
إن الذين كفروا بآياتنا الدالة علينا المنزلة على أنبيائنا وخاصة القرآن لأنه أظهر الآيات وأكملها، هؤلاء سوف نصليهم ونحرقهم بالنار التي وقودها الناس والحجارة كلما احترقت جلودهم حتى لم تعد صالحة لإيصال الألم إلى مراكز الشعور والإدراك بدلناهم جلودا جديدة غيرها، أو هذا تمثيل لدوام شعورهم بالعذاب شعورا كاملا، ولا غرابة إن الله عزيز لا يغلبه غالب، حكيم في كل صنعه، ومن حكمته وعدله تعذيب العاصي بهذا وأمثاله، وإثابة المؤمن بما يناسب عمله، ومن ثم قرن ثواب المؤمن بجزاء الكافر حتى يظهر الفرق جليا فيكون ذلك أدعى للإيمان.
والذين آمنوا بالله إيمانا صحيحا، وعملوا الصالحات من الأعمال سيدخلهم ربهم الجنة التي عرضها السموات والأرض، والتي تجرى من تحتها الأنهار فلا تعب فيها ولا مشقة، وهم فيها ماكثون وخالدون، ولهم فيها أزواج مطهرة طهارة حسية ومعنوية من دنس الحيض والنفاس، وكذا العيوب النفسية، كأنهن الياقوت والمرجان ويدخلهم ربهم ظلا دائما لا حر فيه ولا برد، ولا تنسخه شمس، ولهم فيها العزة الدائمة والهناءة المستمرة، ولا حرج على فضل الله، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان: اللهم ارزقنا التوفيق والسداد حتى نكون منهم يا رب الأرباب.
السياسة العامة للحكمة الإسلامية [سورة النساء (٤) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)

المفردات:
الْأَماناتِ: جمع أمانة، وهي: ما يؤتمن عليها الشخص وتعم جميع الحقوق المتعلقة بذمته من حقوق لله أو للناس أو لنفسه. بِالْعَدْلِ: التساوي في الشيء والمراد به إيصال الحقوق إلى أربابها من أقرب الطرق. تَأْوِيلًا التأويل: بيان المآل والعاقبة.
سبب النزول:
روى أنها نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد الدار، وكان سادان الكعبة وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة الكعبة وصعد إلى السطح، وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال: لو علمت أنك رسول الله لم أمنعه، فأخذه علي بن أبى طالب بالقوة، وفتح الباب ودخل رسول الله وصلّى ركعتين، فلما خرج سأله عمه العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت، فأمر النبي عليًّا أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه
... هذا ما روى في سبب النزول: ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعلى ذلك فهو أمر عام لكل مسلم في كل أمانة في ذمته أو تحت يده، سواء كانت عامة للأمة أو خاصة للفرد.
وهذا رد على اليهود- الذين قالوا للكفار: أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا- ببيان أسس الحكومة الإسلامية الصحيحة الموافقة للقرآن الكريم.
المعنى:
الأمانة كلمة عامة جامعة تشمل أمانة العبد مع ربه، بمعنى أن الله عاهده على الامتثال للأوامر واجتناب النواهي. وأمانته مع الناس بأن يرد ودائعهم ويحفظ حقوقهم، وغيبتهم، وسرهم، ولا يغشهم، ويطيع الله فيهم، وإن كان حاكما فالشعب أمانة في عنقه واجب عليه أن يحكم فيهم بما أنزل الله، وأن يتقى الله فيهم بامتثال أمره والاهتداء بسنة المصطفى فلا يسند أمرا لغير أهله ولا يضيع حقا، ولا يغش مسلما، ولا يقبل رشوة، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ولا يدخر وسعا في السهر على المصلحة، والإرعاء على الخلق، وأن يعامل غيره بما يجب أن يعامله به لو كان محكوما.

وإن كان عالما فالواجب عليه أن يرشد الناس إلى الخير، ويهديهم إلى طريق الحق ويوقفهم على أسرار الشرع حتى يتمسكوا بأهداف الدين وإلا اعتبر مقصرا في واجبه إن لم يكن خائنا للأمانة. وأمانته مع نفسه بأداء ما طلب منه.
ألست معى أن الأساس الأول للحكومة الإسلامية هو (الأمانة) بل هي الدعامة لإقامة مجتمع طاهر ونظيف وأمة رشيدة؟
الأساس الثاني (العدل) نعم العدل أساس الملك وأصل من أصول الدين الإسلامى لأنه شريعة ودولة ودين ودنيا، فالعدل واجب على الحكام والولاة حتى تصل الحقوق لأربابها كاملة غير منقوصة، ولذا أمر الله به في كثير من الآيات اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى. [سورة المائدة آية ٨] كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [سورة النساء آية ١٣٥].
وإذا كان هذا إرشاد الله ووعظه فنعم شيئا يعظكم به أيها المسلمون، إن الله كان سميعا لكل مظلوم وصاحب حق وأمانة، وبصيرا بكل خائن أو مقصر في واجبه أو متسبب في ضياع الحق بأى شكل ولون.
وعلى الشعب بالنسبة للحكام والقادة السمع والطاعة ما داموا قد أدوا الأمانة على خير وجه وحكموا بالعدل بين الناس، يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله بتنفيذ أحكامه والعمل بكتابه ودستوره. وأطيعوا الرسول فهو الذي بين لنا دستور السماء وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «١» وأطيعوا أولى الأمر وهم أهل الحل والعقد في الأمة، أى: السلطة التشريعية في البلد، وهي تتكون من الحكام والولاة والنواب والشيوخ والعلماء والزعماء، أطيعوهم متى أجمعوا على أمر من الأمور بشرط أن يكونوا أدوا الأمانة وأقاموا العدالة وأطاعوا الله ورسوله بتنفيذ دستور القرآن عند ذلك تجب طاعتهم على الناس وهذا هو المسمى بالإجماع في علم الأصول.
فإن تنازعوا في شيء فالواجب رده إلى نظيره ومثله في القرآن والسنة، والذي يفهم هذا هم العلماء الأعلام العاملون المخلصون لله ولرسوله، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فاعملوا بهذه الوصايا وامتثلوا أمر الله فذلك خير لكم في الدنيا والآخرة، وأحسن تأويلا، ويؤخذ من الآية الكريمة أن أصول التشريع في الدين أربعة: