آيات من القرآن الكريم

وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

و ﴿واللاتي﴾ اسم موصول لجماعة الإناث، وأنا أرى أن ذلك خاص باكتفاء المرأة بالمرأة. وماذا يقصد بقوله: ﴿فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً﴾ ؟ إنه سبحانه يقصد به حماية الأعراض، فلا يبلغ كل واحد في عرض الآخر، بل لا بد أن يضع لها الحق احتياطا قويا، لأن الأعراض ستجرح، ولماذا «أربعة» في الشهادة؟ لأنهما اثنتان تستمتعان ببعضهما، ومطلوب أن يشهد على كل واحدة اثنان فيكونوا أربعة، وإذا حدث هذا ورأينا وعرفنا وتأكدنا، ماذا نفعل؟
قال سبحانه: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت﴾ أي احجزوهن واحبسوهن عن الحركة، ولا تجعلوا لهن وسيلة التقاء إلى أن يتوفاهن الموت ﴿أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ وقد جعل الله.
والذين يقولون: إن هذه المسألة خاصة بعملية بين رجل وامرأة، نقول له: إن كلمة ﴿واللاتي﴾ هذه اسم موصول لجماعة الإناث، أما إذا كان هذا بين ذكر وذكر. ففي هذه الحالة يقول الحق: ﴿واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ [النساء: ١٦].

صفحة رقم 2056

الآية هنا تختص بلقاء رجل مع رجل، ولذلك تكون المسألة الأولى تخص المرأة مع المرأة، ولماذا يكون العقاب في مسألة لقاء المرأة بالمرأة طلبا للمتعة هو الإمساك في البيوت حتى يتوفاهن الموت؟ لأن هذا شر ووباء يجب أن يحاصر، فهذا الشر معناه الإفساد التام، لأن المرأة ليست محجوبة عن المرأة؛ فلأن تحبس المرأة حتى تموت خير من أن تتعود على الفاحشة. ونحن لا نعرف ما الذي سوف يحدث من أضرار، والعلم مازال قاصرا، فالذي خلق هو الذي شرع أن يلتقي الرجل بالمرأة في إطار الزواج وما يجب فيه من المهر والشهود، وسبحانه أعد المرأة للاستقبال، وأعد الرجل للإرسال، وهذا أمر طبيعي، فإذا دخل إرسال على استقبال ليس له، فالتشويش يحدث.
وإن لم يكن اللقاء على الطريقة الشرعية التي قررها من خلقنا فلا بد أن يحدث أمر خاطئ ومضر، ونحن عندما نصل سلكا كهربائيا بسلك آخر من النوع نفسه. أي سالب مع سالب أو موجب مع موجب تشب الحرائق، ونقول: «حدث ماس كهربائي»، أي أن التوصيلة الكهربائية كانت خاطئة. فإذا كانت التوصيلة الكهربائية الخاطئة في قليل من الأسلاك قد حدث ما حدث منها من الأضرار، أفلا تكون التوصيلة الخاطئة في العلاقات الجنسية مضرة في البشر؟
إنني أقول هذا الكلام ليُسَجَّل، لأن العلم سيكشف - إن متأخرا أو متقدما - أن لله سرا، وحين يتخصص رجل بامرأة بمنهج الله «زوجني.. وتقول له زوجتك» فإن الحق يجعل اللقاء طبيعيا. أما إن حدث اختلاف في الإرسال والاستقبال فلسوف يحدث ماس صاعق ضار، وهذه هي الحرائق في المجتمع.
أكرر هذا الكلام ليسجل وليقال في الأجيال القادمة: إن الذين من قبلنا قد اهتدوا إلى نفحة من نفحات الله، ولم يركنوا إلى الكسل، بل هداهم الإيمان إلى أن يكونوا موصولين بالله، ففطنوا إلى نفحات الله. والحق هو القائل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق﴾ [فصلت: ٥٣].

صفحة رقم 2057

فإذا كنا قد اهتدينا إلى معرفة أن اتصال سلك صحيح بسلك صحيح فالكهرباء تعطي نورا جميلا. أما إذا حدث خطأ في الاتصال، فالماس يحدث وتنتج منه حرائق، كذلك في العلاقة البشرية، لأن المسألة ذكورة وأنوثة.
والحق سبحانه القائل: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات: ٤٩].
فإذا كان النور الجميل يحدث من الاتصال الصحيح بين الموجب والسالب في غير الإنسان، وتحدث الحرائق إن كان الاتصال خاطئا، فما بالنا بالإنسان؟
وفي بعض رحلاتنا في الخارج، سألنا بعض الناس:
- لماذا عَدَّدتم للرجل نساءً، ولم تعددوا رجالاً للمرأة؟
هم يريدون أن يثيروا حفيظة المرأة وسخطها على دين الله؛ حتى تقول المرأة الساذجة - متمردة على دينها -: «ليس في هذا الدين عدالة» ؛ لذلك سألت من سألوني: أعندكم أماكن يستريح فيها الشباب المتحلل جنسيا؟
فكان الجواب: نعم في بعض الولايات هناك مثل هذه الأماكن.
قلت: بماذا احتطتم لصحة الناس؟
قالوا: بالكشف الطبي الدوري المفاجئ.
قلت: لماذا؟
قالوا: حتى نعزل المصابة بأي مرض.
قلت: أيحدث ذلك مع كل رجل وامرأة متزوجين؟
قالوا: لا.
قلت: لماذا؟؟ فسكتوا ولم يجيبوا، فقلت: لأن الواقع أن الحياة الزوجية للمرأة مع رجل واحد تكون المرأة وعاء للرجل وحده لا ينشأ منها أمراض، ولكن المرض ينشأ حين يتعدد ماء الرجال في المكان الواحد.

صفحة رقم 2058

إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يستبقي النوع بقاء نظيفا؛ لذلك قال:
﴿واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ [النساء: ١٥].
والمقصود ب ﴿نسائكم﴾ هنا المسلمات، لأننا لا نشرع لغيرنا، لأنهم غير مؤمنين بالله، وطلب الشهادة يكون من أربعة من المسلمين، لأن المسلم يعرف قيمة العرض والعدالة. وإن شهدوا فليحدث حكم الله بالحبس في البيوت.
وقد عرفنا ذلك فيما يسمى في العصر الحديث بالحجر الصحي الذي نضع فيه أصحاب المرض المعدي. وهناك فرق بين من أُصِبْن ب «مرض معدٍ» ومن أصبن ب «العطب والفضيحة».
فإذا كنا نعزل أصحاب المرض المعدي فكيف لا نعزل اللاتي أصبن بالعطب والفضيحة؛ لذلك يقول الحق: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ أي أن تظل كل منهما في العزل إلى أن يأتي لكل منهن ملك الموت. وحدثتنا كتب التشريع أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حمل الآية على أنها تختص بزنا يقع بين رجل وامرأة وليس بين امرأتين.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «خذوا عني خذوا عني: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم».
ثم جاء التشريع بعد ذلك فصفى قضية الحدود إلى أن البكر بالبكر جلد.. والثيب بالثيب رجم. وبعض من الناس يقول: إن الرجم لم يرد بالقرآن.

صفحة رقم 2059

نرد فنقول: ومن قال: إن التشريع جاء فقط بالقرآن؟ لقد جاء القرآن معجزة ومنهجا للأصول، وكما قلنا من قبل: إن الحق قال: ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧].
وبعد ذلك نتناول المسألة: حين يوجد نص ملزم بحكم، قد نفهم الحكم من النص وقد لا نفهمه، فإذا فهمنا فله تطبيق عملي في السيرة النبوية.
فإذا كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يأت بالنص فقط ولكن جاء بالعمل نفسه، فالأسوة تكون بالفعل في إقامة الحد؛ لأن الفعل أقوى من النص، فالنص قد يوجد ولا يطبق لسبب كالنَّسْخ للحكم مثلا، أما الفعل فإنه تطبيق، وقد رجم الرسول ماعزا والغامدية ورجم اليهودي واليهودية عندما جاءوا يطلبون تعديل حكم الرجل الوارد بالتوارة. إذن فالفعل من الرسول أقوى من النص وخصوصا أن الرسول مشرع أيضاً.
وقال واحد مرة: إن الرجم لمن تزوج، فماذا نفعل برجل متزوج قد زنا بفتاة بكر؟
والحكم هنا: يُرجم الرجل وتجلد الفتاة، فإن اتفقا في الحالة، فهما يأخذان حكما واحدا. وإن اختلفا فكل واحد منهما يأخذ الحكم الذي يناسبه.
وحينما تكلم الحق عن الحد في الإماء - المملوكات - قال: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب﴾ [النساء: ٢٥].
ويفهم من ذلك الجلد فقط، لأن الرجم لا يمكن أن نقوم بتقسيمه إلى نصفين، فالأمة تأخذ في الحد نصف الحرة، لأن الحرة البكر في الزنا تجلد مائة جلدة، والأمة تجلد خمسين جلدة.

صفحة رقم 2060

وما دام للأمة نصف حد المحصنة، فلا يأتي - إذن - حد إلا فيما ينصَّف، والرجم لا ينصَّف، والدليل أصبح نهائيا من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو مشرع وليس مستنبطا، وقد رجم رسول الله. ولماذا تأخذ الأمَةُ نصف عقاب الحرة؟ لأن الإماء مهدورات الكرامة، أما الحرائر فلا. ولذلك فهند امرأة أبي سفيان قالت: أو تزني الحرة؟ قالت ذلك وهي في عنف جاهليتها. أي أن الزنا ليس من شيمة الحرائر، أما الأمة فمهدورة الكرامة نظرا لأنه مجترأ عليها وليست عرض أحد.
لذلك فعليها نصف عقاب المحصنات، وقد تساءل بعضهم عن وضع الأمة المتزوجة التي زنت، والرجم ليس له نصف.
نقول: الرجم فقد للحياة فلا نصف معه، إذن فنصف ما على المحصنات من العذاب، والعذاب هو الذي يؤلم. ونستشهد على ذلك بآية لنبين الرأي القاطع بأن العذاب شيء، والقتل وإزهاق الحياة شيء آخر، ونجد هذه الآية هي قول الحق على لسان سليمان عليه السلام حينما تفقد الطير ولم يجد الهدهد:
﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١].
إذن، فالعذاب غير الذبح، وكذلك يكون العذاب غير الرجم. فالذي يحتج به البعض ممن يريدون إحداث ضجة بأنه لا يوجد رجم؛ لأن الأمة عليها نصف ما على المحصنات، والرجم ليس فيه تنصيف نقول له: إن ما تستشهد به باطل؛ لأن الله فرق بين العذاب وبين الذبح، فقال على لسان سليمان: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ﴾ فإذا كان العذاب غير إزهاق الروح بالذبح، والعذاب أيضاً غير إزهاق الروح بالرجم. إذن فلا يصح أن يحاول أحد الإفلات من النص وفهمه على غير حقيقته ولنناقش الأمر بالعقل:
حين يعتدي إنسان على بكر، فما دائرة الهجوم على العرض في البكر؟ إنها أضيق من دائرة الهجوم على الثيب؛ لأن الثيب تكون متزوجة غالبا، فقصارى ما في البكر أن الاعتداء يكون على عرضها وعرض الأب والأخ. أما الثيب فالاعتداء يكون على

صفحة رقم 2061

عرض الزوج أيضاً، وهكذا تكون دائرة الاعتداء أكبر، إنه اعتداء على عرض الأب والأم. والإخوة والأعمام مثل البكر، وزاد على ذلك الزوج والأبناء المتسلسلون. فإذا كان الآباء والأمهات طبقة وتنتهي، فالأبناء طبقة تستديم؛ لذلك يستديم العار. واستدامة العار لا يصح أن تكون مساوية لرقعة ليس فيها هذا الاتساع، فإن سوينا بين الاثنين بالجلد فهذا يعني أن القائم بالحكم لم يلحظ اتساع جرح العرض.
إن جرح العرض في البكر محصور وقد ينتهي لأنه يكون في معاصرين كالأب والأم والإخوة، لكن ما رأيك أيها القائم بالحكم في الثيب المتزوجة ولها أولاد يتناسلون؟ إنها رقعة متسعة، فهل يساوي الله - وهو العادل - بين ثيب وبكر بجلد فقط؟ إن هذا لا يتأتى أبدا.
إذن فالمسألة يجب أن تؤخذ مما صفّاه رسول الله وهو المشرِّع الثاني الذي امتاز لا بالفهم في النص فقط، ولكن لأن له حق التشريع فيما لم يرد فيه نص! فسنأخذ بما عمله وقد رجم رسول الله فعلا، وانتهى إلى أن هذا الحكم قد أصبح نهائيا، الثيب بالثيب هو الرجم، والبكر بالبكر هو الجلد، وبكر وثيب كل منهما يأخذ حكمه، ويكون الحكم منطبقا تماما، وبذلك نضمن طهارة حفظ النوع؛ لأن حفظ النوع هو أمر أساسي في الحياة باستبقاء حياة الفرد واستبقاء نوعه، فاستبقاء حياة الفرد بأن نحافظ عليه، ونحسن تربيته ونطعمه حلالا، ونحفظ النوع بالمحافظة على طهارة المخالطة.
والحق سبحانه وتعالى يمد خلقه حين يغفلون عن منهج الله بما يلفتهم إلى المنهج من غير المؤمنين بمنهج الله، ويأتينا بالدليل من غير المؤمنين بمنهج الله، فيثبت لك بأن المنهج سليم. ولقد تعرضنا لذلك من قبل مراراً ونكررها حتى تثبت في أذهان الناس قال الحق:
﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾ [التوبة: ٣٣].

صفحة رقم 2062

فلا يقولن قائل: إن القرآن أخبر بشيء لم يحدث لأن الإسلام لم يطبق ولم يظهر على الأديان كلها. ونرد عليه: لو فهمت أن الله قال: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ وأضاف سبحانه: ﴿وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾، ﴿وَلَوْ كَرِهَ الكافرون﴾ كما جاء في موقع آخر من القرآن الكريم، لقد أوضح الحق أن الإسلام يظهر ويتجلى مع وجود كاره له وهو الكافر والمشرك. ولم يقل سبحانه: إن الإسلام سيمنع وجود أي كافر أو مشرك.
وكيف يكره الكفار والمشركون إظهار الله للإسلام؟ إنهم لا يدينون بدين الإسلام؛ لذلك يحزنهم أن يظهر الإسلام على بقية الأديان. وهل يظهر الإسلام على الأديان بأن يسيطر عليها ويبطل تلك الأديان؟ لا. إنه هو سبحانه يوضح بالقرآن والسنة كما يوضح لأهل الأديان الأخرى:
بأنكم ستضطرون وتضغط عليكم أحداث الدنيا وتجارب الحياة فلا تجدون مخلصا لكم مما أنتم فيه إلا أن تطبقوا حكما من حكم الإسلام الذي تكرهونه.
وحين تضغط الحياة على الخصم أن ينفذ رأى خصمة فهذا دليل على قوة الحجة، وهذا هو الإظهار على الدين كله ولو كره الكافرون والمشركون، وهذا قد حدث في زماننا، فقد روعت أمة الحضارة الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ١٩٨١ بما يثبت صدق الإسلام في أنه حين ضمن ووضع للمخالطات التي تبقي النوع نظاما، وهو التعاقد العلني والزواج المشروع، فالحق قد ضمن صحة الخلق. لكن الحضارة الأمريكية لم تنتبه إلى عظمة قانون الحق سبحانه فَرُوِّعت بظهور مرض جديد يسمى «الإيدز» و «إيدز» مأخوذة من بدايات حروف ثلاث كلمات: حرف «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ»، وحرف «I» و، «عَزَّ وَجَلَّ».
ومعنى اسم المرض بالترجمة العربية الصحيحة «نقص مناعي مكتسب» والوسيلة الأولى للإصابة به هي المخالطة الشاذة، ونشأت من هذه المخالطات الشاذة فيروسات، هذه الفيروسات مازال العلماء يدرسون تكوينها، وهي تفرز سموما وتسبب آلاما لا حصر لها، وإلى الآن يعيش أهل الحضارة الغربية هول الفزع والهلع من هذا المرض.

صفحة رقم 2063

ومن العجيب أن هذه الفيروسات تأتي من كل المخالطات الشاذة سواء أكانت بين رجل ورجل، أو بين رجل وامرأة على غير ما شرع الله.
لقد جعل الحق سبحانه وتعالى عناصر الزواج «إيجابا» و «قبولا» و «علانية» إنه جعل من الزواج علاقة واضحة محسوبة أمام الناس، هذا هو النظام الرباني للزوج الذي جعل في التركيب الكيميائي للنفس البشرية «استقبالا» و «إرسالا».
والبشر حين يستخدمون الكهرباء.. فالسلك الموجب والسلك السالب - كما قلنا - يعطيان نورا في حالة استخدامهما بأسلوب طبيعي، لكن لو حدث خلل في استخدام هذه الأسلاك فالذي يحدث هو ماس كهربائي تنتج منه حرائق.
وكذلك الذكورة والأنوثة حين يجمعها الله بمنطق الإيجاب والقبول العلني على مبدأ الإسلام، فإن التكوين الكيميائي الطبيعي للنفس البشرية التي ترسل، والنفس البشرية التي تستقبل تعطي نورا وهو أمر طبيعي.
وأوضحنا من قبل أن الإنسان حين يجد شابا ينظر إلى إحدى محارمه، فهو يتغير وينفعل ويتمنى الفتك به، لكن إن جاء هذا الشاب بطريق الله المشروع وقال والد الشاب لوالد الفتاة: «أنا أريد خطبة ابنتك لابني» فالموقف يتغير وتنفرج الأسارير ويقام الفرح.
إنها كلمة الله التي أثرت في التكوين الكيميائي للنفس وتصنع كل هذا الإشراق والبِشر، وإعلان مثل هذه الأحداث بالطبول والأنوار والزينات هو دليل واضح على أن هناك حاجة قد عملت وأحدثت في النفس البشرية مفعولها الذي أراده الله من الاتصال بالطريق النظيف الشريف العفيف.
فكل اتصال عن غير هذا الطريق الشريف والعفيف لا بد أن ينشأ عنه خلل في التكوين الإنساني يؤدي إلى أوبئة نفسية وصحية قد لا يستطيع الإنسان دفعها مثل ما هو كائن الآن.
وعلى هذا قول الحق سبحانه:

صفحة رقم 2064

﴿واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ [النساء: ١٥].
وكانت هذه مرحلة أولية إلى أن طبق الرسول إقامة الحد. ويقول الحق: ﴿واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ... ﴾.

صفحة رقم 2065
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية