آيات من القرآن الكريم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

والثالث: أنها بمعنى: لكن ما قد سلف فدعوه، قاله قطرب. وقال ابن الأنباري: لكن ما قد سلف، فإنه كان فاحشة. والرابع: أن المعنى: ولا تنكحوا كنكاح آبائِكم النساء، أي: كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا تجوز في الإسلام إِلا ما قد سلف في جاهليّتكم، من نكاح لا يجوز ابتداء مثله في الإسلام، فإنه معفو لكم عنه، وهذا كقول القائل: لا تفعل ما فعلت، أي: لا تفعل مثل ما فعلت، ذكره ابن جرير «١». والخامس: أنها بمعنى «الواو» فتقديرها: ولا ما قد سلف، فيكون المعنى: إِقطعوا ما أنتم عليه من نكاح الآباء، ولا تبتدئوا، قاله بعض أهل المعاني. والسادس: أنها للاستثناء، فتقدير الكلام:
لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز الذي كان عقده بينهم إِلا ما قد سلف منهم بالزنى، والسفاح، فإنهن حلال لكم، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: إِنَّهُ يعني النكاح، و «الفاحشة» : ما يفحش ويقبح. و «المقت» : أشد البغض.
وفي المراد بهذا «المقت» قولان: أحدهما: أنه اسم لهذا النكاح، وكانوا يسمّون نكاح امرأة الأب في الجاهلية: مقتاً، ويُسمّون الولد منه: المقتي. فاعلموا أن هذا الذي حرِّم عليهم من نكاح امرأة الأب لم يزل منكراً في قلوبهم ممقوتاً عندهم. هذا قول الزجاج. والثاني: أنه يوجب مقت الله لفاعله، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
قوله تعالى: وَساءَ سَبِيلًا قال ابن قتيبة: أي: قبُح هذا الفعل طريقا.
[سورة النساء (٤) : آية ٢٣]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ قال الزجاج: الأصل في أمّهات: أمّات، ولكن الهاء زيدت مؤكّدة، كما زادوها في: أهرقت الماء، وإِنما أصله: أرقت.
قوله تعالى: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ إنما سُمّين أمهات، لموضع الحرمة. واختلفوا: هل يعتبر في الرضاع العدد، أم لا؟ فنقل حنبل، عن أحمد: أنه يتعلق التحريم بالرضعة الواحدة، وهو قول عمر، وعلي، وابن عباس، وابن عمر، والحسن، وطاوس، والشعبي، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وأصحابه. ونقل محمد بن العباس، عن أحمد: أنه يتعلق التحريم بثلاث رضعات. ونقل أبو الحارث، عن أحمد: لا يتعلق بأقل من خمس رضعات متفرقات، وهو قول الشافعي «٢».

(١) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١/ ٦٦١: وهو أولى الأقوال في ذلك بالصواب.
(٢) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ١١/ ٣٠٩- ٣١٠: الأصل في التحريم بالرّضاع الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وأما السنة: ما روت عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة». وفي لفظ «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». والرضاع الذي لا يشك في تحريمه، أن يكون خمس رضعات فصاعدا. هذا الصحيح في المذهب وروي عن عائشة، وابن مسعود، وابن الزبير، وعطاء، وطاوس. وهو قول الشافعي.
وعن أحمد رواية ثانية، أن قليل الرضاع وكثيره يحرّم وروي ذلك عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب، والحسن ومكحول والزهري وأصحاب الرأي، وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيرة يحرّم في المهد ما يفطر به الصائم واحتجوا بالكتاب والسنة. وعن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما. فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «كيف، وقد زعمت أن قد أرضعتكما». ولأن ذلك فعل يتعلق به تحريم مؤبد. فلم يعتبر فيه العدد. والرواية الثالثة، لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات، وبه قال أبو ثور وداود وابن المنذر. لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرّم المصّة ولا المصتان» لأن ما يعتبر فيه العدد والتكرار، يعتبر فيه الثلاث. وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرّم هل كملا أو لا؟ لم يثبت التحريم لأن الأصل عدمه، فلا تزول عن اليقين بالشك. والسّعوط:
بأن يصب اللبن في أنفه من إناء، والوجور: أن يصبّ في حلقه صبا من غير الثدي. فأصح الروايتين أن التحريم يثبت بذلك كما يثبت بالرضاع. وإن عمل اللبن جبنا ثم أطعمه الصبي، ثبت به التحريم، بهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يحرّم به، لزوال الاسم.

صفحة رقم 388

قوله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أمهات النساء: يحرَّمن بنفس العقد على البنت، سواء دخل بالبنت، أو لم يدخل، وهذا قول عمر، وابن مسعود، وابن عمر، وعمران بن حصين ومسروق، وعطاء، وطاوس، والحسن، والجمهور. وقال عليّ رضي الله عنه في رجل طلق امرأته قبل الدخول:
له أن يتزوج أمها، وهذا قول مجاهد، وعكرمة «١».
قوله تعالى: وَرَبائِبُكُمُ الرّبيبة: بنت امرأة الرّجل من غيره. ومعنى الربيبة: مربوبة، لأن الرجل يربّيها، وخرج الكلام على الأعم من كون التربية في حجر الرجل، لا على الشرط «٢».
قوله تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ قال الزجاج: الحلائل: الأزواج. وحليلة بمعنى محلّة، وهي

(١) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ٩/ ٥١٥- ٥١٦: من تزوج امرأة حرّم عليه كل أمّ لها، من نسب أو رضاع، قريبة أو بعيدة بمجرد العقد. نص عليه أحمد. وهو قول أكثر أهل العلم، منهم، ابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وعمران بن حصين وكثير من التابعين. وبه يقول مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وحكي عن علي رضي الله عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها، كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول. ولنا، قول الله تعالى وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية. قال ابن عباس: أبهموا ما أبهم القرآن، يعني غمّموا حكمها في كل حال، ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها. وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تزوج امرأة، فطلقها قبل أن يدخل بها، فلا بأس أن يتزوج ربيبته، ولا يحلّ له أن يتزوج أمها». رواه أبو حفص بإسناده. وقال زيد: تحرّم بالدخول أو بالموت، لأنه يقوم مقام الدخول. وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقا. وحديث علي رضي الله عنه، أخرجه الطبري ٨٩٥٢ عن خلاس بن عمرو عن علي مرسلا. [.....]
(٢) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ٥١٦- ٥١٧ روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره وهو قول داود. قال ابن المنذر: وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأم حبيبة: «لا تعرضن علي بناتكن، ولا أخواتكن». لأن التربية لا تأثير لها في التحريم كسائر المحرمات. وأما الآية فلم تخرج مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك تعريفا لها بغالب حالها، وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسّك بمفهومه. وإن لم يدخل بالمرأة لم تحرّم عليه بناتها.

صفحة رقم 389
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية