مستحق للقتل.
إن قيل: لِمَ قال (جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)
ولم يقل: فاستغفرت؟
قيل: تنبيهًا على مقتضى فضيلة الرسالة، وأن بفضيلتها يستحق قبول شفاعته وموقع استغفاره.
قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)
المشاجرة: المنازعة، وأصله من اختلاط الأشجار.
وشَجَر بيته رفعه بالشجر، والشِّجار اسم ما يرفع به من الشجر.
ومصدر شَاجَره أي نازعه، والتشاجُر يكون بالأبدان بالحرب
وباللسان في القول.
والحرج: الضيق، وأصله الحرجة الملتفة
من الأشجار، وسأل عمر رضي الله عنه أعرابيًّا عن الحرج.
فقال: هو أن يلتف الشجر ويناشب فلا يصل إليه شيء.
قال: فكذلك قلب الكافر محظور عليه الإِيمان، ممتنع امتناع هذه
الحرجة.
وقوله: (لَا) في أول الكلام هو ردّ لزعمهم: أنا آمنا.
فقال: لا، أي ما آمنوا، ولفظة: لا، قد ينفى به الفعل
الماضي إذا لم يذكر معه الفعل، كقوله: أخرجتَ؟ فتقول: لا.
ويجوز أن يكون نفيًا للثاني، لكن حذف معه الفعل اكتفاء
بما ذكر من بعده، وعلى الوجهين قول الشاعر:
لا وأبيك أبنت العامري... لا يدعي القوم أني أفِرُّ
والآية من تمام القصة المتقدّمة، وقول من قال: نزل في حاطب
ابن أبي بلتعة حيث اختصم مع الزبير بن العوام في سبب
الماء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فحكم للزبير.
فسخط حاطب، فإنه يجوز أن شأن نزوله هذه الحال، ويجوز
أن يكون قد نزل فيهما، وبيَّن تعالى أن التوقُّف في إلزام حكمك
فيما وقع بينهم من المشاجرة هو مخرج لهم عن الإِيمان، وإنما
يكون حصول الإِيمان الحقيقي بعد أن لا يروا ضيق صدر في جميع
ما تحكم به، (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا): أي يسلمون ظواهرهم
وبواطنهم، والتسليم منّا هو الإِسلام المأمور به في قوله:
(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)،