آيات من القرآن الكريم

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عشرة حقوق والأمر بأدائها فوراً وهي عبادة الله وحده والإحسان بالوالدين، وإلى كل المذكورين١ في الآية الأولى.
٢- ذم الاختيال٢ الناجم عن الكبر وذم الفخر وبيان كره الله تعالى لهما.
٣- حرمة البخل٣ والأمر به وحرمة كتمان العلم وخاصة الشرعي منه.
٤- حرمة الرياء وذم صاحبها.
٥- ذم قرناء السوء لما يأمرون به ويدعون إليه قرنائهم حتى قيل:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى
﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ٤ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثا (٤٢) ﴾
شرح الكلمات:
الظلم: وضع شيء في غير موضعه.
١ أخص المملوك بذكر ما ورد فيه، ففي مسلم يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "للمملوك طعامه وشرابه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق"، وقال: "لا يقل أحدكم: عبدي، وأمتي. بل يقل: فتاي، وفتاتي"، وفي هذا مراعاة لجانب التوحيد، ومراعاة لشعور المملوك حتى لا يرى أنه مهان مستضعف. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضل العبد الصالح: " للعبد المملوك المصلح أجران"
٢ الاختيال من أكبر الذنوب، وفي الحديث الصحيح: "أن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء ".
٣ شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وأي داء أدوأ من البخل "، وقال: "إ ياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا"، وفي رواية: " حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم".
٤ نصب ﴿مِثْقَال﴾ على المفعولية المطلقة، إذ التقدير: "لا يظلمون ظلماً مقدراً بمثقال ذرة، والمثقال: ما يظهر به الثقل، فهو كاسم الإله "مفعال" والمراد به المقدار، والذرة بيضة النملة".

صفحة رقم 479

﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ : المثقال: الوزن مأخوذ من الثقل فكل ما يوزن فيه ثقل، والذرة أصغر حجم في الكون حتى قيل إنه الهباء أو رأس النملة.
الحسنة: الفعلة الجميلة من المعروف.
﴿يُضَاعِفْهَا﴾ : يريد فيها ضعفها.
﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ : من عنده.
﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ : جزاء كبيراً وثواباً عظيماً.
الشهيد: الشاهد على الشيء لعلمه به.
﴿يَوَدُّ﴾ : يحب.
﴿تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾ : يكونون تراباً مثلها.
﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾ : أي: لا يخفون كلاماً.
معنى الآيات:
لما أمر تعالى في الآيات السابقة بعبادته والإحسان إلى من ذكر من عباده. وأمر بالإنفاق في سبيله، وندد بالبخل والكبر والفخر، وكتمان العلم، وكان هذا يتطلب الجزاء بحسبه خيراً أو شراً ذكر في هذه الآية (٤٠) ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ١ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً﴾، ذكر عدله في المجازاة ورحمته، فأخبر أنه عند الحساب لا يظلم عبده وزن ذرة وهي أصغر شيء وذلك بأن لا ينقص من حسناته حسنة، ولا يزيد في سيئاته سيئة، وإن توجد لدى مؤمن حسنة واحدة يضاعفها بأضعاف يعلمها هو ويعط من عنده بدون مقابل أجراً عظيماً لا يقادر قدره، فلله الحمد والمنة. هذا ما تضمنته الآية الأولى (٤٠)، أما الآية الثانية (٤١) فإنه تعالى لما ذكر الجزاء والحساب الدال عليه السياق ذكر ما يدل على هول يوم الحساب وفظاعة الأمر فيه، فخاطب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً: ﴿فَكَيْف ٢ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً﴾ ؟ ومعنى الآية: فكيف تكون حال أهل الكفر والشر والفساد إذا جاء الله تعالى بشهيد من كل أمة ليشهد٣ عليهما فيما أطاعت وفيما عصت

١ روى عن ابن مسعود، وابن عباس: "أن هذه الآية إحدا آيات هي خير مما طلعت عليه الشمس" ووجه ذلك في حديث الشفاعة في صحيح مسلم، إذ فيه: "ثم يقول لهم ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها، -أي: النار – خيراً".
٢ كيف فتحت فاؤها لالتقاء الساكنين، إذ المفروض فيها أنها ساكنة وهي هنا في محل نصب، إذ التقدير: تكون حالهم كيف.
٣ هو رسولها الذي أرسل إليها.

صفحة رقم 480

ليتم الحساب بحسب البينات والشهود والجزاء بحسب الكفر والإيمان والمعاصي والطاعات، وجئنا بك أيها الرسول الخليل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهيداً على هؤلاء، أي: على أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آمن به ومن كفر، إذ يشهد أنه بلغ رسالته وأدى أمانته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا ما تضمنته الآية الثانية، أما الآية الثالثة (٤٢) فإنه تعالى لما ذكر ما يدل على هول يوم القيامة في الآية (٤١) ذكر مثلاً لذلك الهول وهو أن الذين كفروا يودون وقد عصوا الرسول لو يسوون بالأرض فيكونون تراباً حتى لا يحاسبوا ولا يجزوا بجهنم. وأنهم في ذلك اليوم لا يكتمون الله كلاماً؛ إذ جوارحهم تنطق فتشهد عليهم. قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم يؤتى من كل أمة بشهيد ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى١ بِهِمُ الأَرْضُ﴾ فيكونون تراباً مثلها٢. مرادهم أن يسووا هم بالأرض فيكونون تراباً وخرج الكلام على معنى: أدخلت رأسي في القلنسوة، والأصل: أدخلت القلنسوة في رأسي، وقوله ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾ إخبار عن عجزهم عن كتمان شيء عن الله تعالى؛ لأن جوارحهم تشهد عليهم بعد أن يختم على أفواههم، كما قال تعالى من سورة يس ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- بيان عدالة الله تعالى ورحمته ومزيد فضله.
٢- بيان هول يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن لو سويت به الأرض فكان تراباً.
٣- معرفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بآثار الشهادة على العبد بيوم القيامة إذ أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً: "اقرأ عليَّ القرآن، فقلت أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: أحب أن أسمعه من غيري. قال: فقرأت: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ حتى وصلت هذه الآية: ﴿فَكَيْفَ٣ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ الآية، وإذا عينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تذرفان الدموع٤ وهو يقول: حسبك. أي: كفاك ما قرأت عليَّ".

١ قرئت: ﴿تسَّوّى﴾ بتشديد كل من السين والواو مع فتح التاء في السبع، وقرئت أيضاً: ﴿تَسوى﴾ بفتح التاء وتخفيف السين وتشديد الواو، وبضم التاء وتشديد الواو.
٢ أي: تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فساخوا فيها فتكون الباء بمعنى: على، أي: لو تسوى عليهم، أي: تنشق فتسوى عليهم.
٣ الاستفهام للتعجب من حال الناس في عرصات القيامة، وقد جيء بالشهود: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾.
٤ إن بكاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا لسببين: الأول: المسرة التي نالته بتشريف الله تعالى له في هذا المشهد العظيم، حيث يؤتى به شهيداً على أمته، لا يعرف عدد أفرادها إلا الله خالقها، ويدخل الجنة بشهادته عدد لا يحصى. والثاني: الأسى والأسف الذي يلحقه من رؤيته أعداداً هائلة من أمته يدخلون النار بشهادته عليهم. واليكاء: يكون للمسرة والحزن معاً.

صفحة رقم 481
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية