
رسول الله ﷺ هات المفتاح يا عثمان فقال هات بامانة الله فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه بردّ المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فاعطاه المفتاح ثم قال.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها حتى فرغ من الاية واخرج سنيد فى تفسيره عن حجاج بن جريح والأزرقي عن مجاهد قال نزلت هذه الاية فى عثمان بن طلحة أخذ رسول الله ﷺ منه مفتاح الكعبة فدخل به البيت يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فناوله المفتاح قال وقال عمر بن الخطّاب لما خرج رسول الله ﷺ من الكعبة وهو يتلو هذه الاية فداه ابى وأمي وما سمعته يتلو قبل ذلك فالظاهر انها نزلت فى جوف الكعبة وروى ايضا نحوه عن سعيد بن المسيّب وفيه خذوها يا بنى طلحة خالدة لا يظلمكموها الّا كافر وروى ابن سعد عن ابراهيم بن محمد العبدري عن أبيه ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا قال عثمان بن طلحة لقينى رسول الله ﷺ بمكة قبل الهجرة فدعانى الى الإسلام فقلت يا محمد اتعجب لك حيث تطمع ان اتبعك وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث وكنا نفتح الكعبة فى الجاهلية الاثنين والخميس فاقبل يوما يريد ان يدخل الكعبة مع الناس فاغلظت عليه ونلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش وذلّت قال بل عمرت وعزت ودخل الكعبة فوقعت كلمة منى موقعا ظننت ان الأمر سيصير الى ما قال فاردت الإسلام فاذا قومى يزبروننى زبرا شديدا فلما كان يوم الفتح قال لى يا عثمان ايت بالمفتاح فاتيته به فاخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الّا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم على بيته فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف فلما وليت نادانى فرجعت اليه فقال الم يكن الذي قلت لك فذكرت قوله لى بمكة قبل الهجرة فقلت بلى اشهد انك رسول الله وروى الفاكهاني عن جبير بن مطعم ان رسول الله ﷺ لما ناول عثمان المفتاح قال له غيّبه قال الزهري فلذلك يغيب المفتاح قلت ولعل الوجه فى الأمر بتغييب المفتاح ان الناس كانوا يطمعون فى ان يكون المفتاح عندهم كما ذكرنا من رواية ابن مردوية طمع عباس فيه وروى ابن عابد والأزرقي ان عليا قال للنبى ﷺ اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت هذه الاية فدعا عثمان فقال خذوها يا بنى طلحة خالدة......

مخلدة لا ينزعها منكم الّا ظالم وروى عبد الرزاق والطبراني عن الزهري ان رسول الله ﷺ لما خرج من البيت قال علىّ رضى الله عنه انا أعطينا النبوة والسقاية والحجابة ما من قوم بأعظم نصيبا منا فكره رسول الله ﷺ مقالته ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع اليه وقال غيّبوه وذكر البغوي انه لما دخل النبي ﷺ مكة يوم الفتح اغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله ﷺ المفتاح فقيل له انه مع عثمان فابى وقال لو علمت انه رسول الله لم امنعه المفتاح فلوى على رضى الله عنه عنقه فأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله ﷺ البيت وصلى ركعتين فلما خرج ساله العباس المفتاح ان يعطيه ويجمع له بين السّقاية والسدانة فانزل الله تعالى هذه الاية فامر رسول الله ﷺ عليا ان يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه ففعل ذلك على فقال له عثمان أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال لقد انزل الله فى شأنك وقرأ عليه الاية فقال عثمان اشهد ان محمّدا رسول الله وكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه شيبة فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة (فائدة:) نزول الاية وان كان فى إعطاء المفتاح لبنى طلحة لكن الاية بعموم لفظها يفيد وجوب أداء كل امانة الى أهلها عن انس قال قلّما خطبنا رسول الله ﷺ الّا قال لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له رواه البيهقي فى شعب الايمان وفى الصحيحين عن ابى هريرة وعبد الله بن عمرو مرفوعا انه ﷺ ذكر من علامات النفاق إذا اؤتمن خان «١» (فائدة:) ليس أداء الامانة منحصرا فى مال الوديعة ونحو ذلك بل كل حق
لاحد على أحد امانة

يجب أداؤه لاهله كما يدل عليه سبب نزول هذه الاية فلهذا قال الصوفية العلية ان الوجود وتوابعه وكل كمال فى الممكن فهو ليس لذاته بل مقتبس من مرتبة الوجوب جلّت عظمته وامانة مودعة مستعارة منه تعالى ومقتضى هذه الاية وجوب ردّ تلك الأمانات الى أهلها «١» بحيث يرى نفسه عاريا منها كما ان السّلطان إذا لبس كنّاسا لباس الامارة فالواجب على الكنّاس ان يرى نفسه فى كل حين عاريا كما كان منتسبا لباسه الى مالكه وإذا غلب على الصّوفى هذه الملاحظة وجد نفسه فى نفسه معدوما خاليا عن الوجود وعن سائر الكمالات مبدأ للشرور والمناقص وذلك هو مرتبة الفناء ثم قد ينتفى عنه هذه الرؤية المستعارة ايضا وذلك فناء الفناء ثم يرى نفسه موجودا بوجود مستعار من الله تعالى متصفا بصفات مضافة اليه سبحانه باقيا ببقائه وذلك مرتبة البقاء ومن هاهنا قال الله تعالى فى الحديث القدسي كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث فاذا وصل الصوفي الى تلك المرتبة المعبر عنها بالفناء والبقاء المكنى عنها بأداء الامانة لا يتصور حينئذ ان يصدر من الصوفي تزكية لنفسه حيث يرى نفسه معدوما خاليا عن الكمالات وجاز له حينئذ التكلم بما أعطاه الله من الكمالات والتحديث بما أنعم الله عليه من الفضائل والمقامات والمعاملات لان الكمالات حينئذ مضافة الى الله تعالى وكل ثناء واقع على تلك الكمالات راجعة الى الله سبحانه ويظهر استغراق المحامد لله وانحصار المدائح فى الله تعالى فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فكأنّ هذه الاية متصلة بقوله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ «٢»... بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وما بينهما اعتراض ومعنى الآيتين لا تزكوا أنفسكم فان كمالاتكم ليست ناشية من أنفسكم بل الله يزكى من يشاء بإعطاء نور من أنواره ورشحة من بحار كماله والله يأمركم ان تؤدوا الأمانات التي عندكم من الكمالات الى أهلها حتى لا يتصوّر منكم تزكية نفوسكم ويتاتى منكم أداء بعض محامد ربكم ومن هاهنا يظهر لك جواب ما اعترض بعض الجهال على كلمات المشائخ المشعرة بالتفاخر فانها بعد أداء الأمانات الى أهلها ناشية على سبيل التحديث بالنعمة بإذن ربّهم على مقتضى الحكمة والله اعلم-
(٢) هكذا فى الأصل والنقول لعله سباق قلم او تصحيف من الناسخ لان قوله تعالى المتقدم ليس هكذا بل هو أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ نعم وقع فى سورة والنجم فلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ٢ بو محمد عفا الله عنه