آيات من القرآن الكريم

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

البلاغة:
١- الكناية بقوله: من الغائط، فقد كنّى عما يستهجن ذكره.
وبالملامسة عن الجماع، في أحد القولين. وسيرد هذا مفصلا في المائدة.
٢- الالتفات في قوله: «أو جاء أحد» فقد التفت من الخطاب الى الغيبة، لأنه كناية عما يستحيا من ذكره، فلم يخاطبهم به. وهذا من محاسن الكلام.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
اللغة:
(هادُوا) : رجعوا، والمراد بهم أحبار اليهود.

صفحة رقم 224

(الكلم) : جمع كلمة، وتحريف الكلم بمعنى إحالته عن مواضعه وإزالته، لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعه الله فيها.
(راعِنا) : قيل: هي عربية، ومعناها انتظرنا وارقبنا، وقيل هي كلمة شبه عبرية أو سريانية كانوا يتسابّون بها، وهي: راعينا وفي هذا منتهى النذالة والخسة أن تسبّ غيرك بلسان لا يعرفه.
(لَيًّا) : فتلا بألسنتهم وصرفا للكلام عن نهجه الأصلي الى السب والشتم. وكان اليهود يقولون لأصحابهم: إنما نشتمه ولا يعرف، ولو كان نبيا لعرف ذلك. فأطلعه تعالى على ما يجمجمون به وما ينم على الخبث وسوء الطوية.
الإعراب:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) كلام مستأنف مسوق لتحذير المؤمنين من موالاة اليهود. والهمزة للاستفهام ولم حرف نفي وقلب وجزم وتر فعل مضارع مجزوم بلم والرؤية هنا قلبية بمعنى العلم. وعدّي بإلى، بمعنى: ألم ينته علمك إليهم، أو بصرية بمعنى ألم تنظر إليهم فإنهم جديرون بأن تشاهدهم وتدرجهم في حيز الأمور المرئية، وجملة أوتوا صلة والواو نائب فاعل ونصيبا مفعول به ثان ومن الكتاب جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ل «نصيبا» (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) جملة يشترون مفعول به ل «تر» إن كانت قلبية، وحال إن كانت بصرية، والواو فاعل والضلالة مفعول به. ومعنى اشتراء الضلالة استبدالها بعد وضوح

صفحة رقم 225

الآيات المبينة. وقد تقدم القول في اشتراء الضلالة. ويريدون عطف على يشترون وأن وما في حيزها مصدر مؤول مفعول به ليريدون والسبيل مفعول تضلوا (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) الواو حالية والله مبتدأ وأعلم خبر وبأعدائكم متعلقان بأعلم والجملة في محل نصب حال (وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً) تقدم القول في كفى وزيادة الباء في فاعلها أو مفعولها، وهنا زيدت في الفاعل، ووليا ونصيرا تمييزان أو حالان. (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) كلام مستأنف مسوق لإيراد صورة خسيسة عن اليهود أثناء محاورتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم لمبتدأ محذوف نابت عنه صفته، وهي جملة «يحرفون الكلم» والتقدير:
من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم. وقيل: من الذين هادوا خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هم من الذين هادوا، وجملة يحرفون حال من ضمير هادوا. وقيل «من الذين» حال من «أعدائكم» مبينة له، وما بينهما اعتراض، والأول أرجح. وسيرد لابن هشام رأي واضح.
(عَنْ مَواضِعِهِ) متعلقان بيحرفون (وَيَقُولُونَ: سَمِعْنا وَعَصَيْنا) جملة يقولون عطف على يحرفون وجملة سمعنا مقول القول وجملة وعصينا عطف على جملة سمعنا (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) عطف على سمعنا منتظم في ضمن مقولهم: أي ويقولون ذلك أثناء مخاطبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وغير مسمع، حال من المخاطب. وهذه الكلمة من الكلام الموجه لما سيأتي في باب البلاغة (وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) عطف على اسمع، وليا بألسنتهم نصب على الحال أو مفعول لأجله أو مفعول مطلق وطعنا عطف على «ليا» وفي الدين متعلقان بطعنا (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا) الواو حالية أو استئنافية والجملة حالية أو مستأنفة ولو شرطية وأن وما بعدها فاعل لفعل

صفحة رقم 226

محذوف أي: لو ثبت قولهم، وجملة قالوا خبر أن وجملتا سمعنا وأطعنا من مقول قولهم (وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا) عطف على المقول منتظم في ضمنه. ومعنى انظرنا أي انظر إلينا، بدل راعنا المنطوية على الخسة كما تقدم في باب اللغة (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) اللام رابطة لجواب لو وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو وخيرا خبرها ولهم متعلقان بخيرا وأقوم عطف على «خيرا» (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) الواو حالية ولكن حرف استدراك مخفف مهمل ولعنهم الله فعل ومفعول به وفاعل والفاء عاطفة ولا نافية ويؤمنون فعل مضارع مرفوع وإلا أداة حصر وقليلا صفة مفعول مطلق أي: إلا إيمانا قليلا. ويجوز أن يكون: قليلا منهم، فيكون مستثنى من الواو في يؤمنون.
البلاغة:
اشتملت هذه الآية على فن فريد نسميه: الإبهام أو الكلام الموجه أو المحتمل للضدين، وهو الإتيان بكلام يحتمل معنيين متضادين بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر، وهو قوله: «واسمع غير مسمع» فهو ذو وجهين:
١- وجه يحتمل الذم: أي استمع منا مدعوا عليك بلا سمعت، أي: أصابك الله بالصمم الموت. ولعله هو المراد هنا لما انطووا عليه من خسة.
٢- ووجه يحتمل المدح: أي اسمع غير مسمع مكروها. ومن هذا الكلام الذي هو أشبه بأخذة السحر لا يملك معها البليغ أن يأخذ

صفحة رقم 227

أو يدع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فهو يشتمل على معنيين متضادين، أحدهما: أن المراد به المدح، أي:
إذا لم تفعل فعلا يستحيا منه فافعل ما شئت، لأنك آمن من مغبته.
والآخر أن المراد به الذم، أي: إذا لم يكن لك حياء يردعك عن فعل ما يستحيا منه فافعل ما شئت، لأنك بلغت أدنى دركات المهانة.
وهذان معنييان ضدان، أحدهما مدح والآخر ذم.
الكلام الموجه في شعر أبي الطيب المتنبي:
وهنا يحسن بنا أن ندرج فصلا من روائع أبي الطيب المتنبي في أماديحه لكافور، فقد كان يتعمّد هذا اللون من الكلام كقوله من قصيدة فيه، أولها:

عدوّك مذموم بكلّ لسان ولو كان من أعدائك القمران
ولله سرّ في علاك وإنما كلام العدا ضرب من الهذيان
ثم قال بعد ذلك:
فمالك تعنى بالأسنّة والقنا وجدّك طعّان بغير لسان؟
فإن هذا الكلام أشبه بالذم منه بالمدح، لأنه يقول: لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل بحظّ وسعادة، وهذا لا فضل لك فيه، لأنه إذا كان حظه هو السبب في تقدمه فما قيمته؟ وما شأنه؟ وما أهون أمره!! وما أقل خطره!! ولأن السعادة قد تنال الخامل والجاهل ومن لا يستحقها. وقد كان أبو الطيب يجنح الى استعمال هذا الضرب من القول في قصائده الكافوريات.

صفحة رقم 228

وحكى أبو الفتح بن جنّي قال: قرأت على أبي الطيب ديوانه الى أن وصلت الى قصيدته التي أولها: أغالب فيك الشوق والشوق أغلب، فأتيت منها على هذا البيت وهو:
وما طربي لما رأيتك بدعة... لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
فقلت له: يا أبا الطيب، ما زدت على أن جعلته أبا زنة! وهي كنية القرد، فضحك.
نماذج من الإبهام:
ومن طريف الإبهام ما يحكى من أن بعض الشعراء هنأ الحسن ابن سهل باتصال بنته بوران بالمأمون مع من هنأه من الشعراء، فأثاب الناس كلهم وحرمه. فكتب إليه: إن تماديت في حرماني عملت فيك بيتا لا يعلم أحد أمدحتك فيه أم هجوتك؟ فأحضره وقال له:
لا أعطيك أو تفعل. فقال:
بارك الله للحسن... ولبوران في الختن
يا إمام الهدى ظفر... ت ولكن ببنت من؟
فلم يعلم أراد بقوله: بنت من؟ في العظمة أم في الدناءة؟
فاستحسن الحسن منه ذلك وسأله هل ابتكرت ذلك؟ فقال: لا بل نقلته من شعر بشار بن برد، اتفق أنه فصل قباء عند خياط أعور اسمه زيد، فقال له الخياط: على سبيل العبث به: سآتيك به لا تدري أهو قباء أم جبة؟ فقال له بشار: إن فعلت ذلك لأنظمن فيك بيتا لا يعلم أحد ممن سمعه أدعوت لك أم دعوت عليك؟ فلما خاطه قال بشار:

صفحة رقم 229
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية