آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ يعني ينتظرون بكم الدوائر، وهو تغيير الحال عليكم فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ يعني النصرة والغلبة على العدو قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ فأعطونا من الغنيمة وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ يعني الظفر والغلبة على المؤمنين قالُوا للكفار أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ يعني: ألم نخبركم بصورة المسلمين ونطلعكم على سرهم، ونخبركم عن حالهم.
ويقال: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ يعني: ألم نغلب عليكم بالمودة لكم. والاستحواذ هو الاستيلاء على الشيء، كقوله تعالى اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: ١٩] ثم قال: وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني نجادل المؤمنين عنكم ونجنبهم عنكم. قال الله تعالى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي بين المؤمنين والمنافقين والكافرين وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أي الحجة، ويقال: دولة دائمة أي لا تدوم دولتهم. وروي عن علي كرم الله وجهه، أنه سئل عن قوله عز وجل إن الله تعالى يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وهم يسلطون علينا ويغلبوننا، فقال: لا يسلط الكافر على المؤمن في الآخرة يوم القيامة.
ثم بين حال المنافقين في الدنيا وخداعهم، فقال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ
أي يظنون أنهم يخادعون الله وَهُوَ خادِعُهُمْ
أي يجازيهم جزاء خداعهم، وهو أنهم يمشون مع المؤمنين على الصراط يوم القيامة، ثم يسلبهم النور فيبكون في ظلمة. ثم قال تعالى:
وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ
يعني المنافقين قامُوا كُسالى
أي متثاقلين يُراؤُنَ النَّاسَ
أي لا يرونها حقاً، ويصلون مراءاة للناس وسمعة وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
قال ابن عباس: لو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيراً وتقبل منهم، ولكن لن يريدوا به وجه الله تعالى. ثم قال:
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ أي مترددين. ويقال: منفضحين بين ذلك لاَ إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ يعني ليسوا مع المؤمنين في التصديق، ولا مع اليهود في الظاهر وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ أي من يخذله الله عن الهدى فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي مخرجا. ثم قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أي صدقوا. قال مقاتل: الذين آمنوا بزعمهم وهم المنافقون لاَ تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ويقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في الظاهر وأسروا النفاق. ويقال: يعني المؤمنين المخلصين، كانت بينهم وبين اليهود صداقة، وكانوا يأتونهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك.
فقال: لاَ تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. ثم قال تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً يعني حجة مبينة في الآخرة.
ثم بين مأوى المنافقين في الآخرة فقال تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٥ الى ١٤٧]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)

صفحة رقم 350

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ المنافق في اللغة اشتقاقه من نافقاء اليربوع، ويقال: لليربوع جحران أحدهما نافقاء، والآخر قاصعاء، فيظهر نفسه في أحدهما ويخرج من الآخر، ولهذا يسمى المنافق منافقاً لأنه يظهر من نفسه أنه مسلم، ويخرج عن الإسلام إلى الكفر. قرأ أهل الكوفة حمزة والكسائي وعاصم الدرك بجزم الراء، وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان: الدرك والدرك، وجماعتهما أدراك وهي المنازل بعضها أسفل من بعض، فأعد للمنافقين الدرك الأسفل من النار وهي الهاوية.
ثم قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً أي مانعاً يمنعهم من العذاب. ثم قال تعالى:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِن النفاق وَأَصْلَحُوا أعمالهم وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ أي تمسكوا بدين الله وبتوحيده وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ أي بتوحيدهم لله بالإخلاص، فإن فعلوا ذلك فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أي المصدقين على دينهم لهم، ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ثم قال: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أي يعطي الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً يعني ثواباً عظيماً في الآخرة. وفي هذه الآية دليل أن المنافقين هم شر خلق الله، لأنه أوعدهم الدرك الأسفل من النار. ثم استثنى لهم أربعة أشياء التوبة والإخلاص والإصلاح والاعتصام. ثم قال بعد هذا كله: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل هم المؤمنون. ثم قال: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل: سوف يؤتيهم الله بغضاً لهم وإعراضاً عنهم، والمنافقون هم الزنادقة والقرامطة الذين هم بين المؤمنين، يظهرون من أنفسهم الإسلام وإذا اجتمعوا فيما بينهم يسخرون بالإسلام وأهله، فهم من أهل هذه الآية ومأواهم الهاوية. قوله تعالى: مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ أي ما يصنع الله بعذابكم إِنْ شَكَرْتُمْ يعني إن آمنتم بالله تعالى ووحدتموه، ويقال: معناه ما حاجة الله إلى تعذيبكم لو كنتم موحدين شاكرين له وَآمَنْتُمْ به وصدقتم رسله. ثم قال تعالى: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً أي شاكراً للقليل من أعمالكم، عليماً بأعمالكم وثوابكم. ويقال: شاكراً يقبل اليسير ويعطي الجزيل، عليماً بما في صدوركم. ويقال: بمن شكر وآمن فلا يعذب شاكراً ولا مؤمنا.
قوله تعالى:

صفحة رقم 351
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية