
فأعلمهم الله تعالى أن ظل الجنة لا حر معه ولا برد.
قوله: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا﴾ الآية.
قال زيد بن أسلم: نزلت الآية في ولاة أمور المسلمين.
قال مكحول في وقوله: ﴿وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ﴾: هم أهل الآية التي قبلها في قوله: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا﴾.
وقال ابن زيد: قال أبي: هم الولاة أمرهم الله تعالى أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها.
وقال ابن جريج: خوطب بهذا النبي عليه السلام أن يرد مفاتيح الكعبة على عثمان بن طلحة كان المفتاح لآبائه من قصي، وكان أبوه قتل يوم بدر فورثه من أبيه

طلحة.
وروي أن النبي ﷺ قال: " يا عثمان خذ المفاتيح على أن للعباد معك نصيباً، فأبى أن يأخذه حتى نزلت الآية، فدفعه النبي ﷺ ولم يشرك معه أحداً، فهو اليوم في ذريته الأمثال فالأمثال.
وكان النبي ﷺ قد أخذها منه يوم فتح مكة، ففتح البيت ودخله، ثم خرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفاتيح ".
وقيل: نزلت لما أخذ النبي ﷺ مفاتيح الكعبة من شيبة بن عثمان.
وروى أهل التفسير أن العباس عم النبي عليه السلام سأل النبي عليه السلام أن يجمع له السقاية والسدانة، وهي الحجابة، وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه، فنازعه شيبة بن عثمان فقال: " يا رسول الله: اردد علي ما أخذت مني "، يعني مفاتيح الكعبة فرده ﷺ على شيبة.
وقال الحسن: " لما فتح رسول الله ﷺ مكة دعا عثمان بن طلحة فقال: " أرنا المفتاح "، فلما أتاه به قال عباس: " يا رسول الله اجمعه لي مع السقاية، فكف عثمان يده مخافة أن يدفعه إلى العباس، فقال رسول الله ﷺ: يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم

الآخر فأرني المفتاح ".
فقال: هاك في أمانة الله تعالى، فأخذه رسول الله ﷺ، ففتح باب الكعبة، ثم دخل، فأفسدها ما كان في البيت من التماثيل، وأخرج مقام إبراهيم ﷺ فوضعه حيث وصعه، ثم طاف بالبيت مرة أو مرتين، ونزل جبرئيل عليه السلام بالآية يأمره أن يرد المفتاح إلى أهله، فدعا عثمان فقال: هاك المفتاح إن الله يقول: " أدوا الأمانات إلى أهلها وقرأ الآية كلها ".
وقال ابن عباس: الآية على العموم في كل من ائتمن على شيء فعليه رده إلى أهله.
واختار أهل النظر أن يكون خطاباً لولاة أمور المسلمين أن يؤدوا الأمانة.
يما ائتمنوا عليه من أمور المسلمين في أحكامهم والقضاء في حقوقهم بكتاب الله، والقسم بينهم بالسوية، ويدل على صحة ذلك أن الله تعالى أمر المسلمين بطاعتهم بعد ذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ﴾ فحض الولاة على العدل والإنصاف بين المسلمين، وحض المسلمين على طاعة الولاة.
قوله: ﴿إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ أي: نعمه العظيمة يعظكم بها يا ولاة أمور المسلمين، في أداء ما ائتمنتم عليه من أموال المسلمين ﴿إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً﴾ أي: لم يزل

سميعاً لما تقولون وتنطقون وتحكمون في رعيتكم ﴿بَصِيراً﴾ بما تعملون فيما أئتمنكم عليه من الحكم والإنصاف، لا يخفى عليه شيء من أفعالكم. وهذا كان لولاة أمور المسلمين ومن قام مقامهم من الحكام، وقد حض على ذلك في غير موضع من كتابه فقال: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآءِ ذِي القربى﴾ [النحل: ٩٠].
وقال: ﴿ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله﴾ [ص: ٢٦].
وقال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الفاسقون﴾ [المائدة: ٤٧]، ﴿فأولئك هُمُ الفاسقون﴾ [المائدة: ٤٧]، و ﴿فأولئك هُمُ الظالمون﴾ [المائدة: ٤٥].
وقال: ﴿كُونُواْ قوامين بالقسط شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوالدين والأقربين﴾ [النساء: ١٣٥].
وقال ﷺ " المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمان، وكلتا يديه - جلت عظمته - يمين هم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وأموالهم ".
وقال ﷺ: " إن أحب الناس إلى الله تعالى وأقربهم إليه سبحانه وتعالى - إمام

عادل " وقال: " إن أبغض الناس إلى الله جل ذكره وأشدهم عذاباً إمام جائر " وقال ﷺ: " إن أفضل عباد الله منزلة إمام عادل رقيق، وإن شر عباد الله تعالى منزلة يوم القيامة إمام جائر ".
وقال معقل المزني عند موته: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "ليس من ولي أمة قَلت أوكثرت لم يعدل فيهم إلا كبه الله على وجهه في النار".
وروي عنه - ﷺ - أنه قال: " ما من أمير عشرة إلا وهو يجيء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".
وقال - ﷺ -: " سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله: إمام مقسط، وشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل - حتى توفاه الله على ذلك، ورجل ذكر الله في خلا، ففاضت عيناه من خشية الله - عز وجل -، ورجل كان قلبه متعلقاً بالمسجد حين يخرج منه حتى يرجع إليه، ورجل قال أحدهما للآخر: إني أحبك في الله، وقال الآخر: إني أحبك في الله، فتصادرا على ذلك، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ".