آيات من القرآن الكريم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ

جانبه: كما أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاه إياها إذا كان الفراق بسببها ومن جانبها.
٤- اتفق العلماء على أن المهر يستقر بالوطء. واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة.
قال القرطبي والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. قالوا: إذا خلا بها خلوة صحيحة يجب كمال المهر والعدة. دخل بها أو لم يدخل بها. لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ «من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق». وقال مالك: إذا طال مكثه معها السنة ونحوها. واتفقا على ألا مسيس. وطلبت المهر كله كان لها» «١».
وبعد أن نهى- سبحانه- عن ظلم المرأة في حال الزوجية. وعن ظلمها بعد وفاة زوجها.
وعن ظلمها في حالة فراقها. وأمر بمعاشرتها بالمعروف بعد كل ذلك بين- سبحانه- من لا يحل الزواج بهن من النساء ومن يحل الزواج بهن حتى تبقى للأسرة قوتها ومودتها فقال- تعالى-:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤)

(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٠٢.

صفحة رقم 98

أورد المفسرون روايات في سبب نزول قوله- تعالى- وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ الآية.
ومن هذه الروايات ما رواه ابن أبى حاتم- بسنده- عن رجل من الأنصار قال: لما توفى أبو قيس- يعنى ابن الأسلت- وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت:
إنما أعدك ولدا لي وأنت من صالحي قومك، ولكني آتى رسول الله ﷺ واستأمره.
فأتت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفى. فقال: «خيرا». ثم قالت إن ابنه قيسا خطبنى وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولدا لي فماذا ترى؟ فقال لها:
«ارجعي إلى بيتك» فنزلت: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ «١».
وقال القرطبي: قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ يقال: كان الناس يتزوجون امرأة الأب برضاها بعد نزول قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً حتى نزلت هذه الآية وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ فصار حراما في الأحوال كلها، لأن النكاح يقع على الجماع والتزوج، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها يغير نكاح حرمت على ابنه.

(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٦٨.

صفحة رقم 99

ثم قال: وقد كان في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه. وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة، وكانت في قريش مباحة على التراضي، فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة» «١».
وقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ إلخ. معطوف على قوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وما في قوله ما نَكَحَ آباؤُكُمْ موصول اسمى مراد به الجنس. أى لا تنكحوا التي نكح آباؤكم. وقوله مِنَ النِّساءِ بيان ل ما الموصولة.
ويرى بعضهم أن «ما» هنا مصدرية فيكون المعنى. ولا تنكحوا نكاحا مثل نكاح آبائكم الفاسد الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية.
قال الآلوسى. وإنما خص هذا النكاح بالنهى، ولم ينظم في سلك نكاح المحرمات الآتية «مبالغة في الزجر عنه. حيث كان ذلك ديدنا لهم في الجاهلية» «٢».
فالآية الكريمة تحرم على الأبناء أن يتزوجوا من النساء اللائي كن أزواجا لآبائهم.
وكلمة آباؤُكُمْ في قوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ تشمل كل الأصول من الرجال.
أى: تشمل الأجداد جميعا سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم والاستثناء في قوله إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ استثناء منقطع.
والمعنى: لا تنكحوا أيها المؤمنون ما نكح آباؤكم من النساء. لأنه من أفعال الجاهلية القبيحة، أما ما قد سلف ومضى منه قبل نزول هذه الآية فلا تؤاخذون عليه، فمن كان متزوجا من امرأة كانت زوجة لأبيه من النسب أو من الرضاع، فإنها تصير حراما عليه من وقت نزول هذه الآية الكريمة، ويجب عليه أن يفارقها أما ما مضى من هذا النكاح القبيح فلا تثريب عليكم فيه، وتثبت به أحكام النكاح من النسب وغيره من الأحكام.
ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا متصل مما يستلزمه النهى، ويستوجبه مباشرة المنهي عنه من العقاب. فكأنه قيل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنه قبيح ومعاقب عليه من الله- تعالى-، إلا ما قد سلف ومضى، فإنه معفو عنه.
وقد وجه صاحب الكشاف الاستثناء بوجه آخر فقال: فإن قلت: كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤهم؟ قلت: كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قول الشاعر:

«ولا عيب فيهم» غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٠٣ بتصرف وتلخيص.
(٢) تفسير الآلوسي ج ٤ ص ٢٤٤.

صفحة رقم 100

يعنى: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فإنه لا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن والغرض المبالغة في تحريمه، وسد الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد نحو قولهم: حتى يبيض الفأر. وحتى يلج الجمل في سم الخياط «١».
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان أن هذا النوع من النكاح في نهاية السوء والقبح فقال: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا.
أى: إن هذا النوع من النكاح كان أمرا زائدا في القبح شرعا وخلقا، لأنه يشبه نكاح الأمهات، ويتنافى مع ما للآباء من وقار واحترام، وما يجب من حسن الصحبة وكان «مقتا» والمقت مصدر بمعنى البغض والكراهية.
أى: إن هذا النوع من النكاح كان خصلة بالغة الحد في القبح والفحش، وكان ممقوتا مبغوضا عند الله، وعند ذوى المروءات والعقول السليمة من الناس.
قال صاحب الكشاف: كانوا ينكحون روابهم- أى زوجات آبائهم جمع رابة وهي امرأة الأب- وكان ناس منهم من ذوى مروءاتهم يمقتونه- لفظاعته وبشاعته- ويسمونه نكاح المقت. وكان المولود عليه يقال له المقتى- أى المبغوض- ومن ثم قيل وَمَقْتاً كأنه قيل: هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح. قبيح ممقوت في المروءة. ولا مزيد على ما يجمع القبحين «٢».
وقوله وَساءَ سَبِيلًا أى بئس طريقا طريق ذلك النكاح، إذ فيه هتك حرمة الأب. وتقطيع للرحم التي أمر الله بوصلها.
وقوله «وساء» هنا بمعنى بئس، وفيه ضمير يفسره ما بعده. والمخصوص بالذم محذوف تقديره ذلك أى ساء سبيلا سبيل ذلك النكاح.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- سبحانه- قد وصف هذا النكاح بأمور ثلاثة:
أولها: أنه فاحشة لأن زوجة الأب تشبه الأم فمباشرتها من أفحش الفواحش.
وثانيها: المقت: وهو عبارة عن بغض مقرون باستحقار.
وثالثها: قوله وَساءَ سَبِيلًا.
واعلم أن مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات.
فقوله- تعالى- إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً إشارة إلى القبح العقلي. وقوله وَمَقْتاً إشارة إلى

(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٢٤٤.
(٢) الكشاف ج ١ ص ٤٩٣.

صفحة رقم 101

القبح الشرعي. وقوله وَساءَ سَبِيلًا إشارة إلى القبح في العرف والعادة. ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح» «١».
وقال الإمام ابن كثير، فمن تعاطى هذا النكاح بعد ذلك- أى استباح تعاطيه- فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا لبيت المال. لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن البراء بن عازب أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، فأمره أن يقتله ويأخذ ماله.
وفي رواية عن البراء قال، مرّ بي عمى الحارث بن عمير ومعه لواء قد عقده له النبي ﷺ فقلت له، أى عم، أين بعثك النبي ﷺ فقال، بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرنى أن أضرب عنقه» «٢».
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك من يحرم نكاحهن من الأقارب فقال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وليس المراد بقوله حُرِّمَتْ تحريم ذاتهن، لأن الحرمة لا تتعلق بالذوات وإنما تتعلق بأفعال المكلفين. فالكلام على حذف مضاف أى حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم.. إلخ وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله، معنى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ تحريم نكاحهن لقوله.
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ولأن تحريم نكاحهن هو الذي يفهم من تحريمهن، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها. ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله» «٣».
وقد ذكر- سبحانه- في هذه الجملة الكريمة أربع طوائف من الأقارب يحرم نكاحهن.
أما الطائفة الأولى: طائفة الأمهات من النسب. أى حرم الله عليكم نكاح أمهاتكم من النسب، ويعم هذا التحريم أيضا الجدات سواء أكن من جهة الأب أم من جهة الأم، لأنه إذا كان يحرم نكاح العمة أو الخالة فمن الأولى أن يكون نكاح الجدة محرما، إذ الأم هي طريق الوصول في القرابة إلى هؤلاء. وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح الجدات.
والطائفة الثانية: هي طائفة الفروع من النساء، وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله وَبَناتُكُمْ بالعطف على أمهاتكم.
أى حرم الله عليكم نكاح أمهاتكم ونكاح بناتكم.

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ٢٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٦٨.
(٣) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤٩٤. [.....]

صفحة رقم 102

والبنت هي كل امرأة لك عليها ولادة سواء أكانت بنتا مباشرة أم بواسطة فتشمل حرمة النكاح البنات وبنات الأبناء وبنات البنات وإن نزلن.
وقد انعقد الإجماع على تحريم الفروع من النساء مهما تكن طبقتهن.
والطائفة الثالثة: هي طائفة فروع الأبوين. وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله وَأَخَواتُكُمْ ثم بقوله، وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ بالعطف على أُمَّهاتُكُمْ.
أى وحرم الله عليكم نكاح أخواتكم سواء أكن شقيقات أم غير شقيقات حرم عليكم أيضا نكاح بنات إخوانكم وبنات أخواتكم من أى وجه يكن.
والطائفة الرابعة: هي طائفة العمات والخالات. وقد ثبت تحريم نكاحهن بقوله- تعالى- وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ بالعطف على أُمَّهاتُكُمْ.
أى حرم الله عليكم نكاح عماتكم وخالاتكم كما حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم.
والعمة: هي كل امرأة شاركت أباك مهما علا في أصليه أو في أحدهما.
والخالة: هي كل امرأة شاركت أمك مهما علت في أصليها أو في أحدهما.
وإذن فالعمات والخالات يشملن عمات الأب والأم، وخالات الأب والأم، وعمات الجد والجدة، وخالات الجد والجدة. لأن هؤلاء يطلق عليهن عرفا اسم العمة والخالة.
تلك هي الطوائف الأربع اللاتي يحرم نكاحهن من الأقارب، وإن هذا التحريم يتناسب مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويتفق مع العقول السليمة التي تحب مكارم الأخلاق، وذلك لأن شريعة الإسلام قد نوهت بمنزلة القرابة القريبة للإنسان، وأضفت عليها الكثير من ألوان الوقار والاحترام والزواج وما يصاحبه من شهوات ومداعبات ورضا واختلاف يتنافى مع ما أسبغه الله- تعالى- على هذه القرابة القريبة من وقار ومن عواطف شريفه.
ولأن التجارب العلمية قد أثبتت أن التلاقح بين سلائل متباعدة الأصول غالبا ما ينتج نسلا قويا، أما التلاقح بين السلائل المتحدة في أصولها القريبة فإنه غالبا ما ينتج نسلا ضعيفا.
ثم بين- سبحانه- النساء اللائي يحرم الزواج بهن لأسباب أخرى سوى القرابة فقال- تعالى- وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ.
أى: وحرم الله- عليكم نكاح أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وحرم عليكم- أيضا- نكاح أخواتكم من الرضاعة.
والأم من الرضاع: هي كل امرأة أرضعتك وكذلك كل امرأة انتسبت إلى تلك المرضعة بالأمومة من جهة النسب أو من جهة الرضاع.

صفحة رقم 103

والأخت من الرضاع: هي التي التقيت أنت وهي على ثدي واحد.
قال القرطبي: وهي الأخت لأب وأم. وهي التي أرضعتها أمك بلبان أبيك، سواء أرضعتها معك أو رضعت قبلك أو بعدك والأخت من الأب دون الأم، وهي التي أرضعتها زوجة أبيك. والأخت من الأم دون الأب وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر» «١».
هذا، وظاهر قوله- تعالى- وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ يقتضى أن مطلق الرضاع محرم للنكاح. وبذلك قال المالكية والأحناف:
ويرى الشافعية والحنابلة أن الرضاع المحرم هو الذي يبلغ خمس رضعات. واستدلوا بما رواه مسلم وغيره عن عائشة- رضى الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: «لا تحرم المصة ولا المصتان» وفي رواية عنها أنه قال: «لا تحرم الرضعة والرضعتان، والمصة والمصتان» «٢».
كذلك ظاهر هذه الجملة الكريمة يقتضى أن الرضاع يحرم النكاح ولو في سن الكبر، إلا أن جمهور العلماء يرون أن الرضاع المحرم هو ما كان قبل بلوغ الحولين أما ما كان بعد بلوغ الحولين فلا يحرم ولا يكون الرضيع ابنا من الرضاعة وذلك لقوله- تعالى- وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ.
وأخرج الترمذي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام».
قال ابن كثير عند تفسيره لقوله- تعالى- وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ.
أى: كما يحرم عليك نكاح أمك التي ولدتك كذلك يحرم عليك نكاح أمك التي أرضعتك.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: «إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» وفي لفظ لمسلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» «٣».
ومن الحكم التي ذكرها العلماء من وراء تحريم النكاح بسبب الرضاعة: أن المولود يتكون جسمه من جسم المرأة التي أرضعته فيكون جزءا منها، كما أنه جزء من أمه التي حملته. وإذا كانت هذه قد غذته بدمها وهو في بطنها فإن تلك قد غذته بلبانها وهو في حجرها، فكان من التكريم لهذه الأم من الرضاع أن تعامل معاملة الأم الحقيقية، وأن يعامل كل من التقيا على ثدي امرأة واحدة معاملة الإخوة من حيث التكريم وحرمة النكاح بينهم.

(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١١١.
(٢، ٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٦٩.

صفحة رقم 104

هذا، ومن أراد المزيد من المعرفة لأحكام الرضاع فليرجع إلى كتب الفقه ثم ذكر- سبحانه- نوعا ثالثا من المحرمات لغير سبب القرابة فقال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ.
أى: وكذلك حرم الله عليكم نكاح أمهات زوجاتكم سواء أكن أمهات مباشرات أم جدات، لأن كلمة الأم تشمل الجدات، ولإجماع الفقهاء على ذلك.
قال الآلوسى: والمراد بالنساء المعقود عليهن على الإطلاق، سواء أكن مدخولا بهن أم لا.
وهو مجمع عليه عند الأئمة الأربعة، لكن يشترط أن يكون النكاح صحيحا. أما إذا كان فاسدا فلا تحرم الأم إلا إذا وطئ ابنتها. فقد أخرج البيهقي في سننه وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالابنة أو لم يدخل. وإذا تزوج الأم ولم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة «١» ».
ثم بين- سبحانه- نوعا رابعا من المحرمات لغير سبب القرابة فقال تعالى- وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ.
وقوله وَرَبائِبُكُمُ جمع ربيبة. وهي بنت امرأة الرجل من غيره. وسميت بذلك لأن الزوج في أغلب الأحوال يربها أى يربيها في حجره ويعطف عليها.
والحجور: جمع حجر- بالفتح والكسر مع سكون الجيم- وهو ما يحويه مجتمع الرجلين للجالس المتربع. والمراد به هنا معنى مجازى وهو الحضانة والكفالة والعطف. يقال: فلان في حجر فلان أى في كنفه ومنعته ورعايته.
ومقتضى ظاهر الجملة الكريمة أن الربيبة لا يحرم نكاحها على زوج أمها إلا بشرطين:
أولهما: كونها في حجره.
وثانيهما: أن يكون الزوج قد دخل بأمها.
أما عن الشرط الأول فلم يأخذ به جمهور العلماء، وقالوا: إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب والعادة، إذ الغالب كون البنت مع الأم عند الزوج، لا أنه شرط في التحريم فهم يرون أن نكاح الربيبة حرام على زوج أمها سواء أكانت في حجره أم لم تكن قالوا: وفائدة هذا القيد

(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٢٥٧

صفحة رقم 105

تقوية علة الحرمة أو أنه ذكر للتشنيع عليهم، إذ أن نكاحها محرم عليهم في جميع الصور إلا أنه يكون أشد قبحا في حالة وجودها في حجره هذا رأى عامة الصحابة والفقهاء.
ولكن هناك رواية عن مالك بن أوس عن على بن أبى طالب أنه قال: الربيبة لا يحرم نكاحها على زوج الأم إلا إذا كانت في حجره أخذا بظاهر الآية الكريمة. وقد أخذ بذلك داود الظاهري وأشياعه.
وأصحاب الرأى الأول لم يعتدوا بهذه الرواية المروية عن على- رضى الله عنه- وأما عن الشرط الثاني- وهو أن يكون الزوج قد دخل بأم الربيبة- فقد أخذ به العلماء إلا أنهم اختلفوا في معنى الدخول فقال بعضهم: معناه الوطء والجماع. وقال بعضهم: معناه التمتع كاللمس والقبلة، فلو حصل منه مع الأم ما يشبه ذلك حرم عليه نكاح ابنتها من غيره.
قال القرطبي ما ملخصه: اتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم، وإن لم تكن الربيبة في حجره. وشذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا: لا تحرم عليه الربيبة إلا أن تكون في حجر المتزوج بأمها. ثم قال وقوله- تعالى- فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يعنى الأمهات فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يعنى في نكاح بناتهن إذا طلقتموهن أو متن عنكم.
وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له نكاح ابنتها. واختلفوا في معنى الدخول بالأمهات الذي يقع به التحريم للربائب. فروى عن ابن عباس أنه قال: الدخول: الجماع. واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة على أنه إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على الأب والابن، وهو أحد قولي الشافعى... ) «١».
والحكمة في تحريم الربائب على أزواج أمهاتهن أنهن حينئذ يشبهن البنات الصلبيات بالنسبة لهؤلاء الأزواج، بسبب ما يجدنه منهم من رعاية وتربية في العادة، ولأنه لو أبيح للرجل أن يتزوج ببنت امرأته التي دخل بها، لأدى ذلك إلى تقطيع الأرحام بين الأم وابنتها. ولأدى ذلك أيضا إلى الانصراف عن رعاية هؤلاء الربائب خشية الرغبة في الزواج بواحدة منهن.
ثم بين- سبحانه- نوعا خامسا من المحارم فقال. تعالى-: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ.
والحلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. وسميت بذلك لحلها للزوج وحل الزوج لها، فكلاهما حلال لصاحبه. ويقال للزوج حليل.

(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١١٢

صفحة رقم 106

أى: وحرم الله- تعالى- عليكم نكاح زوجات أبنائكم الذين هم من أصلابكم. أى: من ظهوركم.
وقال- سبحانه- وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ بدون تقييد بالدخول. للاشارة إلى أن حليلة الابن تحرم على الأب بمجرد عقد الابن عليها.
قال القرطبي: أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء. وما عقد عليه الأبناء على الآباء سواء أكان مع العقد وطء أم لم يكن: لقوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ وقوله- تعالى-: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ. وقيد الله الأبناء بالذين هم من الأصلاب، ليخرج الابن المتبنى. فهذا تحل زوجته للرجل الذي تبناه.
وقد كان العرب يعتبرون الابن بالتبني كأولادهم من ظهورهم، ويحرمون زوجة الابن بالتبني على من تبناه. وقد سمى القرآن الأبناء بالتبني أدعياء فقال- تعالى-:
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ، ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ.
ثم أبطل القرآن ما كان عليه أهل الجاهلية في شأن الابن المتبنى، فأباح للرجل أن يتزوج من زوجة الابن الذي تبناه بعد فراقه عنها.
وقد أمر الله- تعالى- نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يتزوج بزينب بنت جحش بعد أن طلقها زوجها زيد بن حارثة، وكان زيد قد تبناه النبي ﷺ فقال المشركون: تزوج محمد امرأة ابنه فأنزل الله- تعالى- فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا.
فإن قيل: إن قيد «من أصلابكم». يخرج الابن من الرضاع كما أخرج الابن بالتبني؟
فالجواب على ذلك: أن الابن بالرضاع حرمت حليلته على أبيه من الرضاع بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
ثم بين- سبحانه- نوعا سادسا من المحرمات فقال- تعالى-: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
قال ابن كثير والمعنى: وحرم عليكم الجمع بين الأختين معا في التزويج إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه. فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل لأنه استثنى مما سلف وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديما وحديثا على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح. ومن أسلم وتحته أختان خير فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة، فقد روى

صفحة رقم 107

الإمام أحمد عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرنى النبي ﷺ أن أطلق إحداهما» «١».
وكما أنه يحرم الجمع بين الأختين في عصمة رجل واحد، فكذلك يحرم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها لنهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقد جاء في صحيح مسلم وفي سنن أبى داود والترمذي والنسائي عن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها».
وفي رواية الطبراني أنه قال: «فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» «٢» والسر في تحريم هذا النوع من النكاح أنه يؤدى إلى تقطيع الأرحام- كما جاء في الحديث الشريف- إذ من شأن الضرائر أن يكون بينهن من الكراهية وتبادل الأذى ما هو مشاهد ومعلوم. فكان من رحمة الله بعباده أن حرم عليهم هذه الأنواع من الأنكحة السابقة صيانة للأسرة من التمزق والتشتت، وحماية لها من الضعف والوهن، وسموا بها عن مواطن الريبة والغيرة والفساد وقد عفا- سبحانه- عما حدث من هذه الأنكحة الفاسدة في الجاهلية أو قبل نزول هذه الآية الكريمة بتحريمها، لأنه- سبحانه- كان وما زال غفارا للذنوب، ستارا للعيوب، رحيما بعباده، ومن رحمته بهم أنه لا يعذبهم من غير نذير، ولا يؤاخذهم على ما اكتسبوا إلا بعد بيان واضح.
ثم بين- سبحانه- نوعا سابعا من المحرمات فقال: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
وقوله وَالْمُحْصَناتُ من الإحصان وهو في اللغة بمعنى المنع. يقال: هذه درع حصينة، أى مانعة صاحبها من الجراحة. ويقال: هذا موضع حصين، أى مانع من يريده بسوء. ويقال امرأة حصينة أى مانعة نفسها من كل فاحشة بسبب عفتها أو حريتها أو زواجها.
قال الراغب: ويقال حصان للمرأة العفيفة ولذات الحرمة. قال- تعالى-: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها وقال- تعالى- فَإِذا أُحْصِنَّ أى تزوجن. وأحصن زوجن.
والحصان في الجملة: المرأة المحصنة إما بعفتها أو بتزوجها أو بمانع من شرفها وحريتها» «٣» والمراد بالمحصنات هنا: ذوات الأزواج من النساء.

(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٧٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٤٦١.
(٣) المفردات في غريب القرآن ص ١٢١ للراغب الأصفهاني.

صفحة رقم 108

وقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ معطوف على قوله وَأُمَّهاتُكُمُ في قوله- تعالى-: في آية المحرمات السابقة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلخ.
والمعنى: وكما حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم إلخ، فقد حرم عليكم- أيضا- نكاح ذوات الأزواج من النساء قبل مفارقة أزواجهن لهن، لكي لا تختلط المياه فتضيع الأنساب.
وقوله إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ استثناء من تحريم نكاح ذوات الأزواج والمراد به: النساء المسبيات اللاتي أصابهن السبي ولهن أزواج في دار الحرب، فانه يحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء، لارتفاع النكاح بينهن وبين أزواجهن بمجرد السبي. أو بسبيهن وحدهن دون أزواجهن.
أى: وحرم الله- تعالى- عليكم نكاح ذوات الأزواج من النساء، إلا ما ملكتموهن بسبى فسباؤكم لهن هادم لنكاحهن السابق في دار الكفر، ومبيح لكم نكاحهن بعد استبرائهن.
قال القرطبي ما ملخصه: فالمراد بالمحصنات هاهنا ذوات الأزواج. أى هن محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج، وهو قول الشافعى في أن السباء يقطع العصمة. وقاله ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك، وقال به أشهب يدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ بعث جيشا يوم حنين إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا. فكان ناس من أصحاب النبي ﷺ قد تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله- عز وجل- في ذلك وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أى فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن، وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي ﷺ عن وطء المسبيات ذوات الأزواج فأنزل الله في جوابهم إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو الصحيح- إن شاء الله تعالى-» «١».
وقيل إن المراد بالمحصنات هنا: ذوات الأزواج- كما تقدم-، وبما ملكت أيمانكم: مطلق ملك اليمين. فكل من انتقل إليه ملك أمة ببيع أو هبة أو سباء أو غير ذلك وكانت متزوجة كان ذلك الانتقال مقتضيا لطلاقها وحلها لمن انتقلت إليه.
وهذا القول ضعيف، لأن عائشة- رضى الله عنها- اشترت بريرة وأعتقتها وكانت ذات زوج، ثم خيرها النبي ﷺ بين فسخ نكاحها من زوجها وبين بقائها على هذا النكاح، فدل ذلك على أن بيع الأمة ليس هادما للعصمة، لأنه لو كان هادما لها ما خير النبي ﷺ بريرة.

(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٢١

صفحة رقم 109

أخرج البخاري عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: اشتريت بريرة. فاشترط أهلها ولاءها. فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: (أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق).
قالت: فأعتقتها. قالت: فدعاها رسول الله ﷺ فخيرها في زوجها، فقالت: لو أعطانى كذا وكذا ما بت عنده. فاختارت نفسها)...
وقوله- تعالى- كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ساقه- سبحانه- لتأكيده تحريم نكاح الأنواع التي سبق ذكرها.
وقوله كِتابَ مصدر كتب، وهو مصدر مؤكد لعامله أى: كتب الله عليكم تحريم هذه الأنواع التي سبق ذكرها كتابا وفرضه فرضا، فليس لكم أن تفعلوا شيئا مما حرمه الله عليكم، وإنما الواجب عليكم أن تقفوا عند حدوده وشرعه.
وقيل: إن قوله كِتابَ منصوب على الإغراء. أى: الزموا كتاب الله الذي هو حجة عليكم إلى يوم القيامة ولا تخالفوا شيئا من أوامره أو نواهيه.
وعليه فيكون المراد بالكتاب هنا القرآن الكريم الذي شرع الله فيه ما شرع من الأحكام.
وإلى هنا تكون هذه الآيات الثلاث قد بينت خمسة عشر نوعا من الأنكحة المحرمة.
أما الآية الأولى وهي قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ إلخ فقد بينت نوعا واحدا.
وأما الآية الثانية وهي قوله- تعالى-: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلخ فقد بينت ثلاثة عشر نوعا.
وأما الآية الثالثة وهي قوله- تعالى-: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ. إلخ فقد بينت نوعا واحدا.
قال الفخر الرازي عند تفسيره لقوله- تعالى- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ... الآية:
اعلم أنه- تعالى- نص على تحريم أربعة عشر صنفا من النساء: سبعة منهن من جهة النسب وهن: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
وسبعة أخرى لا من جهة النسب وهن: الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة، وأمهات النساء والربائب بنات النساء بشرط أن يكون قد دخل بالنساء، وأزواج الأبناء والآباء إلا أن أزواج الأبناء مذكورة ها هنا، وأزواج الآباء مذكورة في الآية المتقدمة، - وهي قوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ والجمع بين الأختين «١».

(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ٢٤.

صفحة رقم 110

هذا، وبعد أن بين- سبحانه- المحرمات من النساء، عقب ذلك بإيراد جملة كريمة بين فيها ما يحل نكاحه من النساء فقال- تعالى-: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ.
وما هنا المراد بها عموم النساء.
وكلمة وَراءَ هنا بمعنى غير أو دون كما في قول بعضهم: (وليس وراء الله للمرء مذهب).
واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى ما تقدم من المحرمات.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله «حرمت عليكم أمهاتكم» إلخ.
ومن قرأ أُحِلَّ لَكُمْ... ببناء الفعل للفاعل جعلها معطوفة على كتب المقدر في قوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ....
والمعنى: حرمت عليكم هؤلاء المذكورات، وأحل لكم نكاح ما سواهن من النساء.
قال القرطبي: قوله- تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وَأُحِلَّ لَكُمْ ردا على حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ وقرأ الباقون بالفتح ردا على قوله- تعالى- كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وهذا يقتضى ألا يحرم من النساء إلا من ذكر، وليس كذلك فإن الله- تعالى- قد حرم على لسان نبيه ﷺ من لم يذكر في الآية فيضم إليها. قال- تعالى-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
روى مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها». وقد قيل: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها لأن الله- تعالى- حرم الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها- أو خالتها- في معنى الجمع بين الأختين أو لأن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد والصحيح الأول: لأن الكتاب والسنة كالشىء الواحد فكأنه قال: «أحللت لكم ما وراء من ذكرنا في الكتاب وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم» «١».
ثم رفع- سبحانه- من شأن المرأة وكرمها بأن جعل إيتاءها المهر شرطا لاستحلال نكاحها إعزازا لها فقال- تعالى- أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ.
وقوله: تَبْتَغُوا من الابتغاء بمعنى الطلب الشديد.
وقوله: مُحْصِنِينَ من الإحصان وهو هنا بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها عن الوقوع فيما يغضب الله- تعالى-.

(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٢٤.

صفحة رقم 111

وقوله: مُسافِحِينَ من السفاح بمعنى الزنا والمسافح: هو الزاني. ولفظ السفاح مأخوذ من السفح وهو صب الماء وسيلانه. وسمى به الزنا لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط دون نظر إلى الأهداف الشريفة التي شرعها الله وراء النكاح.
وقوله أَنْ تَبْتَغُوا في محل نصب بنزع الخافض على أنه مفعول له لما دل عليه الكلام ومُحْصِنِينَ وغَيْرَ مُسافِحِينَ حالان من فاعل تَبْتَغُوا.
والمعنى: بين لكم- سبحانه- ما حرم عليكم من النساء، وأحل لكم ما وراء ذلكم، من أجل أن تطلبوا الزواج من النساء اللائي أحلهن الله لكم أشد الطلب، عن طريق ما تقدمونه لهن من أموالكم كمهور، وبذلك تكونون قد أحصنتم أنفسكم ومنعتموها عن السفاح والفجور والزنا.
قال بعضهم: وكان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل منهم المرأة قال: انكحينى. فإذا أراد الزنا قال: سافحينى. والمسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح.
قال الآلوسى: وظاهر الآية حجة لمن ذهب إلى أن المهر لا بد وأن يكون مالا وبه قال الأحناف. وقال بعض الشافعية: لا حجة في ذلك، لأن تخصيص المال لكونه الأغلب المتعارف، فيجوز النكاح على ما ليس بمال. ويؤيد ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد «أن رسول الله ﷺ سأل رجلا خطب الواهبة نفسها للنبي ﷺ ماذا معك من القرآن؟
قال: معى سورة كذا وكذا وعددهن. قال: تقرءوهن على ظهر قلبك؟ قال: نعم قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن»
.
ووجه التأييد أنه لو كان في الآية حجة لما خالفها رسول الله ﷺ وأجيب بأن كون القرآن معه لا يوجب كونه بدلا، والتعليم ليس له ذكر في الخبر، فيجوز أن يكون مراده صلى الله عليه وسلم: زوجتك تعظيما للقرآن ولأجل ما معك منه» «١».
ثم قال- تعالى-: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.
والاستمتاع: طلب المتعة والتلذذ بما فيه منفعة ولذة.
والمراد بقوله أُجُورَهُنَّ أى مهورهن لأنها في مقابلة الاستمتاع فسميت أجرا.
وما: في قوله فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ واقعة على الاستمتاع. والعائد في الخبر محذوف أى فآتوهن أجورهن عليه.

(١) تفسير الآلوسى ج ٥ ص ٥.

صفحة رقم 112

والمعنى: فما انتفعتم وتلذذتم به من النساء عن طريق النكاح الصحيح فآتوهن أجورهن عليه.
ويصح أن تكون ما واقعة على النساء باعتبار الجنس أو الوصف. وأعاد الضمير عليها مفردا في قوله بِهِ باعتبار لفظها، وأعاده عليها جمعا في قوله مِنْهُنَّ باعتبار معناها.
ومن في قوله مِنْهُنَّ للتبعيض أو للبيان. والجار والمجرور في موضع النصب على الحال من ضمير بِهِ:
والمعنى: فأى فرد أو الفرد الذي تمتعتم به حال كونه من جنس النساء أو بعضهن فأعطوهن أجورهن على ذلك. والمراد من الأجور: المهور. وسمى المهر أجرا لأنه بدل عن المنفعة لا عن العين.
وقوله فَرِيضَةً مصدر مؤكد لفعل محذوف أى: فرض الله عليكم ذلك فريضة. أو حال من الأجور بمعنى مفروضة. أى: فآتوهن أجورهن حالة كونها مفروضة عليكم.
ثم بين- سبحانه- أنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن جزء منه ما دام ذلك حاصلا بالتراضي فقال- تعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.
أى: لا إثم ولا حرج عليكم فيما تراضيتم به أنتم وهن من إسقاط شيء من المهر أو الإبراء منه أو الزيادة عليه ما دام ذلك بالتراضي بينكم ومن بعد اتفاقكم على مقدار المهر الذي سميتموه وفرضتموه على أنفسكم.
وقد ذيل- سبحانه- الآية الكريمة بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً لبيان أن ما شرعه هو بمقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء، وبمقتضى حكمته التي تضع كل شيء في موضعه.
فأنت ترى أن الآية الكريمة مسوقة لبيان بعض الأنواع من النساء اللاتي حرم الله نكاحهن، ولبيان ما أحله الله منهن بعبارة جامعة، ثم لبيان أن الله- تعالى- قد فرض على الأزواج الذين يبتغون الزوجات عن طريق النكاح الصحيح الشريف أن يعطوهن مهورهن عوضا عن انتفاعهم بهن، وأنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن شيء منه ما دام ذلك بسماحة نفس، ومن بعد تسمية المهر المقدر.
هذا، وقد حمل بعض الناس هذه الآية على أنها واردة في نكاح المتعة وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين لكي يستمتع بها.
قالوا: لأن معنى قوله- تعالى-: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: فمن

صفحة رقم 113

جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن.
ولا شك أن هذا القول بعيد عن الصواب، لأنه من المعلوم أن النكاح الذي يحقق الإحصان والذي لا يكون الزوج به مسافحا. هو النكاح الصحيح الدائم المستوفى شرائطه، والذي وصفه الله بقوله وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.
وإذا فقد بطل حمل الآية على أنها في نكاح المتعة لأنها تتحدث عن النكاح الصحيح الذي يتحقق معه الإحصان، وليس النكاح الذي لا يقصد به إلا سفح الماء وقضاء الشهوة.
قال ابن كثير: وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك. وقد روى عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة. ولكن الجمهور على خلاف ذلك، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب قال: نهى رسول الله ﷺ عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أنه كان مع رسول الله ﷺ فقال:
«يا أيها الناس إنى كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة. فمن كانت عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» «١».
وقال الآلوسى: وقيل الآية في المتعة، وهي النكاح إلى أجل معلوم من يوم أو أكثر.
والمراد، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من استئناف عقد آخر بعد انقضاء الأجل المضروب في عقد المتعة، بأن يزيد الرجل في الأجر وتزيد المرأة في المدة، وإلى ذلك ذهبت الإمامية- من طائفة الشيعة- ثم قال: ولا نزاع عندنا في أنها أحلت ثم حرمت، والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين. فقد كانت حلالا قبل يوم خيبر ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاث تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة... » «٢».
وقال بعض العلماء: وهذا النص وهو قوله- تعالى- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً قد تعلق به بعض المفسدين الذين لم يفهموا معنى العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة، فادعوا أنه يبيح المتعة... والنص بعيد عن هذا المعنى الفاسد بعد ما قالوه عن الهداية لأن الكلام كله في عقد الزواج فسابقه ولا حقه في عقد الزواج، والمتعة حتى على كلامهم لا يسمى عقد نكاح أبدا.

(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٧٤
(٢) تفسير الآلوسى ج ٥ ص ٧- بتصرف وتلخيص-.

صفحة رقم 114

وقد تعلقوا مع هذا بعبارات رووها عن النبي ﷺ أنه أباح المتعة في غزوات ثم نسخها، وبأن ابن عباس كان يبيحها في الغزوات وهذا الاستدلال باطل، لأن النبي ﷺ نسخها، فكان عليهم عند تعلقهم برواية مسلم أن يأخذوا بها جملة أو يتركوها، وجملتها تؤدى إلى النسخ لا إلى البقاء.
وإذا قالوا إننا نتفق معكم على الإباحة ونخالفكم في النسخ فنأخذ المجمع عليه ونترك غيره قلنا لهم: إن النصوص التي أثبتت الإباحة هي التي أثبتت النسخ، وما اتفقنا معكم على الإباحة لأننا نقرر نسخ الإباحة.
على أننا نقول: إن ترك النبي ﷺ المتعة لهم قبل الأمر الجازم بالمنع، ليس من قبيل الإباحة، بل هو من قبيل الترك حتى تستأنس القلوب بالإيمان وتترك عادات الجاهلية، وقد كان شائعا بينهم اتخاذ الأخدان وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل. وهذه هي متعتهم، فنهى القرآن الكريم والنبي ﷺ عنها. وإن الترك مدة لا يسمى إباحة وإنما يسمى عفوا حتى تخرج النفوس من جاهليتها، والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى.
وابن عباس- رضى الله عنه- قد رجع عن فتواه بعد أن قال له إمام الهدى على بن أبى طالب: إنك امرؤ تائه، لقد نسخها النبي ﷺ والله لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما» «١».
وبذلك نرى أن الآية الكريمة واردة في شأن النكاح الصحيح الذي يحقق الإحصان ولا يكون الزوج به مسافحا. وأن القول بأنها تدل على نكاح المتعة قول بعيد عن الحق والصواب للأسباب التي سبق ذكرها.
وبعد أن بين- سبحانه- المحرمات من النساء، وبين من يحل نكاحه منهن، عقب ذلك ببيان ما ينبغي أن يفعله من لا يستطيع نكاح المحصنات المؤمنات فقال- تعالى-:

(١) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. مجلة لواء الإسلام العدد الرابع من السنة الرابعة عشرة. [.....]

صفحة رقم 115
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
محمد سيد طنطاوي
الناشر
دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية