البحر تمر بها الأمواج تكفأُ بأهلها، وكالقنديل (المعلق

بالعرش) ترجحه (الأرواح فيميل الناس على ظهرها فتذهل المراضع وتضع الحوامل (وتشيب الولدان) وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها، فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً، وهو اليوم الذي يقول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ ".
فعلى هذا الحديث يكون التنادي في النفخة الأولى في الدنيا.
وقرأ الضحاك: يوم التنادي بتشديد الدال، جعله من نَدّ البعير إذا مر على وجهه هارباً. فهذا يراد به ما يكون يوم القيامة من حال الناس.
ويسعد هذه القراءة ويقويها ما روى عبد الله بن خالد قال:

يظهر للناس يوم القيامة عنق (من النار فيتولون) هاربين منها حتى تحيط بهم، فإذا أحاطت بهم قالوا: أين المفر؟
ثم أخذوا في البكاء حت تنفد الدموع فيكون دماً، ثم يشخص الكفار فذلك قوله:
﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٤٣] ".
ويقويها أيضاً / ما وراء الضحاك، قال: " إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى السماء الدنيا فتشققت بأهلها، فنزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفاً دون صف، ثم ينزل الملك الأعلى، على مجنبته اليسرى جهنم، فاذا رآها أهل الأرض نجوا، (فلا يوافقون) قطراً من أقطار الأرض إذا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه - فذلك قوله: " ﴿إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾. وذلك قوله ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى﴾ [الفجر: ٢٢ - ٢٣]

وقوله: ﴿يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: ٣٣] وذلك قوله: ﴿وانشقت السمآء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * والملك على أَرْجَآئِهَآ﴾ [الحاقة: ١٦ - ١٧].
وقال قتادة: يوم تولون مدبرين، أي: منطلقاً بكم إلى النار.
وقال مجاهد: يوم تولون " فارين غير معجزين ".
﴿مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾، أي: ما لكم من عذاب الله سبحانه من مانع يمنعكم منه وينصركم.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾، أي: من يخذله الله فلا يوفقه للرشاد، فما له من موفق يوفقه له.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات﴾، أي: ولقد جاءكم يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالآيات الواضحات من حجج الله تعالى.
قال وهب بن منبه: فرعون موسى هو فرعون يوسف.

(قال مالك): عمَّر (أربعمائة سنة).
وقال غيره: هو غيره.
قيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب. والله أعلم بذلك.
روي أنه أقام فيهم عشرين سنة يدعوهم إلى الإيمان ثم مات.
وقيل: إن هذا من قول موسى، وقيل: هو من قول (مؤمن آل) فرعون.
ثم قال تعالى: ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ﴾، أي: فلم تزالوا مُرتابين فيما أتاكم به يوسف من عند ربكم ﴿حتى إِذَا هَلَكَ﴾، (أي: مات يوسف).
﴿قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً﴾، أي: قلتم لن يأتينا من بعد يوسف

رسول يدعونا إلى الحق.
ثم قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ﴾، أي: هكذا يصد الله تعالى عن إصابة الحق من هو كافر شاك في الحق.
ثم قال تعالى: ﴿الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ (أي: كذلك يضل الله الذين يجادلون في حجج الله وآياته بغير حجة أتتهم) من عند الله تعالى.
ثم قال: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ﴾ أي: كبر جدالهم مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا.
﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ أي: كما طبع الله على قلوب المسرفين المجادلين في آيات الله بالباطل، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله سبحانه أن يوحده.
﴿جَبَّارٍ﴾، أي: متعظم عن اتباع الحق. ﴿آتِيهِمْ﴾ [هود: ٧٦]: وقف عند الجماعة.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِي صَرْحاً لعلي أَبْلُغُ الأسباب﴾، (أي: وقال فرعون - لما وعظه المؤمن وزجره عن قتل موسى - لزيره هامان: ابن لي بناء لعلي أطلع عليه فأبلغ (أبواب السماء) وطرقها، وكان أول من بنى بهذا الأَجُرّ.

قال ابن عباس: أسباب السماوات منازل السماوات.
والأسباب في اللغة: كلما تسبب به إلى الوصول إلى المطلوب.
وقيل: لعلي أبلغ من أسباب السماوات أسباباً أتسبب بها إلى (رؤية إله) موسى.
﴿وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾، أي: أظن موسى فيما يدعى كاذباً.
أشهب عن مالك قال: سمعت أن فرعون عاش (أربعمائة سنة) وأنه أقام (بعدما) أتاه موسى بالآيات وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨] أربعين سنة.
قال مالك قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً﴾ [آل عمران: ١٧٨].
وقال: لم يكن فرعون من بني إسرائيل.
ويروى أن فرعون مكث أربع مائة سنة لم يصدع له رأس، يغدو عليه الشباب ويروح.