آيات من القرآن الكريم

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧١ الى ١٧٣]

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣)
تفسير المفردات
الغلوّ: مجاوزة الحد، وكلمته: أي لأنه حدث بكلمة «كن» من غير مادة معتادة، ألقاها إلى مريم: أي أوصلها وأبلغها إياها، وروح منه: أي لأنه خلق بنفخ من روح الله، وهو جبريل، الاستنكاف: الامتناع عن الشيء أنفة وكبرا، والاستكبار أن يجعل الإنسان نفسه كبيرة فوق ما هى عليه غرورا وإعجابا بها.
المعنى الجملي
بعد أن انتهى من محاجة اليهود وإقامة الحجة عليهم، وهم قد غلوا فى تحقير عيسى وإهانته وكفروا به- ذكر هنا محاجة النصارى خاصة ودحض شبهاتهم، وهم قد غلوا فى تعظيم عيسى وتقديسه، كما دحض شبهات اليهود فيما سلف.

صفحة رقم 28

الإيضاح
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي لا تتجاوزوا الحدود التي حدها الله، فإن الزيادة فى الدين كالنقص فيه، ولا تعتقدوا إلا القول الحق الثابت بنصّ دينىّ متواتر، أو برهان عقلىّ قاطع، وليس لكم على ما زعمتم من دعوى الاتحاد والحلول واتخاذ الصاحبة والولد شىء منها.
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ) إلى بنى إسرائيل، وقد أمرهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا، وزهدهم فى الدنيا، وحثهم على التقوى، وبشرهم بمحمد خاتم النبيين، وأرشدهم إلى الاعتدال فى كل شىء، فهداهم إلى الجمع بين حقوق الأبدان وحقوق الأديان.
(وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وهو مكوّن بكلمته وأمره الذي هو «كن» من غير وساطة أب ولا نطفة، فإنه لما أرسل إليها الروح الأمين جبريل بشرها بأنه مأمور بأن يهب لها غلاما زكيا، فاستنكرت ذلك، إذ هى عذراء لم تتزوج فقال لها:
«كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فكلمة (كن) هى الكلمة الدالة على التكوين بمحض القدرة عند إرادة خلق الشيء وإيجاده.
وهو أيضا مؤيد بروح منه كما قال تعالى: «وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» وكما قال فى صفات المؤمنين «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ».
وآية الله فى خلق عيسى بكلمته وجعله بشرا سويّا بما نفخ فيه من روحه كآيته فى خلق آدم بكلمته وما نفخ فيه من روحه، فخلقهما كان بغير السنة العامة فى خلق الناس من ذكر وأنثى «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
وزعم بعض النصارى أن كلمة (منه) تدل على أن عيسى جزء من الله بمعنى أنه ابنه، فقد نقل بعض المفسرين أن طبيبا نصرانيا للرشيد ناظر على بن حسين الواقدي

صفحة رقم 29

المروزي ذات يوم فقال له: إن فى كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى وتلا الآية، فقرأ له الواقدىّ قوله تعالى «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ» فلئن صح ما تقول لزم أن تكون جميع هذه الأشياء جزءا منه تبارك وتعالى- فأفحم النصراني وأسلم ففرح بذلك الرشيد ووصل الواقدىّ بصلة عظيمة وقد جاء فى إنجيل متى (أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا، لما كانت أمه مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس). وفى إنجيل لوقا تفصيل لظهور الملك جبريل لها وتبشيره إياها بولد ومحاورتهما فى ذلك، ومنها أنها سألته عن كيفية ذلك فقال لها (الروح القدس يحلّ عليك).
وفى هذا الفصل أن اليصابات أم يحيى امتلأت من الروح القدس، وبذلك حملت بيحيى، وكانت عاقرا، وأن زكريا أباه امتلأ من الروح القدس.
ومن هذا تعلم أن روح القدس عندهم وعندنا واحد وهو ملك من ملائكة الله الذين لا يحصى عددهم، وأن عيسى خلق بوساطته، وكذلك يحيى، وكان خلقه من وجه آخر، إذ كان أبوه شيخا كبيرا وأمه عاقرا ولكن الواسطة والسبب واحد، وهو الملك المسمى بروح القدس، أيدهم الله به رجالا ونساء، فلا يستفاد إذا من قوله: وروح منه، أنه جزء من الله، تعالى الله عن التركيب والتجزؤ والحلول والاتحاد بخلقه.
(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي فآمنوا بالله إيمانا يليق به، وهو أنه واحد أحد تنزه عن صفات الحوادث، وأن كل ما فى الكون مخلوق له، وهو الخالق له، وأن الأرض فى مجموع ملكه أقل من حبة رمل بالنسبة إلى اليابس منها، ومن نقطة ماء بالنسبة إلى بحارها وأنهارها، وآمنوا برسله كلهم إيمانا يليق بشأنهم وهو أنهم عبيد له خصهم بضروب من التكريم والتعظيم، وألهمهم بضرب من العلم والهداية بالوحى ليعلموا الناس كيف يوحّدون ربهم ويعبدونه ويشكرونه، ولا تقولوا: الآلهة ثلاثة:

صفحة رقم 30

الآب والابن وروح القدس، أو الله ثلاثة أقانيم كل منها عين الآخر، وكل منها إله كامل، ومجموعها إله واحد.
فإن فى هذا تركا للتوحيد الذي هو ملة إبراهيم وسائر الأنبياء، واتباعا لعقيدة الوثنيين، والجمع بين التثليث والتوحيد تناقض تحيله العقول، ولا يقبله أولو الألباب.
(انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) أي انتهوا عنه وقولوا قولا آخر خيرا لكم منه، وهو قول جميع النبيين والمرسلين الذين جاءوا بتوحيد الله وتنزيهه، فإن المسيح الذي سميتموه إلها يقول كما فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته).
(إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ) بالذات منزه عن التعدد، فليس له أجزاء ولا أقانيم، ولا هو مركب ولا متحد بشىء من المخلوقات.
(سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي تقدس عن أن يكون له ولد كما قلتم فى المسيح إنه ابنه، أو إنه هو عينه، فإنه تبارك وتعالى ليس له مماثل فيكون له منه زوج يتزوجها فتلد له ولدا.
والتعبير بالولد دون الابن الذي يعبرون به فى كلامهم، لبيان أنهم إذا كانوا يريدون الابن الحقيقي الذي يفهم من هذا اللفظ فلا بد أن يكون ولدا أي مولودا من تلقيح أبيه لأمه، وهذا محال على الله تعالى، وإن أرادوا الابن المجازى لا الحقيقي فلا خصوصية لعيسى فى ذلك، لأنه قد أطلق فى كتب العهد العتيق والعهد الجديد على إسرائيل وداود وغيرهما من الأخيار.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي إنه ليس له ولد يصح أن يسمى ابنا له حقيقة، بل له كل ما فى السموات وما فى الأرض خلقا وملكا، والمسيح من جملتها كما قال تعالى: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً».
ولا فرق فى هذا بين الملائكة والنبيين، ولا بين من خلقه ابتداء من غير أب

صفحة رقم 31

ولا أمّ كالملائكة وآدم، ومن خلقه من أصل واحد كحواء وعيسى، ومن خلق من الزوجين الذكر والأنثى، فكل هؤلاء عبيده يحتاجون إلى فضله وكرمه وجوده، وهو يتصرف فيهم كما يشاء.
(وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي كفى به حافظا ووكيلا إذا وكلوا أمورهم إليه، فهو غنى عن الولد، فإن الولد إنما يحتاج إليه أبوه ليعينه فى حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل ذلك.
عقيدة التثليث- منشؤها
اعلم أن عقيدة التثليث وثنية نقلها الوثنيون المتنصرون إلى النصرانية واعتمدوا فيها على بعض ألفاظ فى الكتب اليهودية جعلوها تكأة لهم على ما أرادوا وحرّفوا فيها وأوّلوا، لتفيد ما ادّعوا، وبذا هدموا آيات التوحيد، وقد فصل ذلك علماء أوروبا وأتوا عليه بشواهد كثيرة من الآثار القديمة والتاريخ، فقال البحاثة موريس فى كتابه (الآثار الهندية القديمة) كان عند أكثر الأمم البائدة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثى.
وقال مستر فابر فى كتابه (أصل الوثنية) كما نجد عند الهنود ثالوثا مؤلفا من برهما وفشنو وسيفا، نجد عند البوذيين ثالوثا فإنهم يقولون إن (بوذه) إله ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.
وقال مستر دوان فى كتابه (خرافات التوراة) وكان قسيسو هيكل منفيس بمصر يعبرون عن الثالوث المقدس فى تعليمهم المبتدئين بقولهم إن الأول خلق الثاني وهما خلقا الثالث، وبذلك تم الثالوث المقدس، وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكى- هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه؟ فأجابه الكاهن:
نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كل شىء ثم الكلمة ومعهما روح القدس، ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوة الأبدية، فاذهب يا فانى، يا صاحب الحياة القصيرة، ثم قال المؤلف: لا ريب أن تسمية الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس (كلمة) هو من أصل وثنى مصرى دخل فى غيره من الديانات المسيحية و (أبولوّ)

صفحة رقم 32

المدفون فى (دهلى) يدعى الكلمة، وفى علم اللاهوت الإسكندرى الذي كان يعلمه (بلاتو) قبل المسيح بسنين عدة (الكلمة هى الإله الثاني) ويدعى أيضا ابن الله البكر وقال هيجين فى كتابه (الانكلوسكسون) كان الفرس يسمون (متروسا) الكلمة والوسيط ومخلص الفرس، وقال دوان: كان الفرس يعبدون إلها مثلث الأقانيم مثل الهنود ويسمون الأقانيم (أو زمرد مترات. أهرمن). فأوزمرد الخلاق ومترات ابن الله المخلص والوسيط. وأهرمن الملك، والمشهور عن مجوس الفرس التثنية دون التثليث فكانوا يقولون بإله هو مصدر النور والخير وإله هو مصدر الظلمة والشر.
وقال صاحب كتاب (ترقى الأفكار الدينية) إن اليونانيين كانوا يقولون إن الإله مثلث الأقانيم وكان قساوستهم إذا شرعوا فى تقديم الذبائح يرشّون المذبح بالماء المقدس ثلاث مرات (إشارة إلى الثالوث) ويرشون المجتمعين حول المذبح ثلاث مرات، ويأخذون البخور من المبخرة بثلاث أصابع، ويعتقدون أن الحكماء قالوا إنه يجب أن تكون جميع الأشياء المقدسة مثلثة، ولهم اعتناء بهذا العدد فى جميع شعائرهم الدينية.
وقد اقتبست الكنيسة بعد دخول نصرانية قسطنطين فيهم هذه الشعائر كلها، ونسخت بها شريعة المسيح التي هى التوراة، وظلموا المسيح بنسبتها إليه.
والخلاصة- إن الديانة النصرانية بنيت على أساس التوحيد الخالص، فحوّلها الكهنة إلى ديانة وثنية تقول بتثليث غير معقول أخذوه من تثليث اليونان والرومان المقتبس من تثليث المصريين والبراهمة اقتباسا مشوّها، ونسخوا شريعة سماوية برمّتها، واستبدلوا بها بدعا وتقاليد غريبة عنها، فقد كانت ديانة زهد وتواضع، فجعلوها ديانة طمع وجشع وكبرياء وترف وأثرة واستعباد للبشر، ديانة نسبوها إلى المسيح وليس عندهم نص فيها يدل على التثليث، بل عندهم نصوص من كلامه تدل على التوحيد وإبطال التثليث، ولو لم يكن عندهم من النصوص فى هذه العقيدة إلا ما رواه يوحنا فى إنجيله لكفى من قوله عليه السلام (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحيققى

صفحة رقم 33

وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فهذا نص واضح فى أنه هو الإله وحده وأنه هو رسوله.
وقال مرقص فى الفصل الثاني عشر من إنجيله: إن أحد الكتبة سأل يسوع عن أول الوصايا فأجابه، أول الوصايا: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد إلخ، فقال له الكاتب (جيدا) يا معلّم بالحق قلت، لأنه واحد وليس آخر سواه، فلما رأى يسوع أنه أجاب بعقل قال له (لست بعيدا عن ملكوت السموات) ومن هذا النص يعلم أن التوحيد الخالص هو العقيدة المعقولة التي تؤخذ على ظاهرها بلا تأويل «١».
َنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)
أي لن يأنف المسيح ولن يترفع عن أن يكون عبد الله لعلمه بعظمة الله وما يجب له من العبودية والشكر، ولا الملائكة المقربون يستنكف أحد منهم أن يكون عبدا له.
ومن هذه الآية يفهم أن الملائكة أعظم من المسيح خلقا وأفعالا، ومنهم روح القدس الذي بنفخة منه خلق المسيح، ومن ثم استدل بها كثير من العلماء على تفصيل الملائكة المقربين على الأنبياء. إذ السياق فى ردّ غلوّ النصارى فى المسيح باتخاذه إلها ورفعه عن مقام العبودية فالرد عليهم يقتضى الترقي من الرفيع إلى الأرفع كما تقول إن فلانا التقى لا يستنكف من تقبيل يد الوزير ولا الأمير، فإذا بدأت بذكر الأمير لم يعد لذكر الوزير فائدة، بل يكون لغوا لأنه يندمج فى الأول بالطريق الأولى.
وقال آخرون إن الآية لا تدل على ذلك لأنها فى معرض تفضيل هؤلاء الملائكة فى عظم الخلق والقدرة على الأعمال العظيمة وهو المناسب للرد على من استكبروا خلق المسيح من غير أب وصدور بعض الآيات عنه فجعلوه إلها، مع أن الملائكة خلقوا من غير أب ولا أم ويعملون ما هو أعظم من آيات المسيح فهم بهذا أفضل منه وأعظم.

(١) كل ما تقدم فى هذا الفصل مقتبس من تفسير المنار.

صفحة رقم 34
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية