آيات من القرآن الكريم

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

ولما تم هذا على هذا الوجه المهول، وكان يوم القيامة له أسماء تدل على أهواله باعتبار مواقفه وأحواله، منها يوم البعث وهو ظاهر، ومنها يوم التلاق لما تقدم، ومنها يوم التغابن لغبن أكثر من فيه خسارته، ومنها يوم الآزفة لقربه وسرعة أخذه، وكان كأنه قيل خطاباً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأمن ممن ألقينا هذا الروح الأعظم من أمرنا فأنذرهم ما مضى من يوم التلاقي وما عقبناه به، عطف عليه قوله زيادة في بيان هوله إعلاماً بأنه مع ثبوته وثبوت التلاقي فيه قريب تحذيراً من تزيين إبليس للشهوات وتقريره بالتسويف بالتوبة: ﴿وأنذرهم﴾ أي هؤلاء المعرضين إعراض من لا يجوز الممكن ﴿يوم الآزفة﴾ أي الحالة الدائبة العاجلة السريعة جداً مع الضيق في الوقت وسوء العيش لأكثر الناس، وهي القيامة، كرر ذكرها الإنذار منها تصريحاً وتلويحاً تهويلاً لها وتعظيماً لشأنها.
ولما ذكر اليوم، هول أمره بما يحصل فيه من المشاق فقال:

صفحة رقم 30

﴿إذ القلوب﴾ أي من كل من حضره. ولما كان هذا الرعب على وجه غريب باطن، عبر ب «لدى» فقال: ﴿لدى الحناجر﴾ أي حناجر المجموعين فيه إلا من شاء الله، وهي جمع حنجور وهي الحلقوم وزناً ومعنى، يعني أنها زالت عن أمكانها صاعدة من كثرة الرعب حتى كادت تخرج وصارت مواضعها من الأفئدة هواء، وكانت الأفئدة معترضة كالشجا لا هي ترجع إلى مقارها فيستريحوا ولا تخرج فيموتوا.
ولما كان الحديث - وإن كان في الظاهر عن القلوب - إنما هو عن أصحابها، جمع على طريقة جمع العقلاء، وزاده حسناً أن القلوب محل الكظم، وبها صلاح الجملة وفسادها، وقد أسند إليها ما يسند للعقلاء فقال: ﴿كاظمين﴾ أي ممتلئين خوفاً ورعباً وحزناً، ساكتين مكروبين، قد انسدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم. ولما كان من المعلوم أن ذلك الكرب إنما هو للخوف من ديان ذلك اليوم، وكان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك اليوم والشفاعات، قال مستأنفاً: ﴿ما للظالمين﴾ أي العريقين في الظلم منهم ﴿من حميم﴾ أي قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم

صفحة رقم 31

مزيل لكروبهم، قال ابن برجان: والحميم: الماء الحار الناهي في الحرارة، سمي القريب به لأنه يحمي لقريبه غضباً، والغضب حرارة تعرض في القلب تخرج إلى الوجه فيحمر وتنتفخ الأوداج فيستشيط غيظاً ﴿ولا شفيع يطاع *﴾ أي ليس لهم شفيع أصلاً لأن الشفيع يعلم أنه لو شفع ما أطيع فهو لا ينفع، وقد يشفع في بعضهم بعض المقربين لعلامة فيهم يحصل بها اشتباه يظن بهم أنهم ممن يستحق الشفاعة فينبه على أنهم ليسوا بذلك، فيبرأ منهم.
ولما كانت الشفاعة إنما تقع وتنفع بشرط براءة المشفوع له من الذنب إما بالاعتراف بما نسب إليه والإقلاع عنه، وإما بالاعتذار عنه، وكان ذلك إنما يجري عند المخلوقين على الظاهر، ولذلك كانوا ربما وقع لهم الغلط فيمن لو علموا باطنه لما قبلوا الشفاعة فيه، علل تعالى ما تقدم بعلمه أن المشفوع له ليس بأهل لقبول الشفاعة فيه لإحاطة علمه فقال: ﴿يعلم خائنة﴾ ولما كان السياق هنا للابلاغ في أن علمه تعالى محيط بكل كلي وجزئي، فكان من المعلوم أن الحال يقتضي جمع الكثرة، وأنه ما عدل عنه إلى جمع القلة إلا للاشارة إلى أن علمه تعالى بالكثير كعلمه بالقليل الكل، عليه هين، فالكثير عنده في ذلك قليل فلذا قال: ﴿الأعين﴾ أي خيانتها التي هي أخفى ما يقع من أفعال الظاهر، جعل الخيانة مبالغة في الوصف وهي الإشارة بالعين،

صفحة رقم 32

قال أبو حيان: من كسر وغمز ونظر يفهم منه ما يراد - انتهى.
وذلك يفعل بفعل ما يخالف الظاهر، ولما ذكر أخفى أفعال الظاهر، أتبعه أخفى ما في الباطن فقال: ﴿وما تخفي الصدور *﴾ أي عن المشفوع عنده وغير ذلك.
ولما كان العفو عن الظالم الذي لا يرجع عن ظلمه نقصاً، لكونه لا حكمة فيه، عبر بالاسم الأعظم في جملة حالية فقال: ﴿والله﴾ أي والحال أن المتصف بجميع صفات الكمال ﴿يقضي بالحق﴾ أي الثابت الذي لا يصح أصلاً نفيه، فلو قضى فيمن يعلم أنه ليس بأهل للشفاعة فيه بقبول الشفاعة لنفى الحق وأثبت الباطل فخالف ذلك الكمال ﴿والذين يدعون﴾ أي الظالمون - على قراءة الجماعة، وأيها الظالمون - على قراءة نافع وابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان بالخطاب للمواجهة بالإزراء. ولما كانت المراتب دون عظمته سبحانه لا تنحصر ولا يحتوي عليها كلها شيء، أثبت الجار فقال: ﴿من دونه﴾ أي سواه، ومن المعلوم أنهم خلقه فهم دون رتبته لأنهم في قهره ﴿لا يقضون بشيء﴾ من الأشياء أصلاً، فضلاً عن أن يقضوا بما يعارض حكمه، فلا مانع له من القضاء بالحق، فلا مقتضى لقبول الشفاعة فيمن يعلم عراقته في

صفحة رقم 33

الظلم أنه لا ينفك عنه.
ولما أخبر أنه لا فعل لشركائهم، وأن الأمر له وحده، علل ذلك بقوله مرهباً من الخيانة وغيرها من الشر، مرغباً في كل خير، مؤكداً لأجل أن أفعالهم تقتضي إنكاراً ذلك: ﴿إن الله﴾ عبر به لأن السياق لتحقير شركائهم وبيان أنها في غاية النقصان ﴿هو﴾ أي وحده. ولما ذكر ما هو غيب، وصفه بأظهر ظاهر فقال: ﴿السميع﴾ أي لكل ما يمكن أن يسمع ﴿البصير *﴾ أي بالبصر والعلم لكل ما يمكن أن يبصر ويعلم، فلا إدراك لشركائهم أصلاً ولا لشيء غيره بالحقيقة، ومن لا إدراك له ولا قضاء له، فثبت أن الأمر له وحده، فما تنفعهم شفاعة الشافعين ولا تقبل فيهم من أحد شفاعة بعد الشفاعة العامة التي هي خاصة بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فإن كل أحد يحجم عنها حتى يصل الأمر إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب إلى المكان الذي أذن له فيشفع، فيشفعه الله تعالى فيفصل سبحانه بين الخلائق ليذهب كل أحد إلى داره: جنته أو ناره، روى الشيخان: البخاري ومسلم عن أبي هريرة

صفحة رقم 34

رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوة فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهش منها نهشة، فقال:
«أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه وإلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم، فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فذكر سؤالهم أكابر الأنبياء، وكل واحد منهم يحيل على الذي بعده إلى أن يقول عيسى عليه السلام: اذهبوا إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين يأتونه: أنا لها، فينطلق فيسجد تحت العرش» - وهو مروي عن غير أبي هريرة عن أنس وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولكن لم أر فيه التصريح بالشفاعة العامة بعد رفع رأسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السجود إلا فيما رواه البخاري في الزكاة من صحيحه في باب «من سأل الناس تكثراً» عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضي

صفحة رقم 35

بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم»، وكذا فيما رواه أيو يعلى في مسنده فقال: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في طائفة من أصحابه فقال: «إن الله تبارك وتعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور فذكر النفخ فيه للموت ثم للبعث ثم ذكر الحشر» - وهو حديث طويل جداً إلى أن قال: «ثم يقفون موقفاً واحداً مقدار سبعين عاماً لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دماً وتعرقون إلى أن يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم أو يبلغ الأذقان، فتضجون وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا يقضى بيننا، فتقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فتأتون آدم فتطلبون ذلك إليه فيأبى فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ثم يستقربون الأنبياء نبياً نبياً كلما جاؤوا نبياً أبى عليهم، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حتى تأتوني، فأنطلق حتى آتي الفحص فأخر ساجداً

صفحة رقم 36

فقال أبو هريرة: يا رسول الله! ما الفحص؟ قال: قدام العرش - حتى يبعث الله إليّ ملكاً فيأخذ بعضدي فيرفعني فيقول لي: يا محمد! فأقول: نعم يا رب! فيقول: ما شأنك - وهو أعلم فأقول: يا رب وعدتني فشفعني في خلقك فاقض بينهم، قال: قد شفعتك أنا آتيكم فأقضي بينكم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأرجع فأقف مع الناس فبينما نحن وقوف سمعنا حساً من السماء شديداً فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثل من نزل من الملائكة، ومثل الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت، ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام، والملائكة تحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهو اليوم على أربعة - إلى أن قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته فيقول: يا معشر الجن والإنس! إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يوم يومكم هذا أسمع قولكم، وأبصر أعمالكم، فانصتوا لي فإنما هي أعمالكم

صفحة رقم 37

وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم، ثم يقول الله عز وجل ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون﴾ [يس: ٦٠-٦٣]- أو بها تكذبون - شك أبو عاصم، ﴿وامتازوا اليوم أيها المجرمون﴾ [يس: ٥٩] فتسمى النار وتجثو الأمم وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها فيقضي بين خلقه»
- فذكره وهو طويل جداً، ثم ذكر الصراط وبعض الشفاعات الخاصة في أهل الجنة، فذكر دخولهم الجنة ثم أنهم يشفعون في بعض أهل النار إلى أن قال: «ثم يأذن الله في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع»
إلى أن قال: «ثم يقول الله عز وجل: بقيت أنا وأنا أرحم الراحمين. فيدخل الله يده في جهنم فيخرج منها لا يحصيه غيره» وروى ابن حبان في صحيحه - قال المنذري: ولا أعلم في إسناده مطعناً - عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يقول إبراهيم عليه السلام يوم القيامة. يا رباه، فيقول الرب جل وعلا: يا لبيكاه، فيقول إبراهيم: يا رب حرقت بني - فيقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة أو شعيرة من الإيمان» وروى الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وأحمد بن منيع: «يلقى رجل

صفحة رقم 38

أباه يوم القيامة فيقول: يا أبة! أي ابن كنت لك؟ فيقول: خير ابن، فيقول: هل أنت مطيعي اليوم، فيقول: نعم، فيقول خذ بازرتي، فيأخذ بازرته، ثم ينطلق حتى يأتي الله وهو يعرض بعض الخلق، فيقول: يا عبدي! ادخل من أي أبواب الجنة شئت، فيقول: أي ربي، وأبي معي فإنك وعدتني أن لن تخزيني، فيعرض عنه ويقضي بين الخلق ويعرضهم ثم ينظر إليه فيقول: يا ابن آدم ادخل من أي أبواب الجنة شئت فيقول: أي ربي وأبي معي فإنك قد وعدتني أن لن تخزيني قال: فيمسخ الله أباه ضبعاً أمذر أو أمجر» - شك أبو جعفر أحد رواة ابن منيع - «فيأخذ بأنفه فيقول: أبوك هو، فيقول: ما هو بأبي، فيهوي في النار» وهو في البخاري في أحاديث الأنبياء وتفسير الشعراء بلفظ: «يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آذر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم عليه السلام: ألم أقل لك: لا تعصني، فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى عن أبي الأبعد، فيقول الله تعالى:

صفحة رقم 39

إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال لإبراهيم عليه السلام: انظر ما تحت رجلك فينظر فإذا هو بذيخ - وهو ذكر الضبعان - متلطخ فيؤخذ بقوامه فيلقى في النار»، وروى أبو يعلى الموصلي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ليأخذن رجل بيد أبيه يوم القيامة فتقطعه النار يريد أن يدخله الجنة، قال: فينادى أن الجنة لا يدخلها مشرك، ألا إن الله قد حرم الجنة على كل مشرك قال: فيقول: أي رب! أبي، فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة فيتركه، فكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرون أنه إبراهيم عليه السلام»، وروى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب على المنبر يقول:
«إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيدة وعداً علينا إنا كنا فاعلين، ألا وإن أول الخلائق يكسى إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب! أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح {وكنت عليهم

صفحة رقم 40

شهيداً ما دمت فيهم} - إلى قوله: ﴿وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ [المائدة: ١١٨] » ورواه الترمذي والنسائي بنحوه، ومن نحو ما قال عيسى عليه السلام قول إبراهيم عيله السلام كما حكاه الله عنه ﴿فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾ وروى مسلم في الإيمان من صحيحه والنسائي في التفسير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما «أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا قول الله عز وجل في إبراهيم عليه السلام» ﴿رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فأنه مني﴾ الآية - وقال عيسى عليه السلام ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ فرفع يديه وقال: اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي - وبكى «، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله: فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك»، وللشيخين في الحوض والفتن ومسلم في فضل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سهل بن سعد وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أنا فرطكم على الحوض، من مر على شرب، ومن شرب لم يظمأ

صفحة رقم 41

أبداً، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم» - زاد أبو سعيد رضي الله عنه: فأقول: «إنهم مني - فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي» ولمسلم وابن ماجه - وهذا لفظه - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر خطبته في الحج ثم قال: «ألا وإني فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الأمم، ولا تسودوا وجهي، ألا وإني مستنقذ أناساً ومستنقذ مني أناس فأقول: يا رب: أصحابي أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ولفظ مسلم: «أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب! أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ولمسلم عن عائشة رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول وهو بين ظهراني أصحابه:
«إني على الحوض أنظر من يرد عليّ منكم، فوالله ليقطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب! مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، ما زالوا

صفحة رقم 42

يرجعون على أعقابهم» وللشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ترد عليّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله! تعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لغيركم تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء، ولتصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول يا رب هؤلاء أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ وفي رواية: بينما أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج من بيني وبينهم رجل، فقال: هلم؛ فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، فقلت: ما شأنهم، فقال: إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم. أي ضوالها - أي الناجي قليل، وفي رواية لمسلم في الوضوء: ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً» قال المنذري:

صفحة رقم 43

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.

صفحة رقم 44
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي
الناشر
دار الكتاب الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء
22
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية