آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

ثُمَّ قَالَ: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ أَيِ: الَّذِينَ يَدْفَعُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيُجَادِلُونَ الْحُجَجَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَحُجَّةٍ مَعَهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَقْتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أَيْ: وَالْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا يُبغضُون مَنْ تَكُونُ هَذِهِ صِفَتَهُ، فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ، يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، فَلَا يَعْرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ﴾ أَيْ: عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ ﴿جَبَّارٍ﴾.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ -وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ-أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ جَبَّارًا حَتَّى يَقْتُلَ نَفْسَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ وَقَتَادَةُ: آيَةُ الْجَبَابِرَةِ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ.
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ (٣٧) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ، وَعُتُوِّهُ، وَتَمَرُّدِهِ، وَافْتِرَائِهِ فِي تَكْذِيبِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَمَرَ وَزِيرَهُ هَامَانَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ صَرْحًا، وَهُوَ: الْقَصْرُ الْعَالِي الْمُنِيفُ الشَّاهِقُ. وَكَانَ اتِّخَاذُهُ مِنَ الْآجُرِّ الْمَضْرُوبِ مِنَ الطِّينِ الْمَشْوِيِّ، كَمَا قال: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا﴾ [الْقَصَصِ: ٣٨]، وَلِهَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْبِنَاءَ بِالْآجُرِّ، وَأَنْ يَجْعَلُوهُ فِي قُبُورِهِمْ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ﴾ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو صَالِحٍ: أَبْوَابَ السموات. وقيل: طرق السَّمَوَاتِ ﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا﴾، وَهَذَا مِنْ كُفْرِهِ وَتَمَرُّدِهِ، أَنَّهُ كَذَّبَ مُوسَى فِي أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ أَيْ: بِصَنِيعِهِ هَذَا الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُوهِمَ بِهِ الرَّعِيَّةَ أَنَّهُ يَعْمَلُ شَيْئًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَكْذِيبِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (١)، وَمُجَاهِدٌ: يَعْنِي إِلَّا فِي خَسَارٍ.
﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (٣٨) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (٤٠) ﴾
يَقُولُ الْمُؤْمِنُ لِقَوْمِهِ مِمَّنْ تَمَرَّدَ وَطَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾

(١) زيادة من س.

صفحة رقم 144

لَا كَمَا كَذَبَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾.
ثُمَّ زَهَّدَهُمْ فِي الدُّنْيَا الَّتِي [قَدْ] (١) آثَرُوهَا عَلَى الْأُخْرَى، وَصَدَّتْهُمْ عَنِ التَّصْدِيقِ بِرَسُولِ اللَّهِ مُوسَى [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٢)، فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ﴾ أَيْ: قَلِيلَةٌ زَائِلَةٌ فَانِيَةٌ عَنْ قَرِيبٍ تَذْهَبُ [وَتَزُولُ] (٣) وَتَضْمَحِلُّ، ﴿وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ أَيِ: الدَّارُ الَّتِي لَا زَوَالَ لَهَا، وَلَا انْتِقَالَ مِنْهَا وَلَا ظَعْنَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، بَلْ إِمَّا نَعِيمٌ وَإِمَّا جَحِيمٌ، وَلِهَذَا قَالَ ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا﴾ أَيْ: وَاحِدَةً مِثْلَهَا ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أَيْ: لَا يَتَقَدَّرُ بِجَزَاءٍ بَلْ يُثِيبُهُ اللَّهُ، ثَوَابًا كَثِيرًا لَا انْقِضَاءَ لَهُ وَلَا نفاد.

(١) زيادة من ت، س، أ.
(٢) زيادة من ت.
(٣) زيادة من ت.

صفحة رقم 145
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية