آيات من القرآن الكريم

وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﱿ

٦٧ - قال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا). قالت: الرجل تكون عنده المرأة، ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حِلِّ فنزلت هذه الآية في ذلك.
ولفظ ابن ماجه: عن عائشة أنها قالت: نزلت هذه الآية: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) في رجل كانت تحته امرأة قد طالت صحبتها. وولدت منه أولادًا. فأراد أن يستبدل بها فراضته على أن تقيم عنده ولا يقسم لها.
٢ - أخرج أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا ابن أُختي كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى

صفحة رقم 449

يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفَرِقت أن يفارقها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا رسول اللَّه، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها. قالت: نقول في ذلك أنزل اللَّه تعالى وفي أشباهها أراه قال: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا).

صفحة رقم 450

٣ - وأخرج الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين الأحاديث المتقدمة جميعاً أو بعضها على اختلاف بينهم كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (إذا علمت المرأة من زوجها استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها أَثَرَة عليها، وارتفاعًا بها عنها، إما لبغضة وإما لكراهة منه بعض أشياء بها، إما دمامتها، وإما سنها وكبرها أو غير ذلك من أمورها فلا جناح على المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها، أن يصلحا بينهما صلحاً وهو أن تترك له يومها، أو تضع عنه بعض الواجب لها من حق عليه، تستعطفه بذلك، وتستديم المقام في حباله والتمسك بالعقد الذي بينها وبينه من النكاح، والصلح بترك بعض الحق استدامة للحرمة، وتماسكاً بعقد النكاح خير من طلب الفرقة والطلاق) اهـ.

صفحة رقم 451

وقال ابن كثير نحواً من قول الطبري وزاد: (وكذا فسرها ابن عبَّاسٍ وعبيدة السلماني ومجاهد ابن جبر والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطية العوفي ومكحول والحسن والحكم بن عتبة وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة ولا أعلم في ذلك خلافاً أن المراد بهذه الآية هذا واللَّه أعلم) اهـ.
وهذا الكلام المتقدم يتفق بحمد اللَّه مع ما رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - في الحديث الأول، وإذا اجتمع في سبب النزول صحة سنده، وموافقته لسياق الآيات، صحت رئاسته، واستقامت قوامته.
أما ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - وأن الآية نزلت في سودة حين أراد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فراقها فقد تبين من دراسة سنده أنه غير محفوظ.
وأما ما رواه الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في شأن سودة أيضاً فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - من قولها الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها ويريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حلِّ. فنزلت الآية وذلك لصحة سنده وموافقته للفظ الآية وتصريحه بالنزول واللَّه أعلم.
* * * * *

صفحة رقم 452
المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
عرض الكتاب
المؤلف
خالد بن سليمان المزيني
عدد الأجزاء
1