آيات من القرآن الكريم

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً

صفحة رقم 481

رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦) }.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ: "بَرَاءَةٌ"، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾ (١).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِل، قَالَ: فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيّ -أَوْ قَالَ صُبُّوا عَلَيْهِ -فَعَقَلْتُ فَقُلت: إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلَالَةٌ، فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ (٢)، وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدر، عَنْ جَابِرٍ، بِهِ (٣). وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾ الْآيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ -يَعْنِي جَابِرًا -: نَزَلَتْ فِيَّ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾.
وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾ : عَنِ الْكَلَالَةِ قُلْ: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهَا، فَدَلَّ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَتْرُوكِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكَلَالَةِ وَاشْتِقَاقِهَا، وَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ مِنْ جَوَانِبِهِ؛ وَلِهَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: بِمَنْ يَمُوتُ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ [أَيْ مَاتَ] (٤) ﴿لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾.
وَقَدْ أُشْكِل حُكْم الْكَلَالَةِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادة، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ مَعْدان بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا سألتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، حَتَّى طَعَنَ بأُصْبُعِه فِي صَدْرِي وَقَالَ: " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ".
هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا أَكْثَرَ مِنْ هذا (٥).

(١) صحيح البخاري برقم (٢٦٠٥).
(٢) المسند (٣/٢٩٨) وصحيح البخاري برقم (٦٧٤٣) وصحيح مسلم برقم (١٦١٦).
(٣) صحيح البخاري برقم (٦٧٢٣) وصحيح مسلم برقم (١٦١٦) وسنن أبي داود برقم (٢٨٨٦) وسنن الترمذي برقم (٢٠٩٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١١٣٤) وسنن ابن ماجة برقم (١٤٣٦).
(٤) زيادة من أ.
(٥) المسند (١/٢٦) وصحيح مسلم برقم (١٦١٧).

صفحة رقم 482

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ [الْإِمَامُ] (١) أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا مالك -يعني ابن مِغْل-سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ ". فَقَالَ: لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أحبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يكونَ لِي حُمْر النَّعم. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ عُمَر، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ (٢).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عيَّاش، بِهِ (٣). وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الصَّيْفِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا أَرْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَفَهُّمِهَا -فَإِنَّ فِيهَا كِفَايَةً-نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَعْنَاهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: فَلَأَنْ أَكُونُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْر النَّعَم.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ (٤) الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيَّب قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: " أَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ؟ " فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ] (٥) ﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكر (٦) لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (٧) قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ (٨) فِي أَوَّلِ "سُورَةِ النِّسَاءِ" فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ. وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَنْزَلَهَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ. وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا "سُورَةَ النِّسَاءِ" أَنْزَلَهَا فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا "سُورَةَ الْأَنْفَالِ" أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ، بَعْضِهِمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مِمَّا جَرّت الرَّحِمُ مِنَ العَصَبة. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (٩).
ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ أَيْ: مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ [الْقَصَصِ: ٨٨] كُلُّ شَيْءٍ يَفْنَى وَلَا يَبْقَى إِلَّا (١٠) اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦، ٢٧].
وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَالِدِ (١١)، بَلْ يَكْفِي فِي وُجُودِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ. وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ (١٢) إِلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَضَاءُ الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ له ولا

(١) زيادة من أ.
(٢) المسند (١/٣٨).
(٣) المسند (٤/٢٩٣) وسنن أبي داود برقم (٢٨٨٩) وسنن الترمذي برقم (٣٠٤٢).
(٤) في أ: "حدثنا".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في د: "وذكر".
(٧) زيادة من أ.
(٨) في د: "نزلت".
(٩) تفسير الطبري (٩/٤٣١).
(١٠) في ر: "إلا وجه الله".
(١١) في أ: "الولد".
(١٢) في د: "يرجع".

صفحة رقم 483

وَالِدَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهَا بِالْإِجْمَاعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَا وَالِدَ بِالنَّصِّ عِنْدَ التَّأَمُّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَالِدِ، بَلْ لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَكْحُول وَعَطِيَّةَ وَحَمْزَةَ وَرَاشِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ سئلَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَأَعْطَى الزوجَ النصفَ وَالْأُخْتَ النصفَ. فكُلِّم فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: حضرتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (١)، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ (٢) وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَيِّتِ تَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا: إِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِقَوْلِهِ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ قَالَ: فَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا فَقَدْ تَرَكَ وَلَدًا (٣)، فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ، وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُورُ، فَقَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْآخَرُ بِالتَّعْصِيبِ، بِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ نَصب (٤) أَنْ يُفْرَضَ لَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا وِرَاثَتُهَا بِالتَّعْصِيبِ؛ فَلِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النِّصْفُ لِلِابْنَةِ، وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ. ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (٥) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٦). وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ هُزيل بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلِابْنَةِ (٧) النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي. فَسُئِلَ ابنُ مَسْعُودٍ -وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى-فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ (٨).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ﴾ أَيْ: وَالْأَخُ يَرِثُ جَمِيعَ مَا لَهَا إِذَا مَاتَتْ كَلَالَةً، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ، أَيْ: وَلَا وَالِدَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَالِدٌ لَمْ يَرِثِ الْأَخُ شَيْئًا، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ مَعَهُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ، صُرِفَ إِلَيْهِ فَرْضُهُ؛ كَزَوْجٍ، أَوْ أَخٍ مِنْ أُمٍّ، وَصُرِفَ الْبَاقِي إِلَى الْأَخِ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلأوْلَى رجلٍ ذَكَر" (٩).
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ أَيْ: فَإِنْ كَانَ لِمَنْ يَمُوتُ كَلَالَةً، أُخْتَانِ، فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فِي حُكْمِهِمَا، وَمِنْ هَاهُنَا أَخَذَ الْجَمَاعَةُ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ كَمَا اسْتُفِيدَ حُكْمُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْبَنَاتِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ﴾. هَذَا حُكْمُ الْعَصَبَاتِ مِنَ الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ إِذَا اجْتَمَعَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، أُعْطِيَ الذَّكَرُ مثل حظ الأنثيين.

(١) المسند (٥/١٨٨).
(٢) تفسير الطبري (٩/٤٤٣).
(٣) في ر: "ولد".
(٤) في أ: "تعصيب".
(٥) في ر: "النبي".
(٦) صحيح البخاري برقم (٦٧٣٤).
(٧) في ر، أ: "للبنت".
(٨) صحيح البخاري برقم (٦٧٣٦).
(٩) صحيح البخاري برقم (٦٧٣٥) وصحيح مسلم برقم (١٦١٥).

صفحة رقم 484

وَقَوْلُهُ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ﴾ أَيْ: يَفْرِضُ لَكُمْ فَرَائِضَهُ، وَيَحُدُّ لَكُمْ حُدُودَهُ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ شَرَائِعَهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَضِلُّوا﴾ أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيَانِ. ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ لِعِبَادِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَرَابَاتِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ الْمُتَوَفَّى.
وقد قال أبو جعفر ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّة، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا فِي مَسِيرٍ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ رِدْف رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ. قَالَ: وَنَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾ فلقَّاها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ، فَلَقَّاهَا حُذَيْفَةُ عُمَر، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْهَا حُذَيْفَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لقَّانيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَهَا كَمَا لَقَّانِيهَا (١)، وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (٢) يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ (٣) كُنْتَ بَيَّنْتَهَا لَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُبَين لِي.
كَذَا (٤) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى (٥)، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ بِنَحْوِهِ. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ ابْنِ سِيرِينَ وَحُذَيْفَةَ (٦)، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو البزَّار في مسنده: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ المَعْنيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حسَّان، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: "نَزَلَتِ الْكَلَالَةُ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا هُوَ بِحُذَيْفَةَ، وَإِذَا رَأَسُ نَاقَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُؤتَزَر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقَّاها إِيَّاهُ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نَظَرَ عُمَرُ فِي الْكَلَالَةِ، فَدَعَا حُذَيْفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ لقَّانيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيتُك كَمَا لَقَّانِي، وَاللَّهِ (٧) إِنِّي لَصَادِقٌ، وَوَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا.
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ إِلَّا حُذَيْفَةَ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ حُذَيْفَةَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقَ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَردُوَيه مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى (٨).
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَة: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيباني، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ سَعِيدٍ -[هُوَ] (٩) ابْنُ المسيَّب-أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُوَرّث الْكَلَالَةَ؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ] (١٠) ﴾ الْآيَةَ (١١)، قَالَ: فَكَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْهَمْ. فَقَالَ لِحَفْصَةَ: إِذَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْس فَسَلِيهِ عَنْهَا، فَرَأَتْ مِنْهُ طِيبَ نَفْسٍ فَسَأَلَتْهُ عَنْهَا (١٢)، فقال: "أبوك ذكر لك هذا؟ ما

(١) في أ: "لقاني" وفي د: "لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ر: "من".
(٤) في ر: "وكذا".
(٥) في أ: "محمد".
(٦) تفسير الطبري (٩/٤٣٥).
(٧) في ر: "ووالله".
(٨) مسند البزار برقم (٢٢٠٦) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٣) :"رجاله رجال الصحيح غير أبي عبيدة بن حذيفة، ووثقه ابن حبان".
(٩) زيادة من ر، أ.
(١٠) زيادة من ر، أ.
(١١) في ر، أ: "إلى آخرها".
(١٢) في ر: "عنه".

صفحة رقم 485

أَرَى أَبَاكِ يَعْلَمُهَا". قَالَ: وَكَانَ (١) عُمَرُ يَقُولُ: مَا أَرَانِي أَعْلَمُهَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ.
رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه (٢)، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ حَفْصَة أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَأَمْلَاهَا عَلَيْهَا فِي كَتَفٍ، فَقَالَ: "مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا؟ أَعُمَرُ؟ مَا أَرَاهُ يُقِيمُهَا، أَوَمَا تَكْفِيهِ (٣) آيَةُ الصَّيْفِ؟ " قَالَ سُفْيَانُ: وَآيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾، فَلَمَّا سَأَلُوا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي هِيَ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ، فَأَلْقَى عُمَرُ الْكَتِفَ. كَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ (٤).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرِيْبٍ، حَدَّثَنَا عَثَّام، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: "أَخَذَ عُمَرُ كَتفًا وَجَمَعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: لأقضينَّ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً تُحَدِّثُ بِهِ النِّسَاءُ فِي خُدُورِهِنَّ. فَخَرَجَتْ حِينَئِذٍ حَيّة مِنَ الْبَيْتِ، فَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ لَأَتَمَّهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (٥).
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَاني بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا الهيثمُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكَانَة يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَأَنْ أكون سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ أحبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْر النَّعَم: مَن الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ؟ وَعَنْ قَوْمٍ قَالُوا: نُقرُّ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَلَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ، أَيَحِلُّ قِتَالُهُمْ؟ وَعَنِ الْكَلَالَةِ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ (٦). ثُمَّ رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ مُرة، عَنْ عُمَرَ قَالَ: ثَلَاثٌ لَأَنَّ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنّ لَنَا أحبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْخِلَافَةُ، وَالْكَلَالَةُ، وَالرِّبَا. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ (٧).
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: سمعتُ سُلَيْمَانَ الأحولَ يُحَدِّثُ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كنتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: القولُ مَا قلتُ: قلتُ: وَمَا قلتَ؟ قَالَ: قلتُ: الْكَلَالَةُ، مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه مِنْ طَرِيقِ زَمْعة بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كنتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْكَلَالَةِ، والقولُ مَا قلتُ. قَالَ: وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ شَرَكَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ (٨)، وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الثُّلُثِ إِذَا اجْتَمَعُوا، وَخَالَفَهُ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنهما (٩).

(١) في ر: "فكان".
(٢) ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في الدر المنثور (٢/٧٥٣).
(٣) في ر: "وما تكفيه".
(٤) ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (٥٨٧) وعبد الرزاق في المصنف برقم (١٩١٩٤) من طريق سفيان بن عيينة به.
(٥) تفسير الطبري (٩/٤٣٩).
(٦) المستدرك (٢/٣٠٣) وتعقبه الذهبي بقوله: "بل ما خرجا لمحمد شيئا ولا أدرك عمر"، فالسند فيه انقطاع.
(٧) المستدرك (٢/٣٠٤) ووافقه الذهبي.
(٨) في ر: "للأب والأم".
(٩) المستدرك (٢/٣٠٣) ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (٥٨٩) من حديث سفيان عن سليمان الأحول به.

صفحة رقم 486

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْد الْمَعْمَرِي (١)، عَنْ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيَّب: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي الجَدِّ والكلالةِ كِتَابًا، فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ، حَتَّى إِذَا طَعِن دَعَا بِكِتَابٍ فَمُحِيَ، وَلَمْ يدرِ أحدٌ مَا كَتَبَ فِيهِ. فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا، وَكُنْتُ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِيهِ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ (٢).
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ رُوِي عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أُخَالِفَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ. وَكَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: هُوَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ (٣).
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ، فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ. وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَاطِبَةً، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، كَمَا أَرْشَدَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَوَضَّحَهُ (٤) فِي قَوْلِهِ (٥) :﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

(١) في ر: "العمري".
(٢) تفسير الطبري (٩/٤٣٨).
(٣) رواه سعيد بن منصور في السنن برقم (٥٩١) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (٦/٢٢٤) من طريق سفيان عن عاصم عن الشعبي قال: قال عمر فذكره.. وهو منقطع.
(٤) في ر: "وصححه".
(٥) في ر: "وفي قول".

صفحة رقم 487

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمَائِدَةِ
[وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ] (١)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضر، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ شَيْبان، عَنْ لَيْث، عَنْ شَهر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: إِنِّي لَآخِذَةٌ (٢) بزِمَام العَضْباء ناقةِ رَسُولِ اللَّهِ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ نَزَلَتْ (٤) عَلَيْهِ الْمَائِدَةُ كُلُّهَا، وَكَادَتْ مِنْ ثِقْلِهَا تَدُقّ عَضُد الناقةَ (٥).
وَرَوَى ابْنُ مَرْدُويه مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ (٦) بنِ سُهَيْل، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَمْرٍو، عَنْ عَمِّهَا؛ أَنَّهُ كَانَ فِي مَسِير مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ، فاندَقَّ عُنُق الرَّاحِلَةِ مِنْ ثِقْلِهَا (٧).
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي (٨) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ، فَنَزَلَ عَنْهَا.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٩) وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْب، عَنْ حُيَيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ: سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَالْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ: " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ " [سُورَةُ النَّصْرِ: ١].
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ (١٠) نَحْوَ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (١١).
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا بَحْرُ (١٢) بْنُ نَصْرٍ قَالَ: قُرئ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْب، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْر قَالَ: حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لِي: يَا جُبَيْرُ، تَقْرَأُ الْمَائِدَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ (١٣) فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَاسْتَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا من حرام فحرموه. ثم قال:

(١) زيادة من ر، أ.
(٢) في د: "لآخذة يوما".
(٣) في ر: "النبي".
(٤) في د: "إذ أنزلت".
(٥) المسند (٦/٤٥٥) وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٣) :"فيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق".
(٦) في ر: "صباح".
(٧) ورواه ابن أبي شيبة في مسنده، والبغوي في معجمه، والبيهقي في دلائل النبوة كما في الدر المنثور (٣/٣).
(٨) في ر: "الختلي"، وفي أ: "الجبلي".
(٩) المسند (٢/١٧٦) وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٣) :"فيه ابن لهيعة، والأكثر على ضعفه وقد يحسن حديثه".
(١٠) في ر: "بإسناده نحوه".
(١١) سنن الترمذي برقم (٣٠٦٣) والمستدرك (٢/٣١١).
(١٢) في أ: "محمد".
(١٣) في ر: "نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم".

صفحة رقم 5
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية