آيات من القرآن الكريم

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

جلاله وما أحد أحبّ إليه العذر من الله تعالى لذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ الآية. اعلم أن الله تعالى شهد على سبعة أشياء على التوحيد، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ «١» والثاني على العدل وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ «٢» وقال تعالى قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً «٣» وقال: قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ «٤» وقال: فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ «٥» والثالث على اعمال العباد فقال: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا «٦» الآية وقال: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً «٧» أي تفيضون فيه وقال: وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ «٨»، والرابع على جميع الأشياء فقال أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «٩» والخامس على كذب المنافقين قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ «١٠»، والسادس على شريعة المصطفى فقال عز من قائل قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ «١١» أي شهيد على القرآن لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ الآية.
وقال ابن عباس: إن رؤساء مكة أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمد أخبرنا أولا عن صفتك ونعتك في كتابهم فزعموا إنهم لا يعرفونك، ودخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة من اليهود فقال لهم: «إني والله أعلم أنكم تعرفون أني رسول الله» [٣٩٧].
فقالوا: نعلم، فأنزل الله تعالى إن كذبوك وجحدوك لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٧ الى ١٧٣]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١)
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣)

(١) سورة آل عمران: ١٨.
(٢) سورة الفتح: ٢٨. ٢٩.
(٣) سورة العنكبوت: ٥٢.
(٤) سورة الأنعام: ١٩.
(٥) سورة آل عمران: ٨١.
(٦) سورة المجادلة: ٦.
(٧) سورة يونس: ٦١.
(٨) سورة آل عمران: ٩٨.
(٩) سورة فصّلت: ٥٣.
(١٠) سورة المنافقون: ١. [.....]
(١١) سورة الأنعام: ١٩.

صفحة رقم 417

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا يعني اليهود الذين علم الله تعالى منهم إنهم لا يؤمنون لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً يعني دين الإسلام إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ يعني اليهودية خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً إلى قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا الآية نزلت في النسطورية والماريعقوبية والملكانية والمرقوسية وهم نصارى نجران وذلك إن الماريعقوبية قالوا لعيسى: هو الله، وقالت النسطورية: هو ابن الله، وقالت المرقوسية: هو روح الله، فأنزل الله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ يعني يا أهل الإنجيل وهم النصارى لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ أي لا تتشددوا في دينكم فتفتروا عليّ بالكذب، وأصل الغلو مجاوزة الحد في كل شيء، يقال: غلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها «١» يغلو بها غلوا وغلاء.
خالد المخزومي:
خمصانة فلق موشحها... رؤد الشباب غلا بها عظم «٢»
وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ لا تقولوا أن لله شركاء أو ابنا، ثم بين حال عيسى وصفته فقال إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وهو الممسوح المطهر من الذنوب والأدناس التي تكون في الناس كما يمسح للشيء من الأذى الذي يكون فيه فيطهر، عيسى ابن مريم لا ابن الله بل رسول الله [وعبده قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا] ردّ بهذا على اليهود والنصارى جميعا وَكَلِمَتُهُ يعني قوله: كُنْ، فكان بشرا من غير أب وذلك قوله تعالى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ «٣» الآية وقيل: هي بشارة الله مريم بعيسى ورسالته إليها على لسان جبرئيل وذلك قوله تعالى إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ وقال تعالى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ... أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ يعني أعلمها وأخبرها بها كما يقال: ألقيت إليك كلمة حسنة وَرُوحٌ مِنْهُ الآية.
قال بعضهم: معناه ونفخة منه وذلك أن جبرئيل نفخ في درع مريم فحملت بإذن الله، فقال: وَرُوحٌ مِنْهُ لأنه بأمره كان المسيح وربما لأنه ريح يخرج من الروح «٤»، قال ذو الرمة يصف شرر النار التي تسقط من القداحة:

(١) لداته، اللدات جمع لدة: الترب، وهو الذي ولد معك وتربّى.
(٢) لسان العرب: ١٥/ ١٣٢.
(٣) سورة آل عمران: ٥٩.
(٤) هكذا في الأصل.

صفحة رقم 418

فقلت له ارمها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا «١»
واجعل لها قوتا بقدر. يدل عليه قوله تعالى وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها الآية هذا معنى قول عذرتها.
وقال أبو عبيدة: إنّه كان إنسانا بإحياء الله عز وجل إياه، يدل عليه قول السدّي وَرُوحٌ مِنْهُ أي مخلوق من عنده، وقيل: معناه ورحمة من الله تعالى، عيسى رحمة لمن شهد وآمن به، يدل عليه قوله في المجادلة وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «٢» أي قوّاهم برحمة منه، فدلّ الروح بالوحي أوحى إلى مريم بالبشارة وأوحى إلى مريم بالمسيح وأوحى أنه ابن مريم يدلّ عليه [قوله تعالى:
بِرُوحٍ مِنْهُ] يعني بالوحي، وقال في حم المؤمن: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «٣».
وقال: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا «٤» أي وحينا، وقيل: اهدنا بروح جبرئيل فقال: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وألقى إليها أيضا روح منه وهو جبرائيل. يدل عليه قوله في النحل قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ «٥» نظيره في الشعراء قال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «٦» وقال وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «٧» وقال يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ «٨» يعني جبرئيل، وقال فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
«٩» الروح الوحي يعني من الإضافة إليه على التخصيص كقوله لآدم (عليه السلام) وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «١٠».
قال الثعلبي: وسمعت الأستاذ أبا القاسم الحبيبي يقول: كان لهارون الرشيد غلام نصراني متطبّب وكان أحسن خلق الله وجها وأكملهم أدبا وأجمعهم للخصال التي يتوسل بها إلى الملوك وكان الرشيد مولعا بأن يسلم وهو ممتنع وكان الرشيد يمنيه الأماني [فيأبى] فقال له ذات يوم:
ما لك لا تؤمن؟ قال: لأن في كتابكم حجة على من انتحله، قال وما هو؟ قال: قوله وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ أفغير هذا دين النصارى أن عيسى جزء منه، [فغمّ] قلب الرشيد لذلك فدعا العلماء والفقهاء فلم يكن منهم من يزيل تلك الشبهة حتى قيل: قدم حجاج خراسان وفيهم رجل يقال له علي بن الحسين بن واقد من أهل مرو إمام في أهل القرآن، فدعاه وجمع بينه وبين الغلام، فسأل الغلام فأعاد قوله، فاستعجم على علي بن الحسين الوقت جوابه فقال: يا أمير المؤمنين قد علم الله في سابق علمه أن مثل هذا [الحدث] يسألني في مجلسك، وإنه لم
(١) لسان العرب: ٢/ ٤٦٠ وفيه: واجعله لها قتية، وكذا في تاج العروس.
(٢) سورة المجادلة: ٢٢.
(٣) سورة غافر: ١٥.
(٤) سورة الشورى: ٥٢.
(٥) سورة النحل: ١٠٢.
(٦) سورة الشعراء: ١٩٣.
(٧) سورة البقرة: ٨٧.
(٨) سورة النحل: ٢.
(٩) سورة مريم: ١٧. [.....]
(١٠) سورة الحجر: ٢٩.

صفحة رقم 419
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية