
ولا تأخذوها وتأكلوها عن طريق الإسراف والتبذير، فإن طبيعة النفس التبذير في مال الغير، ولا تأكلوها مسرعين قبل أن يصل اليتيم إلى مرحلة البلوغ والإدراك السليم.
أما الأكل من غير إسراف ولا تبذير وبلا إسراع ومبادرة فحكمه أن من كان غنيا فليطلب العفة ويحمل نفسه عليها حتى يتعود ذلك، وفي هذا إشارة إلى أن طبيعة النفوس ميالة إلى الاعتداء على حق الغير وإن كان صغيرا ضعيفا.
ومن كان فقيرا محتاجا فليأكل بالمعروف شرعا وعرفا بلا إسراف وتبذير حتى قال بعضهم: إن الولي ليس له أن يأكل إلا قرضا أو بأجر المثل.
والحكمة في ذلك أن اليتيم الصغير من الخير له أن يخالط الولي ويأكل مع أولاده حتى يتسنى للولي أن يشرف عليه إشرافا فعليا، فإن كان الولي غنيا كانت المخالطة لمصلحة اليتيم، وإن كان فقيرا فالواجب عليه أن يأكل بالمعروف من كسب المال وثمرته، وليس له أن يجمع من مال اليتيم شيئا خاصا به.
فإذا اختبرتم اليتيم أو السفيه وتبينتم صلاحيته لإدارة المال فادفعوه إليه بحضور الشهود قطعا للنزاع، والله شهيد عليكم ورقيب فراقبوه فإنه لا تخفى عليه خافية في الأرض والسماء.
تشريع حقوق اليتامى والنساء [سورة النساء (٤) : الآيات ٧ الى ١٠]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)

المفردات:
مَفْرُوضاً: محتوما لا بد من أخذه. وَلْيَخْشَ الخشية: الخوف مع تعظيم المخفو والأمل فيه. سَدِيداً: محكما صائبا، والمراد: موافقا للدين.
ظُلْماً: بغير حق. سَيَصْلَوْنَ: سيحرقون، من أصلاه إصلاء: أراد إحراقه، ومنه: صلى اللحم: شواه، واصطلى: استدفأ. سَعِيراً: النار المستعرة.
سبب النزول:
روى أن أوس بن الصامت الأنصارى توفى وترك امرأته أم كحلة وبنات له فمنع ابنا عمه سويد وعرفطة ميراث أوس عن زوجته وبناته، فشكت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعاهما رسول الله، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلّا ولا ينكى عدوا، نكسب عليها ولا تكسب، فنزلت الآية
فأثبتت لهن الميراث، ثم نزلت آية المواريث فجعلت لكل حقه.
المعنى:
إذا توفى رجل وورثه ذكور وإناث- صغارا كانوا أو كبارا- فالله قد أوجب لكل وارث نصيبا مفروضا وقدرا محتوما في المال الموروث من الوالدين أو الأقربين يستوي في ذلك القليل والكثير، وستأتى آية المواريث وتوضح هذا المجمل وتبينه.
ولقد عالج القرآن الكريم بمناسبة تقسيم المال في التركات مرضا في نفوسنا وهو تألم البعض من حضور الأقارب ساعة التقسيم، وحسد الأقارب الذين لا يرثون، فقال:
إذا حضر مجلس القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فعالجوا شح النفس عندكم واقطعوا ألسنة بعض ضعاف النفوس بأن تعطوهم شيئا من المال ولو قليلا، وقولوا لهم قولا حسنا واعتذارا جميلا يسل السخائم ويهدئ النفوس، والمأمور بهذا هو الولي أو اليتيم عند البلوغ واستلام المال كل هذا تحتمله الآية، والمهم أن هذا أدب قرآنى وعلاج حكيم، ولعل أحدث الدول رجعت تقول بضريبة التركات بل بالغت في درجتها.