
﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠) ﴾
شرح الكلمات:
﴿نَصِيبٌ﴾ : الحظ المقدر١ في كتاب الله.
﴿الْوَالِدَانِ﴾ : الأب والأم.
﴿وَالأَقْرَبُونَ﴾ : جمع قريب، وهو هنا الوارث بنسب أو مصاهرة أو ولاء.
﴿نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾ : قدراً واجباً لازماً.
﴿أُولُو الْقُرْبَى﴾ : أصحاب القرابات الذين لا يرثون لبعدهم عن عمودي النسب.
﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ : أعطوهم شيئاً يرزقونه.
﴿قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ : لا إهانة فيه ولا عتاب، ولا تأفيف.
الخشية: الخوف في موضع الأمن.
﴿قَوْلاً سَدِيداً﴾ : عدلاً٢ صائباً.
﴿ظُلْماً﴾ : بغير حق يخول لهم أكل مال اليتيم.
٢ القول السديد هو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد ابن أبي وقاص، وقد مرض مرضاً شديداً فعاده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فقال سعد: يا رسول الله إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلث مالي؟ قال: "لا" قال: فشطره؟ قال: "لا" قال: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير". ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ".

﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ : سيدخلون سعيراً ناراً مستعرة يشوون فيها ويحرقون بها.
معنى الآيات:
لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال بحجة أن الطفل كالمرأة لا تركب فرساً ولا تحمل كلاً ولا تنكي عدواً، يكسب١ ولا تكسب، وحدث وحدث أن امرأة يقال لها: أم كحة، مات زوجها وترك لها بنتين فمنعهما أخو الهالك من الإرث فشكت: أم كحة إلى٢ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت هذه الآية الكريمة: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾، ومن ثم أصبحت المرأة؛ كالطفل الصغير يرثان كالرجال، وقوله تعالى: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ﴾ أي: من المال المتروك ﴿أَوْ كَثُرَ﴾ حال كون ذلك نصيباً مفروضاً لابد من إعطائه الوارث ذكراً كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً. والمراد من الوالدين: الأب والأم، الأقربون٣؛ كالأبناء والإخوان والبنات والأخوات، والزوج والزوجات، هذا ما تضمنته٤ الآية الأولى (٧)، وأما الآية الثانية (٨) فقد تضمنت فضيلة جميلة غفل عنها المؤمنون وهي أن من البر والصلة والمعروف إذا هلك هالك، وقدمت تركته للقسمة بين الورثة، وحضر قريب غير وارث لحجبه أو بعده أو حضر يتيم أو مسكين من المعروف أن يعطوا شيئاً من تلك التركة قبل قسمتها وإن تعذر العطاء؛ لأن الورثة يتامى أو غير عقلاء يصرف أولئك الراغبون من قريب ويتيم ومسكين بكلمة طيبة كاعتذار جميل تطيب به نفوسهم هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ٥ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ أي: من المال المتروك ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ إن تعذر إعطاؤهم لمانع يتم أو عقل. أما الآية الثالثة
٢ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن". فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم وإبطالاً لقولهم وتصرفهم الجاهلي، إذا المفروض أن الصغير والمرأة أولى بالإرث لحاجتهما وخوفهما.
٣ لفظ الأقربون مجمل، ومن هنا أرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سويد وعرفجة: "ألا يفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله جعل لبناته نصيباً ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا". فنزلت: ﴿يوصِيكم الله﴾ الآية، فأرسل إليهما أن أعطي أم محة الثمن مما ترك أوس، ولبناته الثلثين ولكما بقية المال.
٤ قوله تعالى: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾ اختلف أهل العلم في الشيء يتركه الموروث، وهو لا يقبل كالدار الصغيرة، والجوهرة الواحدة، وما إلى ذلك، فذهب بعض إلى إنه لابد من القسمة، وذهب آخرون، وهو الحق إن شاء الله تعالى: أن مالاً يقبل القسمة لفساده يباع ويقسم ثمنه على الورثة ولا شفعة فيه لأنه لا تأتي فيه الحدود، والشفعة فيما يقسم وتوقع فيه الحدود، وهذا ليس كذلك لتعذر قسمته، ويشهد لهذا الرأي حديث الدارقطني، ونصه: "لا تعضيه" أي: لا تفرقه على أهل الميراث إلا ما حمل القسم، فقرر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مالاً يقبل القسم لا يحوز تعضيته أي: تفريقه على الورثة لأنه يفسد بالقسمة فتعين أن يباع ويقسم ثمنه.
٥ الجمهور على أن هذه الآية منسوخة بأية: ﴿يُوصِيكمْ الله فيِ أَوْلادُكم﴾ الآية، وقال ابن عباس: "إنها محكمة" وعلى إنها غير منسوخة شرحناها في التفسير، فليتأمل.

وهي قوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾، فقد تضمنت إرشاد الله تعالى للمؤمن الذي يحضر مريضاً على فراش الموت بأن لا يسمح له أن يحيف في الوصية بأن يوصي لوارث أو يوصي بأكثر من الثلث أو يذكر ديناً ليس عليه، وإنما يريد حرمان الورثة. فقال تعالى آمراً عباده المؤمنين ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي: من بعد موتهم، ﴿ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾، أي: فليخشوا هذه الحال على أولاد غيرهم ممن حضروا وفاته. كما يخشونها على أولادهم. إذاً فعليهم أن يتقوا الله في أولاد غيرهم. وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولاً سديداً: صائباً لا حيف فيه ولا جور معه. هذا ما تضمنته الآية الثالثة (٩)، أما الآية الرابعة (١٠) فقد تضمنت وعيداً شديداً لمن يأكل مال اليتيم ظلماً، إذ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى١ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ٢ سَعِيراً﴾. والمراد من الظلم أنهم أكلوها بغير حق أباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه، ومعنى: ﴿يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ إنهم يأكلون النار يوم القيامة، فقوله إنما يأكلون في بطونهم ناراً هو باعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم، والعياذ بالله من نار السعير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير مبدأ التوارث في الإسلام.
٢- استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم صُرفوا بالكلمة الطيبة، وفي الحديث: "الكلمة الطيبة صدقة".
٣- وجوب النصح والإرشاد للمحتضر حتى لا يجور في وصيته عند موته.
٤- على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره فإن الله تعالى يكفيه فيهم.
٥- حرمة أكل مال اليتامى ظلماً، والوعيد الشديد فيه.
٢ قرأ أبو حيوة: ﴿وسيُصلّون﴾ بضم الياء وتشديد اللام من التصلية التي هي كثرة الفعل مرة بعد أخرى ومنه: ﴿ثُمّ الْجَحِيم صَلّوه﴾، أي: مرة بعد مرة، وعليه قول الشاعر:
وقد تصليت حر حربهم... كما تصلى المقرور من قرتين
يريد أنه اكتوى بنار حربهم مرة بعد مرة كما يفعل من به البرد الشديد فإنه يستدفئ مرة بعد مرة.