آيات من القرآن الكريم

لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠) ﴾
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلرِّجَالِ الْكِبَارِ، وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْأَطْفَالَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ [وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا] (١) ﴾ أَيِ: الْجَمِيعُ فِيهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، يَسْتَوُونَ فِي أَصْلِ الْوِرَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتُوا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ [تَعَالَى] (٢) لِكُلٍّ مِنْهُمْ، بِمَا يُدْلِي بِهِ إِلَى الْمَيِّتِ مِنْ قَرَابَةٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ، أَوْ وَلَاءٍ. فَإِنَّهُ لُحْمَة كَلُحمة النَّسَبِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ هَرَاسة (٣) عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عن جابر قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ كُجَّة (٤) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِيَ ابْنَتَيْنِ، وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُمَا، وَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ﴾ الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي هَذَا الحديثُ عِنْدَ آيَتَيِ الْمِيرَاثِ بِسِيَاقٍ آخَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا] (٥) ﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ: وَإِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ ذَوُو الْقُرْبَى مِمَّنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَلْيَرْضَخْ لَهُمْ مِنَ التَّرِكَةِ نَصِيبٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ (٦) وَاخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيد أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللَّهِ (٧) الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيان، عَنِ الشَّيْباني، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَة، وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. تَابَعَهُ سَعيد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبَّاد بْنُ العَوَّام، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الحَكَم، عَنْ مِقْسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هِيَ قَائِمَةٌ يَعْمَلُ بِهَا.

(١) زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في جـ: "من طريق ابن راهويه" وفي أ: "من طريق هواسة".
(٤) في ر: "لجه".
(٥) زيادة من جـ، ر، أ، وفي الأصل: "الآية".
(٦) في أ: "مستحب".
(٧) في أ: "عبد الله".

صفحة رقم 219

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَمَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنِ اسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: وَلِيَ عُبَيْدَةُ وَصِيَّةً، فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ، فَأَطْعَمَ أَصْحَابَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي.
وَقَالَ مَالِكٌ، فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ فِي جُزْءٍ مَجْمُوعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُرْوَةَ أعْطى مِنْ مَالِ مُصْعَبٍ حِينَ قَسَّمَ مَالَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهِيَ مُحْكَمَةٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ مَا طَابَتْ بِهِ الْأَنْفُسُ.
ذِكْرُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ:
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج (١) أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبَى مُلَيكة: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَسَّمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَائِشَةُ حَية قَالَا فَلَمْ يَدَعْ فِي الدَّارِ مِسْكِينًا وَلَا ذَا قَرَابَةٍ إِلَّا أَعْطَاهُ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ. قَالَا وَتَلَا ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى﴾ قَالَ الْقَاسِمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا أَصَابَ، لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ يزيد الْمَيِّتُ [أَنْ] (٢) يُوصِي لَهُمْ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (٣).
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ:
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ قَالَ: مَنْسُوخَةٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى﴾ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾
وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى﴾ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنزل (٤) الْفَرَائِضُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَرَائِضَ، فَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَجُعِلَتِ الصَّدَقَةُ فِيمَا سَمى الْمُتَوَفَّى. رَوَاهُنَّ ابْنُ مَرْدُويه.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ (٥) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصبَّاح، حَدَّثَنَا حَجَّاج، عَنِ ابْنِ جُرَيج وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَطاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾

(١) في أ: "ابن جرير".
(٢) زيادة من أ.
(٣) ورواه الطبري في تفسيره (٨/١٠، ١١) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة به.
(٤) في جـ، أ: "ينزل".
(٥) في جـ، أ: "الحسين".

صفحة رقم 220

نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَجُعِلَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ نُصِيبُهُ مِمَّا تَرك الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ -مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ -[نَصِيبًا مَفْرُوضًا] (١)
وَحَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا (٢) قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، كَانَتْ قَبْلَ الْفَرَائِضِ، كَانَ مَا تَرَكَ الرَّجُلُ مِنْ مَالٍ أُعْطِيَ مِنْهُ الْيَتِيمُ وَالْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَذَوِي الْقُرْبَى إِذَا حَضروا الْقِسْمَةَ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، نَسَخَتْهَا الْمَوَارِيثُ، فَأَلْحَقَ اللَّهُ بِكُلِّ ذِي حَق حَقَّهُ، وَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ مَالِهِ، يُوصِي بِهَا لِذَوِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَشَاءُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا الْمَوَارِيثُ وَالْوَصِيَّةُ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وزيد ابن أَسْلَمَ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّان، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهَا (٣) مَنْسُوخَةٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهور الْفُقَهَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا قَوْلًا غَرِيبًا جَدًا، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُ ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ أَيْ: وَإِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ مَالِ الْوَصِيَّةِ أُولُو قُرَابَةِ الْمَيِّتِ ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ﴾ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ إِذَا حَضَرُوا ﴿قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ هَذَا مَضْمُونُ مَا حَاوَلَهُ بَعْدَ طُول الْعِبَارَةِ وَالتَّكْرَارِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ. وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا لَا عَلَى مَا سَلَكَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنِ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلِ الْمَعْنَى: أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءُ مِنَ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرثون، وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ قِسْمَةَ مَالٍ جَزِيلٍ، فَإِنَّ أَنْفُسَهُمْ تَتُوقُ (٤) إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ، إِذَا رَأَوْا هَذَا يَأْخُذُ وَهَذَا يَأْخُذُ وَهَذَا يَأْخُذُ، وَهُمْ يَائِسُونَ لَا شَيْءَ يُعْطَوْنَ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى -وَهُوَ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ -أَنْ يُرضَخ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الوسَط يَكُونُ بِرًّا بِهِمْ (٥) وَصَدَقَةً عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ، وَجَبْرًا لِكَسْرِهِمْ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٤١] وَذَمَّ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ الْمَالَ (٦) خِفْيَةً؛ خَشْيَةَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمُ الْمَحَاوِيجُ وَذَوُو الْفَاقَةِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ [الْقَلَمِ: ١٧] أَيْ: بِلَيْلٍ. وَقَالَ: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ. أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ [الْقَلَمِ: ٢٣، ٢٤] ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [مُحَمَّدٍ: ١٠] فَمَنْ جَحَد حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ عَاقَبَهُ (٧) فِي أَعَزِّ مَا يَمْلِكُهُ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَا خَالَطَتِ الصَّدَقَةُ مَالًا إِلَّا أَفْسَدَتْهُ" (٨) أَيْ: مَنْعُهَا يَكُونُ سَبَبَ مِحَاقِ ذَلِكَ الْمَالِ بالكلية.

(١) زيادة من جـ، أ.
(٢) في جـ، أ: "عن".
(٣) في أ: "هي".
(٤) في جـ، ر، أ: "تتشوق".
(٥) في أ: "لهم".
(٦) في جـ: "يشتغلون بالمال"، وفي ر، أ: "يستغلون المال".
(٧) في أ: "عاقبه الله".
(٨) رواه البزار في مسنده برقم (٨٨١) "كشف الأستار" من حديث عائشة، وقال الهيثمي في المجمع (٣/٦٤) :"فيه عثمان الجمحي قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به".

صفحة رقم 221

وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ [ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ] (١) ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُره الْمَوْتُ، فَيَسْمَعُهُ الرَّجُلُ يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تَضر بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَسْمَعُهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، وَيُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ لِلصَّوَابِ، وَلْيُنْظَرْ لِوَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِوَرَثَتِهِ إِذَا خَشِيَ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ.
وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْد بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ يَعُودُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةً، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: فالشَّطْر؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنك أن تَذر وَرَثَتَك أغنياء خَيْر من أَنْ تَذَرَهم عَالةً يتكَفَّفُون النَّاسَ" (٢).
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ" (٣).
قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنْ كَانَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أَغْنِيَاءَ استُحب لِلْمَيِّتِ أَنْ يَسْتَوفي الثُّلُثَ فِي وَصِيَّتِهِ (٤) وَإِنْ كَانُوا فَقُرَاءَ استُحب أَنْ يَنْقُص الثُّلُثَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ﴾ [أَيْ] (٥) فِي مُبَاشَرَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ﴿وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾
حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، يَتَأَيَّدُ بِمَا بَعْدَهُ مِنَ التَّهْدِيدِ فِي أَكْلِ مَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا، أَيْ: كَمَا تُحِبُّ أَنْ تُعَامَلَ ذَرِّيَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَعَامِلِ النَّاسَ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ (٦) إِذَا وَلِيتَهُمْ.
ثُمَّ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَالَ يَتِيمٍ ظُلْمًا فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ أَيْ: إِذَا أَكَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُونَ نَارًا تَأجَّج (٧) فِي بُطُونِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سليمان ابن بِلَالٍ، عَنْ ثَوْر بْنِ زَيْدٍ (٨) عَنْ سَالِمٍ أَبِي الغَيْث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اجْتَنبوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، والسِّحْر، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، والتولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ (٩) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العمِّى، حدثنا أبو هاروي (١٠) العَبْدي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يا رسول الله، ما رأيت

(١) زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٢) صحيح البخاري برقم (٢٧٤٢) وصحيح مسلم برقم (١٦٢٨).
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٧٤٣) وصحيح مسلم برقم (١٦٢٩).
(٤) في أ: "أن يستوفى في وصيته ثلث ماله".
(٥) زيادة من جـ، ر.
(٦) في أ: "ذراريهم".
(٧) في جـ، أ: "تتأجج".
(٨) في جـ، أ: "يزيد".
(٩) في أ: "عبد الله".
(١٠) في جـ، ر، أ: "هارون".

صفحة رقم 222
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية