
أي: خليلاً ﴿وَلاَ نَصِيراً﴾ أي: تناصراً في دينكم على أعدائكم فإنهم ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ [آل عمران: ١١٨]
قوله: ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ الآية.
المعنى اقتلوا من وجدتم من المنافقين الذين اختلفتم فيهم إن لم يهاجروا إلا أن يتصل قوم منهم بمن بينكم وبينهم عهد فيدخلون فيما دخلوا فيه، ويرضون بما رضوا، فلا يقتل من كانت هذه حاله منهم فإن لهم حكمهم.
قال السدي: المعنى إذا أظهروا كفرهم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم إلا أن يكون أحد منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق، فأجروا عليه مثلما تجرون على القوم واحكموا في الجميع بحكم واحد.
ومعنى: ﴿يَصِلُونَ﴾ يتصلون.
وقال أبو عبيدة: معنى: ﴿يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ﴾: ينتسبون إليهم. وهو بعيد، لأن النبي ﷺ قد قاتل من ينتسب إلى من بينهم وبينه عهد، وليس النسب مما يمنع قتال الكفار لعهد بيننا وبين قرابتهم.

وروي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله: ﴿فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وقال قتادة: ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ [مِّيثَاقٌ]﴾ نسخ بعد ذلك، فنبذ إلى كل ذي عهد عهده، ثم أمرنا بالقتال في براءة.
وقال ابن زيد: نسخها الجهاد.
قوله: ﴿أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ الآية.
المعنى: إلا الذين جاؤوكم قد ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم، فدخلوا فيكم، فلا تقتلوهم، ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾ أي: لسلط عليكم هؤلاء الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم ميثاق، والذين يجيئونكم قد ﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ أي: ضاقت عن قتالكم، وقتال قومهم، فيقاتلوكم مع اعدائكم من المشركين، ولكن الله كفهم عنكم.
وقوله: ﴿فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ ليست اللام بجواب للقسم [كاللام في ﴿لَسَلَّطَهُمْ﴾، وإنما دخلت للمجاءاة لا للقسم]، ومثله قوله: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ [النمل: ٢١]. ليست اللام

بجواب للقسم وإنما دخلت للمحاذاة للامين اللتين قبلها، اللتين هما جواب قسم سليمان في قوله ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١] ولهذا نظائر ستراها.
قوله: ﴿فَإِنِ اعتزلوكم﴾ أي: اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكف عن قتالهم فلم يقاتلوكم ﴿وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم﴾. أي: صالحوكم، وقيل المعنى: استسلموا إليكم.
﴿فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ أي: ليس لكم إليهم طريق فتستحلونهم بما في أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وهذا كله منسوخ بقوله: ﴿فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥].
وقال الحسن وعكرمة: قوله: ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ﴾ إلى قوله ﴿سُلْطَاناً مُّبِيناً﴾ [النساء: ٩١] وقوله: ﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين﴾ [الممتحنة: ٨] إلى ﴿يُحِبُّ المقسطين﴾ [الممتحنة: ٨] قالا: بنسخ ذلك في براءة فجعل لهم أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر.

قال قتادة: ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ﴾ إلى ﴿مُّبِيناً﴾ منسوخ ببراءة، وقال ابن زيد: نسخ هذا كله، نسخة الجهاد وضرب لهم أجل أربعة أشهر إما أن يسلموا وإما أن يكون الجهاد.
واختلف في ﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾، فقال المبرد المعنى: الدعاء، لأنه قال: ﴿أَوْ جَآءُوكُمْ﴾ أحصر الله صدوركم أي: ضيقها عن قتالكم، وقتال قومهم. وقال الزجاج: يجوز أن يكون خبراً بعد خبر، فالمعنى أو جاءكم ثم خبر بعد فقال: ﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾، وأكثر النحويين على أنه حال، وقد مضمرة والتقدير: أو جاؤوكم قد حصرت أي: ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم. أي: جاؤوكم في هذه الحال فلا تقاتلوهم.
وقال الطبري: المعنى: أو جاؤوكم قد حصرت.