آيات من القرآن الكريم

وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

قال ع «١» : ووجوه المُضَارَّةِ كثيرةٌ مِنْ ذلك: أنْ يُقِرَّ بحَقٍّ ليس عليه، أو يُوصِيَ بأكْثَرَ من ثلثه، أو لوارِثِهِ.
قال ص: غَيْرَ مُضَارٍّ: منصوبٌ على الحالِ: أي: غَيْرَ مُضَارٍّ ورثَتَهُ. انتهى.
قلت: وتقدير أبي «٢» حَيَّان: «وَرَثَتَهُ» يأباه فصاحَةُ ألفاظِ الآية إذ مقتضاها العمُوم، فلو قال: «غَيْرَ مُضَارٍّ وَرَثَةً، أو غَيْرَهم»، لكان أحْسَنَ، لكن الغالبَ مُضَارَّة الورثة، فلهذا قَدَّرهم/.
وقوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ... الآية: «تِلْكَ» : إشارةٌ إلى القِسْمة المتقدِّمة في المواريث، وباقي الآية بيّن.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥ الى ١٦]
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)
وقوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ... الآية: الفَاحِشَةُ في هذا الموضِعِ: الزِّنَا، وقوله: مِنْ نِسائِكُمْ، إضافةٌ في معناها الإسلام، وجعل اللَّه الشهادة علَى الزِّنَا خاصَّة لا تَتِمُّ إلا بأربعةِ شُهَدَاءَ، تَغْلِيظاً على المُدَّعي، وسَتْراً على العبادِ.
قلت: ومن هذا المعنى اشتراط رُؤْية كَذَا في كَذَا كَالمِرْوَدِ في المُكْحُلَة.
قال ع «٣» : وكانَتْ أولُ عقوبة الزُّنَاةِ الإمْسَاكَ في البُيُوت، ثم نُسِخَ ذلك بالأذَى الَّذي بَعْده، ثم نُسِخَ ذلك بآية النُّور وبالرَّجْمِ في الثَّيِّب قاله عبادة بنُ الصَّامت وغيره «٤»، وعن عِمْرَانَ بْنِ حصين أنه قال: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، ثُمَّ أَقْلَعَ عَنْهُ، وَوَجْهُهُ مُحْمَرٌّ، فَقَالَ: «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً البِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»، خرَّجه مُسْلِم «٥»، وهو خَبَرٌ آحادٌ، ثم ورد في الخَبَر المتواتِرِ أنّ

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٠).
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٣/ ١٩٨).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢١).
(٤) وسيأتي حديثه وحديث عمران بن حصين.
(٥) أخرجه مسلم (٣/ ١٣١٦)، كتاب «الحدود»، باب حد الزنى، حديث (١٢/ ١٦٩٠)، وأبو داود (٤/ ٥٦٩- ٥٧٠) كتاب «الحدود»، باب في الرجم، حديث (٤٤١٥)، والترمذي (٤/ ٤١) كتاب «الحدود»، باب الرجم على الثيب، حديث (١٤٣٤)، والدارمي (٢/ ١٨١)، كتاب «الحدود»، باب في-

صفحة رقم 181

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رَجَمَ، وَلَمْ يَجْلِدْ «١»، فَمَنْ قال: إن السُّنَّة المتواترة تنسخ...

- تفسير قول الله تعالى: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وأحمد (٥/ ٣١٣، ٣١٧، ٣١٨، ٣٢٠- ٣٢١)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٨)، وأبو داود الطيالسي (١/ ٢٩٨- منحة) رقم (١٥١٤)، وابن الجارود في «المنتقى» (٨١٠)، والطبري في «تفسيره» (٤/ ١٩٨)، وابن حبان (٤٤٠٨، ٤٤٠٩، ٤٤١٠، ٤٤٢٦- الإحسان)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٣٤)، وفي «مشكل الآثار» (١/ ٩٢)، والبيهقي (٨/ ٢١٠) كتاب «الحدود»، باب جلد الزانيين ورجم الثيب، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١/ ١١٣) من طرق عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت به.
والحديث أخرجه الشافعي (٢/ ٧٧) كتاب «الحدود»، باب الزنا، حديث (٢٥٢)، والطيالسي (١/ ٢٩٨- منحة) رقم (١٥١٤)، وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (٥/ ٣٢٧)، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٤٥٧- بتحقيقنا) من طريق الحسن عن عبادة بن الصامت دون ذكر حطان بن عبد الله.
قلت: ولعل ذلك من تدليسات الحسن. فأسقط حطان بن عبد الله، ورواه عن عبادة دون واسطة.
تنبيه: وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة (٢/ ٨٥٢) كتاب «الحدود»، باب حد الزنا، حديث (٢٥٥٠) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن عبادة بن الصامت.
قال الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (٤/ ٢٤٧) : هذا وهم والله أعلم- فإن المحفوظ بهذا الإسناد حديث حطان. اهـ.
وقد روى هذا الحديث الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا....» الحديث.
أخرجه أحمد (٣/ ٤٧٦).
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٤٥٦) رقم (١٣٧٠) : سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا..» الحديث، قال أبي: هذا خطأ، إنما رواه الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اهـ.
ومن هذا الطريق ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦/ ٢٦٧)، وقال: رواه أحمد، وفيه الفضل بن دلهم، وهو ثقة ولكنه أخطأ في هذا الحديث.
(١) تواتر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه رجم ماعزا والغامدية، ورجم يهوديين.
وإليك تخريج هذه الأحاديث:
حديث رجم ماعز:
ورد حديث رجم ماعز عن جماعة من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهم: ابن عباس، وجابر، وأبو هريرة، وبريدة، وجابر بن سمرة، وأبو سعيد الخدري، ونعيم بن هزال، وأبو بكر الصديق، وأبو ذر، ورجل من الصحابة، وسهل بن سعد، وأبو برزة، وسعيد بن المسيب مرسلا، والشعبي أيضا مرسلا.
١- حديث عبد الله بن عباس:
أخرجه مسلم (٣/ ١٣٢٠) كتاب «الحدود»، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث (١٩/ ١٦٩٣)، وأبو داود (٤/ ٥٧٩) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢٥)، والترمذي (٤/ ٣٥) كتاب «الحدود»، باب التلقين في الحد، حديث (١٤٢٧)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٩) كتاب «الرجم»، باب الاعتراف بالزنا أربع مرات، حديث (٧١٧١، ٧١٧٢، ٧١٧٣)، وأحمد (١/ ٢٤٥، -

صفحة رقم 182

- ٣١٤، ٣٢٨)، وعبد الرزاق (٧/ ٣٢٤) رقم (١٣٣٤٤)، وأبو داود الطيالسي (١/ ٢٩٩- منحة) رقم (١٥٢٠)، وأبو يعلى (٤/ ٤٥٣) رقم (٢٥٨٠)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٤٢) باب الاعتراف بالزنى الذي يجب به الحد ما هو، كلهم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لماعز بن مالك: «أحق ما بلغني عنك» ؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: «بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان»، قال: نعم. قال: فشهد أربع شهادات، ثم أمر به، فرجم».
وللحديث طريق آخر عن ابن عباس:
أخرجه البخاري (١٢/ ١٣٨) كتاب «الحدود»، باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت؟، حديث (٣٨٢٤)، وأبو داود (٤/ ٥٨) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢٧)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٨- ٢٧٩) كتاب «الرجم»، باب مسألة المعترف بالزنا عن كيفيته، حديث (٧١٦٩)، وأحمد (١/ ٢٣٨، ٢٧٠)، والدارقطني (٣/ ١٢١) كتاب «الحدود والديات»، حديث (١٣١، ١٣٢)، والبيهقي (٨/ ٢٢٦) كتاب «الحدود»، باب من قال: لا يقام عليه الحد حتى يعترف أربع مرات، وابن حزم في «المحلى» (١١/ ١٧٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٤٦٧- بتحقيقنا)، والطبراني في «الكبير» (١١/ ٣٣٨) رقم (١١٩٣٦)، كلهم من طريق جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أتى ماعز بن مالك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت» ؟ قال:
لا يا رسول الله قال: «أنكتها؟» - لا يكني- قال: فعند ذلك أمر برجمه.
وأخرجه أبو داود (٤/ ٥٧٨) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٩) كتاب «الرجم»، باب مسألة المعترف بالزنا عن كيفيته، حديث (٧١٧٠) كلاهما من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أن ماعز بن مالك أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه زنى، فأعرض عنه، فأعاد عليه مرارا، فأعرض عنه، فسأل قومه: «أمجنون هو؟» قالوا: ليس به بأس قال:
«أفعلت بها» ؟ قال: نعم فأمر به أن يرجم، فانطلق به فرجم ولم يصل عليه. وأخرجه أحمد (١/ ٢٨٩، ٣٢٥)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٨) كتاب «الرجم»، باب مسألة المعترف بالزنا عن كيفيته، حديث (٧١٦٨)، والدارقطني (٣/ ١٢٢) كتاب «الحدود والديات»، حديث (١٣٣) كلهم من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن الأسلمي أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاعترف بالزنا فقال: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت». واللفظ للنسائي في «الكبرى».
(٢) حديث جابر:
أخرجه البخاري (١٢/ ١٢٩) كتاب «الحدود»، باب الرجم بالمصلى، حديث (٦٨٢٠)، ومسلم (٣/ ١٣١٨) كتاب «الحدود»، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث (١٦/ ١٦٩١)، وأبو داود (٤/ ٥٨٠) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٣٠)، والترمذي (٤/ ٢٨) كتاب «الحدود»، باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، حديث (١٤٢٩)، والنسائي (٤/ ٦٢- ٦٣) كتاب «الجنائز»، باب ترك الصلاة على المرجوم، وأحمد (٣/ ٣٢٣)، وابن الجارود رقم (٨١٣)، والدارقطني (٣/ ١٢٧- ١٢٨) كتاب «الحدود والديات»، حديث (١٤٦) كلهم من طريق عبد الرزاق في «المصنف» (٧/ ٣٢٠)، رقم (١٣٣٣٧) عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رجلا من أسلم جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاعترف عنده بالزنى، ثم اعترف فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أبك جنون؟» قال: لا، قال: «أحصنت؟» قال: نعم قال: فأمر-

صفحة رقم 183

..

- به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
خيرا، ولم يصل عليه.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
أما البخاري فقال في روايته: «وصلّى عليه»، وقد رواه من طريق محمود بن غيلان عن عبد الرزاق به.
قال الحافظ في «الفتح» :(١٢/ ١٣٣) : قوله: «وصلّى عليه» هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وخالفه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق، فقالوا في آخره: «ولم يصل عليه» قال المنذري في حاشية السنن: رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق، فلم يذكروا قوله: «وصلّى عليه» قلت: قد أخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق، ومسلم عن إسحاق بن راهويه، وأبو داود عن محمد بن المتوكل العسقلاني، وابن حبان من طريقه: زاد أبو داود والحسن بن علي الخلال والترمذي عن الحسن بن علي المذكور، والنسائي وابن الجارود عن محمد بن يحيى الذهلي، زاد النسائي ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب والإسماعيلي، والدارقطني من طريق أحمد بن منصور الرمادي زاد الإسماعيلي: ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، وأخرجه أبو عوانة عن الدبري ومحمد بن سهل الصغاني، فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس خالفوا محمودا، منهم من سكت عن هذه الزيادة، ومنهم من صرح بنفيها. اهـ.
قلت: وعليه، فزيادة «وصلّى عليه» زيادة شاذة، تفرد بها محمود بن غيلان، وخالف فيها الثقات.
وقد رواه ابن جريج عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، أن رجلا من «أسلم» أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدثه أنه زنى، فشهد على نفسه أنه زنى أربعا، فأمر برجمه، وكان قد أحصن.
أخرجه الدارمي (٢/ ١٧٦) كتاب «الحدود»، باب الاعتراف بالزنا من طريق أبي عاصم عن ابن جريج به.
وللحديث طريق آخر عن جابر:
أخرجه أبو داود (٤/ ٥٧٧) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢٠) من طريق محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك، فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: حدثني ذلك من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فهلّا تركتموه» من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال: ولم أعرف هذا الحديث. قال: فجئت جابر بن عبد الله، فقلت: إن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: «ألا تركتموه» وما أعرف الحديث، قال: يا ابن أخي، أنا أعلم الناس بهذا الحديث، كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به، فرجمناه، فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبرناه قال: «فهلا تركتموه وجئتموني به؟» ليستثبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه، فأما لترك حدّ، فلا. قال: فعرفت وجه الحديث.
٣- حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (١٢/ ١٣٦) كتاب «الحدود»، باب سؤال الإمام المقر هل أحصنت؟ حديث (٦٨٢٥)، ومسلم (٣/ ١٣١٨) كتاب «الحدود»، باب من اعترف على نفسه بالزنا، حديث (١٦/ ١٦٩١)، وأحمد (٢/ ٤٥٣)، والبيهقي (٨/ ٢١٩) كتاب «الحدود»، باب من أجاز أن لا يحضر الإمام، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٤٦٥، ٤٦٦- بتحقيقنا) كلهم من طريق الزهري عن-

صفحة رقم 184

..

- سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرّحمن، أن أبا هريرة، قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشق وجه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أبك جنون؟» قال: لا يا رسول الله، فقال:
«أحصنت؟» قال: نعم يا رسول الله، قال: «اذهبوا، فارجموه».
وللحديث طريق آخر عن أبي هريرة:
أخرجه الترمذي (٤/ ٢٧) كتاب «الحدود»، باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، حديث (١٤٢٨)، وابن ماجة (٢/ ٨٥٤) كتاب «الحدود»، باب الرجم، حديث (٢٥٥٤)، وأحمد (٢/ ٢٨٦- ٢٨٧، ٤٥٠)، وابن الجارود في «المنتقى» رقم (٨١٩)، وابن حبان (٢٤٢٢- الإحسان)، والحاكم (٤/ ٣٣٦)، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٤٦٥- بتحقيقنا) كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: جاء ماعز بن مالك الأسلمي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، ثم جاءه من شقه الأيمن، فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم جاءه من شقه الأيسر، فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم جاءه فقال: إني قد زنيت، قال ذلك أربع مرات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انطلقوا به، فارجموه» فانطلقوا به، فلما مسته الحجارة أدبر يشتد، فلقيه رجل في يده لحي جمل فضربه به فصرعه، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «فهلا تركتموه».
وقال الترمذي: حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
وصححه ابن حبان.
وقال البغوي عقبه: هذا حديث متفق على صحته. وهو وهم، فهو متفق على صحته من حديث أبي هريرة، ولكن ليس من هذا الطريق.
وللحديث طريق ثالث عن أبي هريرة:
أخرجه أبو داود (٤/ ٥٧٩) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢٩)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٦- ٢٧٧) كتاب «الرجم»، باب استقصاء الإمام على المعترف عنده بالزنا، حديث (٧١٦٤)، وأبو يعلى (١٠/ ٥٢٤- ٥٢٥) رقم (٦١٤٠) كلهم من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير عن ابن عم لأبي هريرة عن أبي هريرة، أن ماعز بن مالك جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إني قد زنيت، فأعرض عنه حتى قالها أربعا، فلما كان في الخامسة قال: «زنيت؟» قال: نعم، قال: «وتدري ما الزنى؟» قال: نعم، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: «ما تريد إلى هذا القول؟» قال: أريد أن تطهرني قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والعصا في الشيء؟» قال: نعم يا رسول الله. قال: فأمر برجمه، فرجم، فسمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب.
فسار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا، ثم مر بجيفة حمار فقال: «أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا جيفة هذا الحمار».. قالا:
غفر الله لك يا رسول الله، وهل يؤكل هذا؟ قال: «فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه، والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة يتقمص فيها». -[.....]

صفحة رقم 185

..

- وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابن عم أبي هريرة.
لكن أخرجه عبد الرزاق (٧/ ٣٢٢) رقم (١٣٣٤٠) عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير عن عبد الرّحمن بن الصامت عن أبي هريرة به. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو داود (٤/ ٥٧٩) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٧) كتاب «الرجم»، باب ذكر استقصاء الإمام علي المعترف عنده بالزنا، حديث (٧١٦٥)، وابن الجارود رقم (٨١٤)، وابن حبان (١٥١٣- موارد)، والدارقطني (٣/ ١٩٦- ١٩٧) كتاب «الحدود والديات»، حديث (٣٣٩)، والبيهقي (٨/ ٢٢٧) كتاب «الحدود»، باب من قال: لا يقام عليه الحد حتى يعترف أربع مرات. وقد أخرجه ابن حبان (١٥١٤- موارد) من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٧) كتاب «الرجم»، حديث (٧١٦٦) من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير.
وصححه ابن حبان.
وقال النسائي: عبد الرّحمن بن الهضهاض ليس بمشهور.
قلت: ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (٥/ ٢٩٧)، والبخاري في «تاريخه الكبير» (٥/ ٣٦١)، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في «الثقات».
٤- حديث بريدة:
أخرجه مسلم (٣/ ١٣٢١) كتاب «الحدود»، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث (٢٢/ ١٦٩٥)، وأبو داود (٤/ ٥٨١) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٧٦) كتاب «الرجم»، باب كيف الاعتراف بالزنا، حديث (٧١٦٣)، وأحمد (٥/ ٣٤٧- ٣٤٨)، والدارقطني (٣/ ٩١- ٩٢) كتاب «الحدود والديات»، حديث (٣٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٤٦٨، ٤٦٩- بتحقيقنا) كلهم من طريق غيلان بن جامع عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! طهرني، فقال: «ويحك! ارجع فاستغفر الله، وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبيّ مثل ذلك. حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهرك؟» فقال: من الزنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أبه جنون؟» فأخبر أنه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان الناس فيه فرقتين: قائل يقول: لقد هلك.
لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس، فسلم ثم جلس، فقال: «استغفروا لماعز بن مالك»، قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم»، قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله! طهرني. فقال: «ويحك! ارجعي فاستغفري الله، وتوبي إليه»، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟»، قالت: إنها حبلى من الزنى. فقال: «آنت» قالت: نعم. فقال لها: «حتى تضعي ما في بطنك». قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت. قال:
فأتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامدية. فقال: «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» -

صفحة رقم 186

..

- فقام رجل من الأنصار، فقال: إلي رضاعه يا نبي الله! قال: فرجمها.
قال الدارقطني: (حديث صحيح).
وقال النسائي: (هذا صالح الإسناد).
٥- حديث جابر بن سمرة:
أخرجه مسلم (٣/ ١٣١٨- ١٣١٩) كتاب «الحدود»، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث (١٧/ ١٦٩٢)، وأبو داود (٤/ ٥٧٨) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٢٢)، والدارمي (٢/ ١٧٦- ١٧٧) كتاب «الحدود» باب الاعتراف بالزنا، وأحمد (٥/ ٩١، ٩٩، ١٠٢، ١٠٣)، وعبد الرزاق (٧/ ٣٢٤) رقم (١٣٣٤٣)، وأبو داود الطيالسي (١/ ٢٩٩- منحة) رقم (١٥٢٢)، وأبو يعلى (١٣/ ٤٤٣- ٤٤٤) رقم (٧٤٤٦)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٤٢) كتاب «الحدود»، باب الاعتراف بالزنى، والبيهقي (٨/ ٢٢٦) كتاب «الحدود»، باب من قال: لا يقام عليه الحد حتى يعترف أربع مرات، من طرق عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاسرا ما عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلعلك؟» قال: لا والله إنه قد زنى الآخر، قال: فرجمه ثم خطب، فقال: «ألا كلما نفروا في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن أمكنني الله من أحد منهم لأنكلن عنهن».
وللحديث طريق آخر:
أخرجه البزار (٢/ ٢١٨، ٢١٩- كشف) رقم (١٥٥٦) حدثنا صفوان بن المغلس، ثنا بكر بن خداش، ثنا حرب بن خالد بن جابر بن سمرة عن أبيه عن جده قال: جاء ماعز إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض بوجهه، ثم جاءه من قبل وجهه، فأعرض عنه، فجاءه الثالثة، فأعرض عنه، ثم جاءه الرابعة، فلما قال له ذلك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا إلى صاحبكم، فإن كان صحيحا فارجموه» فسئل عنه فوجد صحيحا، فرجم، فلما أصابته الحجارة حاضرهم، وتلقاه رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بلحي جمل، فضربه به فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إلى النار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كلا إنه قد تاب توبة لو تابها أمة من الأمم تقبل منهم».
قال الهيثمي في «الكشف» : له حديث في الصحيح بغير هذا السياق.
وذكره هو في «المجمع» (٦/ ٢٧٠- ٢٧١)، وقال: قلت: لسمرة حديث في الصحيح بغير سياقه، رواه البزار عن شيخه صفوان بن المغلس ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
٦- حديث أبي سعيد:
أخرجه مسلم (٣/ ١٣٢٠- ١٣٢١) كتاب «الحدود»، باب فيمن اعترف على نفسه بالزنى، حديث (٢٠/ ١٦٩٤)، وأبو داود (٤/ ٥٨١) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤٣١)، وأحمد (٣/ ٢- ٣) كلهم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد أن رجلا من «أسلم» يقال له: ماعز بن مالك أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه عليّ، فرده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرارا، قال: ثم سأل قومه؟ فقالوا:
ما نعلم به بأسا إلا أنه أصاب شيئا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال: فرجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمرنا أن نرجمه قال: فانطلقنا به إلى «بقيع الغرقد» قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم، والمدر، والخزف، قال: فاشتد، واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد-

صفحة رقم 187

..

- الحرة (يعني الحجارة) حتى سكت، ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا من العشي فقال: «أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس، عليّ أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به» قال: فما استغفر له، ولا سبه.
٧- حديث نعيم بن هزال:
أخرجه ابن أبي شيبة (١٠/ ٧١) كتاب «الحدود»، باب الزاني كم مرة يرد، حديث (٨٨١٦)، وأحمد (٥/ ٢١٦- ٢١٧)، وأبو داود (٤/ ٥٧٣) كتاب «الحدود»، باب رجم ماعز بن مالك، حديث (٤٤١٩)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٩٠- ٢٩١) كتاب «الرجم»، باب إذا اعترف بالزنا ثم رجع، حديث (٧٢٠٥)، والطبراني في «الكبير» (٢٢/ ٢٠١- ٢٠٢) رقم (٥٣٠، ٥٣١)، والحاكم (٤/ ٣٦٣) كتاب «الحدود»، باب الحفر عند الرجم، والبيهقي (٨/ ٢٢٨) كتاب «الحدود»، باب المعترف بالزنا يرجع عن إقراره، وابن حزم في «المحلى» (١١/ ١٧٧) كلهم من طريق يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجا، فأتاه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم عليّ كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم عليّ كتاب الله.
حتى قالها أربع مرات. قال صلّى الله عليه وسلّم: إنك قد قلتها أربع مرات، فيمن؟ قال: بفلانة، قال: هل ضاجعتها؟
قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى «الحرة»، فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع، فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه، فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك، فقال: «هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه».
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والحديث أعله ابن حزم بالإرسال.
قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص ٢٩٢) : نعيم بن هزال الأسلمي مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود والنسائي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد روى عنه عن أبيه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن عبد البر: هو أولى بالصواب، ولا صحبة لنعيم، وإنما الصحبة لأبيه. قلت: والحديث فيه اختلاف كثير. اهـ.
٨- حديث أبي بكر الصديق:
أخرجه أحمد (١/ ٨)، وأبو يعلى (١/ ٤٢، ٤٣) رقم (٤٠، ٤١)، والبزار (٢/ ٢١٧- كشف) رقم (١٥٥٤) من طريق جابر الجعفي عن عامر الشعبي عن عبد الرّحمن بن أبزى عن أبي بكر الصديق قال:
كنت عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتاه ماعز بن مالك، فاعترف بالزنى، فرده، ثم عاد الثانية، فرده، ثم عاد الثالثة، فرده، فقلت: إن عدت الرابعة رجمك، فعاد الرابعة، فأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحبسه، ثم أرسل فسأل عنه.
قالوا: لا نعلم إلا خيرا، فأمر برجمه.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦/ ٢٦٩)، وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ولفظه: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رد ماعزا أربع مرات، ثم أمر برجمه. والطبراني في «الأوسط» إلا أنه قال: ثلاث مرات. وفي أسانيدهم كلها جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف.
٩- حديث أبي ذر:
أخرجه أحمد (٥/ ١٧٩)، والبزار (٢/ ٢١٧، ٢١٨- كشف) رقم (١٥٥٥) كلاهما من طريق-

صفحة رقم 188

..

- الحجاج بن أرطأة عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن المقدم عن نسعة بن شداد عن أبي ذر قال:
كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأتاه رجل فقال: إن الآخر زنى، فأعرض عنه ثلاث مرات، ثم ربّع، فأمرنا فحفرنا له حفيرة ليست بالطويلة، فرجم، فارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كئيبا حزينا، فسرنا حتى نزلنا منزلا، فسري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أبا ذر ألم تر إلى صاحبكم قد غفر له وأدخل الجنة». قال البزار: لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا أبو ذر، وعبد الملك معروف، وعبد الله بن المقدام ونسعة لا نعلمهما ذكرا إلا في هذا الحديث. والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (٦/ ٢٦٩) وقال: رواه أحمد والبزار، وفيه الحجاج بن أرطأة، وهو مدلس.
١٠- حديث رجل من الصحابة:
أخرجه النسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٨٩) كتاب «الرجم»، باب كيف يفعل بالرجل، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، حديث (٧٢٠١) من طريق سلمة بن كهيل. قال: حدثني أبو مالك عن رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أربع مرات، كل ذلك يرده، ويقول: «أخبرت أحدا غيري»، ثم أمر برجمه، فذهبوا به إلى مكان يبلغ صدره إلى حائط، فذهب يثب فرماه رجل............» الحديث.
١١- حديث سهل بن سعد:
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦/ ٢٧١) عنه قال: شهدت ماعزا حين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجمه، فاتبعه الناس يرجمونه، حتى لقيه عمر بالجبانة، فضربه بلحي جمل فقتله.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه أبو بكر بن أبي سبرة، وهو كذاب.
١٢- حديث أبي برزة الأسلمي:
أخرجه ابن أبي شيبة (١٠/ ٧٨) كتاب «الحدود»، باب في الزاني كم مرة يرد، حديث (٨٨٣١)، وأحمد (٤/ ٤٢٣)، وأبو يعلى (١٣/ ٤٢٦) رقم (٧٤٣١) من طريق مساور بن عبيد قال: حدثني أبو برزة قال:
رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا منا يقال له ماعز بن مالك.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦/ ٢٦٨)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
١٣- مرسل سعيد بن المسيب:
أخرجه النسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٨١) كتاب «الرجم»، باب اختلاف الزهري وسعيد بن المسيب في هذا الحديث، من طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا من «أسلم» جاء إلى أبي بكر الصديق فقال له: إن الآخر قد زنى، فقال له أبو بكر: هل ذكرت ذلك لأحد غيري؟ قال: لا، قال: فاستتر بستر الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فأتى عمر فقال له مثل ما قاله لأبي بكر فقال له عمر ما قال له أبو بكر، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن الآخر قد زنى، قال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات، كل ذلك يعرض عنه حتى إذا أكثر عليه بعث إلى أهله فقال: «أيشتكي؟ أبه جنة؟» فقالوا: والله إنه لصحيح، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبكر أم ثيب؟» قال: بل ثيب، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرجم.
١٤- مرسل الشعبي:
أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ٥٣٨) كتاب «الحدود»، باب في الزاني كم مرة يرد، حديث (٢٨٧٧) من طريق جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: شهد ماعز على نفسه أربع مرات أنه قد زنى، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن-

صفحة رقم 189

القُرآن «١»، جعَلَ رَجْمَ الرسول دُونَ جَلْدٍ ناسخاً لجَلْدِ الثيِّب، وهذا الذي عليه الأَمَّة أنَّ السُّنَّة المتواترة تَنْسَخُ القُرآن إذ هما جميعاً وحْيٌ من اللَّه سبحانَهُ، ويوجِبَانِ جميعاً العِلْم والعَمَل.
ويتَّجه عندي في هذه النَّازلة بعَيْنها أنْ يُقَالَ: إن الناسِخَ لِحُكْمِ الجَلْد هو القرآن المتَّفَقُ على رَفْعِ لفظه، وبقاءِ حُكْمه في قوله تعالى: «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فارجموهما أَلْبَتَّةَ»، وهذا نصٌّ في الرجم، وقد قَرَّره عمر على المِنْبر بمَحْضَر الصَّحابة، والحديثُ بكماله في مُسْلم، والسُّنَّةُ هي المبيِّنة، ولفظُ «البخاريِّ» :«أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الرَّجْمُ لِلثَّيِّب، وَالجَلْدُ لِلْبِكْرِ» «٢». انتهى.
وقوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ... الآية: قال مجاهدٌ وغيره: الآيةُ الأولى في النساء عموماً، وهذه في الرِّجال، فعقوبةُ النِّساء الحَبْسُ، وعقوبةُ الرِّجَالِ الأذى «٣»، وهذا قولٌ يقتضيه اللَّفْظ، ويستوفي نصُّ الكلام أصنافَ الزُّنَاة عامَّة ويؤيِّده مِنْ جهة اللفظ قولُه في الأولى: مِنْ نِسائِكُمْ، وقوله في الثانية: مِنْكُمْ، وأجمع العلماءُ على أنَّ هاتين الآيتين منُسْوخَتَانِ كما تقدّم.

- يرجم. وقصة ماعز في الزنا ورجمه قد عدها الحافظ السيوطي متواترة، فذكرها في كتابه «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» (ص ٥٩) رقم (٨٢)، وعزاها إلى الشيخين عن جابر بن عبد الله وابن عباس ومسلم عن بريدة وجابر بن سمرة وأبي سعيد، وأبي داود عن اللجلاج ونعيم بن هزال وأبي هريرة، والنسائي عن رجل من الصحابة ومن مرسل ابن المسيب، وأحمد عن أبي بكر الصديق وأبي ذر، وابن أبي شيبة في «المصنف» عن نصر والد عثمان، ومن مرسل عطاء بن يسار والشعبي، وأبي مرة في سننه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف.
(١) ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ١٠٩)، و «البرهان لإمام الحرمين» (٢/ ١٣٠٧)، و «سلاسل الذهب» للزركشي (٣٠٢)، و «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٣/ ١٣٩)، و «نهاية السول» للأسنوي (٢/ ٥٧٨)، و «منهاج العقول» للبدخشي (٢/ ٢٥٢)، و «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (٨٨)، و «التحصيل من المحصول» للأرموي (٢/ ٢٣)، و «المنخول» للغزالي (٢٩٢)، و «والمستصفى له» (١/ ١٢٤)، و «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٣/ ١٣٩)، و «حاشية العطار على جمع الجوامع» (٢/ ١١١)، و «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ٣٩٢)، و «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (٤١٨)، و «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٤/ ٥٠٥)، و «التحرير» لابن الهمام (٣٨٨)، و «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين مسعود ابن عمر التفتازاني (٢/ ٣٦)، و «ميزان الأصول» للسمرقندي (٢/ ١٠٠٦)، و «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٣/ ٦٠).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٢).

صفحة رقم 190
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية