آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ

قوله عز وجل: فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا يعني: بالرسالة، قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يعني: أعيدوا القتل عليهم، وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ فلا تقتلوهن، وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي: في خطأ بيّن.
قوله تعالى: وَقالَ فِرْعَوْنُ لقومه ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى يعني: خلوا عني، حتى أَقْتُلْ موسى. وَلْيَدْعُ رَبَّهُ يعني: ليدعوا ربه موسى، لكي يمنعه عني. وذلك أن قومه كانوا يقولون: أرجئه وأخاه، ولا تقتله حتى لا يفسدوا عليك الملك. فقال لهم فِرْعَوْنُ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى فإِني أعلم أن صلاح ملكي في قتله.
إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ يعني: عبادتكم إياي. أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ يعني: الدعاء إلى غير عبادتي. قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو وأن يظهر على معنى العطف. والباقون: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ على معنى الشك، وكلاهما جائز. وأو لأحد الشيئين: إما لشك المتكلم أو أحدهما. والواو للجمع، وتقع على الأمرين جميعاً. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وعاصم يُظْهِرَ بضم الياء، وكسر الهاء، الْفَسادَ بالنصب. والباقون:
يُظْهِرَ بنصب الياء، والهاء، الْفَسادَ بالضم. فمن قرأ: يُظْهر بالضم. فالفعل لموسى، والفساد نصب لوقوع الفعل عليه. ومن قرأ يَظْهَر، فالفعل للفساد، فيصير الفسادُ رفعاً، لأنه فاعل. فلما سمع موسى ذلك التهديد، استعاذ بالله من شره، فذلك قوله: وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ يعني: أستعيذ بربي، وربكم، مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ عن الإيمان يعني: لاَ يُؤْمِنُ أي: لا يصدق بِيَوْمِ الْحِسابِ.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٨ الى ٣٥]
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)

صفحة رقم 203

وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وهو حزبيل بن ميخائيل، هو ابن عم قارون، وكان أبوه من آل فرعون، وأمه من بني إسرائيل. ويقال: كان ابن فرعون يَكْتُمُ إِيمانَهُ، وكان قد أسلم سراً من فرعون.
قوله: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ يعني: اليد، والعصا. وروى الأوزاعي عن يحيى بن كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «أقبل عقبة بن أبي معيط، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه على عنقه، وخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبيه، ودفعه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم قال أبو بكر: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ يعني: فعليه وبال كذبه، فلا ينبغي أن تقتلوه بغير حجة، ولا برهان. وَإِنْ يَكُ صادِقاً في قوله، وكذبتموه، يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ من العذاب. يعني: بعض ذلك العذاب يصبكم في الدنيا. ويقال: بعض الذي يعدكم فيه. أي: جميع الذي يعدكم، كقوله: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [الزخرف: ٦٣] أي: جميع الذي تختلفون فيه، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي يعني: لا يرشد، ولا يوفق إلى دينه، مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ في قوله: كَذَّابٌ يعني: الذي عادته الكذب.
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ أي: ملك مصر، ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ أي: غالبين على أرض مصر، فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ يعني: من يعصمنا من عذاب الله، إِنْ جاءَنا يعني: أرأيتم إن قتلتم موسى، وهو الصادق، فمن يمنعنا من عذاب الله. فلما سمع فرعون قول المؤمن، قالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى يعني: ما أريكم من الهدى، إلا ما أرى لنفسي. ويقال: ما آمركم إلا ما رأيت لنفسي أنه حق وصواب، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ يعني: ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى وقرئ في الشاذ الرَّشادِ بتشديد الشين.
يعني: سبيل الرشاد الذي يرشد الناس. ويقال: رشاد اسم من أسماء أصنامه.

صفحة رقم 204

قوله: وَقالَ الَّذِي آمَنَ وهو حزبيل يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ يعني: أخاف عليكم من تكذيبكم مثل عذاب الأمم الخالية، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ أي مثل عذاب قوم نوح، وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ يعني: لا يعذبهم بغير ذنب، وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ وهو من نَدَّ يَند، وهو من تنادى، يتنادى، تنادياً. وروى أبو صالح، عن ابن عباس أنه قرأ: يَوْمَ التَّنادِ بتشديد الدال.
وقال: تندون كما تند الإبل، وهذا موافق لما بعده، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ وكقوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) [عبس: ٣٤، ٣٥].
وقرأ الحسن يَوْمَ التَّنَادِي بالياء، وهو من النداء. يوم ينادى كل قوم بأعمالهم. وينادي المنادي من مكان بعيد. وينادي أهل النار أهل الجنة. وينادي أهل الجنة أهل النار أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا [الأعراف: ٤٤] وقراءة العامة. التناد بالتخفيف بغير ياء، وأصله الياء، فحذف الياء، لأن الكسرة تدل عليه، وقوله: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ أي: هاربين. قال الكلبي:
هاربين، إذا انطلق بهم إلى النار، فعاينوها، هربوا. فيقال لهم: مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ أي: ليس لكم من عذاب الله من مانع. وقال مقاتل: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ أي: ذاهبين بعد الحساب إلى النار، كقوله: فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أي: ذاهبين مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني: من مانع من عذابه.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى، فَما لَهُ مِنْ هادٍ يعني: من مرشد، وموفق.
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ هذا قول حزبيل أيضاً لقوم فرعون قال: وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ ويقال: يعني: به أهل مصر، وهم الذين قبل فرعون، لأن القرون الذين كانوا في زمن فرعون، لم يروا يوسف، وهذا كما قال تعالى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ [البقرة: ٩١] وإنما أراد به آباءهم بِالْبَيِّناتِ أي: بتعبير الرؤيا. وروي عن وهب بن منبه: قال فرعون: موسى هو الذي كان في زمن يوسف، وعاش إلى وقت موسى. وهذا خلاف قول جميع المفسرين. فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ من تصديق الرؤيا، وبما أخبركم، حَتَّى إِذا هَلَكَ يعني: مات، قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا.
يقول الله تعالى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ يعني: من هو مشرك، شاك في توحيد الله.
ثم وصفهم فقال: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أي: بغير حجة أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أي: عظم بغضاً لهم من الله، وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني: عند المؤمنين كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ
أي: يختم الله بالكفر، عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ يعني: متكبر عن عبادة الله تعالى. قرأ أبو عمرو: قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ بالتنوين. جعل قوله متكبر نعتاً للقلب.

صفحة رقم 205
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية