السيف فلم يشعر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سلّه من غمده وقال:
يا محمد من يعصمك مني الآن؟ قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الله» ثم دعا: اللهم اكفني غويرث بن الحرث بما شئت. ثم أهوى بالسيف على رسول الله ليضربه فانكبّ لوجهه من زلخة زلخها من بين كتفيه وبدر سيفه، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخذه ثم قال: «من يعصمك الآن يا غويرث» قال:
لا أحد.
قال: اشهد أن لا إله إلّا الله وأني عبده ورسوله، فقال: لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليه، فأعطاه رسول الله سيفه فقال غويرث: للنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنت خير مني. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«أجل أنا أحق بك منك ثم رجع غويرث إلى أصحابه» [٣٨٢]. فقالوا: ويلك لقد رأيناك أهويت بالسيف قائما على رأسه ما منعك منه؟ قال: والله إني أهويت إليه بالسيف لكني لا أدري من زلخني من كتفي فخررت لوجهي وخر سيفي من بين يديّ فسبقني فأخذه وقال: يا غويرث من يمنعك مني الآن، فقلت: لا ثم قال: اشهد أن لا إله إلّا الله وإني رسول الله وأعطيك سيفك فقلت: لا، ولكني أعطيك موثقا أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا، فردّ السيف إليّ.
قال: وسكن الوادي فقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وأخبرهم الخبر، وأقرأهم هذه الآية وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي لا ضرر إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ من عدوكم إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً يهانون فيه.
قال الزجاج: الجناح الإثم وأصله من جنحت إذا عدلت عن المكان وأخذت جانبا عن القصد ثمّ قال لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي لا تعدلون عن الحق إن وضعتم أسلحتكم، والأذى مقصور، يقال: أذى يأذي أذى، مثل فرع يفرع فرعا فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ يعني صلاة الخوف أي فرغتم منها فَاذْكُرُوا اللَّهَ يعني فصلوا لله قِياماً للصحيح وَقُعُوداً للسقيم وَعَلى جُنُوبِكُمْ للجرحى والمرضى لمن لا يستطيعون الجلوس، ويقال: معناه فاذكروا الله بتوحيده وتسبيحه وشكره على كل حال فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ يعني صلاة الخوف والمرض والقتال، ورجعتم إلى منازلكم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي أتموا الصلاة أربعا إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أي واجبا مفروضا في الحضر والسفر، فركعتان في السفر وأربع في الحضر، وكتب الله عليهم ووقته أي جعل للأوقات ومنه قوله تعالى وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ووقتت مخففة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٤ الى ١١٣]
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ لا تضعفوا في طلب القوم. أبي سفيان وأصحابه يوم أحد وقد مضت هذه القصة في سورة آل عمران.
إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ أي تتوجعون وتشتكون من الجراح فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ أي يتوجعون ويشتكون من الجراح كَما تَأْلَمُونَ وأنتم مع ذلك آمنون وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ الأجر والثواب والنصر الذي وعدكم الله وإظهار دينكم على سائر الأديان.
ما لا يَرْجُونَ وقيل: [تفسر] الآية: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ أي تخافون من عذاب الله ما لا يخافون. قال الفراء: لا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلّا مع الجحد، كقول الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ أي لا يخافون أيام الله وكذلك قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً أي لا تخافون لله عظمة، وهي لغة حجازية.
قال الشاعر:
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا | أسبعة لاقت معا أم واحدا «١» |
ويروى في بيت نوب عوامل | إذا لسعته النحل لم يرج لسعها |
قال: ولا يجوز رجوتك وأنت تريد خفتك ولا خفتك وأنت تريد رجوتك «٣».
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ،
قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار، يقال له طعمة بن أبرق أحد بني ظفر حي من سليم سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، وكان الدقيق ينشر من خرق
(٢) تفسير الطبري: ٥/ ٣٥٨، وروي: عواسل.
(٣) لسان العرب: ١٤/ ٣١٠.
في الحراب، حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود، يقال له زيد ابن السمين، والتمست الدرع عند طعمة فلم يوجد عنده، وحلف لهم والله ما أخذها وماله بها من علم فقال أصحاب الدرع، بلى والله لقد أولج علينا فأحضرها وعلينا بأثره حتى دخل داره، فرأينا أثر الدقيق منتشرا فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق. حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه وقال اليهودي: دفعها لي طعمة بن البرق، وشهد له ناس من اليهود على ذلك، فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة: أيطلبوا بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنكلمه في صاحبنا فنعذره ونجادل عنه وإن صاحبنا يرى معذورا فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلموه في ذلك، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إنك إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح، وبرىء اليهودي فهمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فأنزل الله تعالى يعاتبه إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ الآيات.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: إن طعمة سرق درعا من أنصاري وكان الدرع في جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان متناثر النخالة منه طول الطريق، فجاء به إلى دار زيد ابن السمين على أثر النخالة [فأخذه] وحمله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهم رسول الله أن يقطع يد زيد اليهودي فأنزل الله تعالى هذه الآية.
علي بن الضحاك: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار، استودع درعا فجحده صاحبها فخوّنه رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء قومه فعذروه وأتوا عليه فصدّقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعذرهم وردّ الذين قالوا فيه ما قالوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما تبين خيانته ارتد عن الإسلام ولحق بمكة، فأنزل الله تعالى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ «١» الآية.
وقال مقاتل: إن زيد السمين أودع درعا عند طعمة بن أبرق فجحده طعمة فلما جاء زيد يطلبه أغلق الباب، فأشرف على السطح، فألقى الدرع في دار جاره أبي هلال. ثم فتح الباب فلم يجدوا فيه فصعد السطح فقال: أرى درعا في دار أبي هلال، فلعله درعكم فنظروا وإذا هو ذلك فرفعوه. ثم جمع طعمة قومه وجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فشكوا وقالوا: إنهم قد فضحونا وسرقونا، فعاتبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عز وجل إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أي بالأمر والنهي والفصل لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ أي ما علمك الله وأوحى إليك وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً أي معينا
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ابن عباس قال: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مما هممت به من قطع يد زيد.
الكلبي: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ يا محمد من همك باليهودي أن تضربه.
مقاتل: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ من جدالك الذي جادلت عن طعمة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
يعني يظلمون أنفسهم بالخيانة والسرقة ويرمي بها اليهودي إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً
يعني خائنا في الدرع أَثِيماً
في رميه اليهودي وقوله وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً. قد قيل فيه: إن الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد به غيره، كقوله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ «١» والنبي لا يشك ممّا أنزل الله، فإن قيل: قد أمر بالاستغفار [قلنا] هو لا يوجب وجود الذنب ولا يجب أن يستغفر كما أمر في سورة الفتح بالاستغفار من غير ذنب مقدم.
واعلم أن الاستغفار في جميع الأنبياء يعد وجوه منها ثلاثة أوجه: يكون لذنبه مقدم مثل النبوة ويكون لذنب أمته وقرابته ويكون لترك المباح قبل ورود الحضر، ومعناه بالسمع والطاعة لما أمرت به ونهيت عنه وحملت التوفيق عليه يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
أي يستترون ويستحيون من الناس وَلا يَسْتَخْفُونَ
أي يستترون ولا يستحيون مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ
يعني علمه.
إِذْ يُبَيِّتُونَ
. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: يعني يقولون، عن سفيان عن الأعمش عن أبي رزين: يولعون ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
يعني بأن اليهودي سرقه وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
يعني قد أحاط الله بأعمالهم الحسنة.
وتعلقت الجهمية والمعتزلة بهذه الآية، استدلوا منها على إن الله بكل مكان قالوا لمّا قال وَهُوَ مَعَهُمْ
ثبت إنه بكل مكان لأنه قد اثبت كونه معهم وقال لهم حق قوله وَهُوَ مَعَهُمْ
إنه يعلم ما يقولون ولا يخفى عليه فعلهم لأنه العالم بما يظهره الخلق وبما يستره، وليس في وله وهو معهم ما يوجب انه بكل مكان لأنه قال أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ «٢» ولم يرد قوله انه في السماء يعني غير الذات لأن القول: أنّ زيدا في موضع كذا من غير أن يعتد بذكر فعل أو شيء من الأشياء لا يكون إلّا بالذات، وقال تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) وقال:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ «٣» فأخبر أنه [يرفع] الأشياء من السماء ولا يجوز أن يكون معهم بذاته ثم يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ وإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، ولو كان قوله (وهو معهم إذ يقولون ما لا يرضى من القول) ثم أقبل على قوم طعمة وقال ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ
أي يا هؤلاء للتنبيه جادَلْتُمْ
أي خاصمتم عن [أبي] طعمة «٤»، ومتى سافر أبي بن كعب عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
والمطلب به في اللغة بشدة [المخاصمة] وهو من الجدل وهو [شدّة الفتل وفيه: رجل مجدول الخلق، وفيه: الأجدل للصقر] «٥» لأنّه من أشدّ الطيور قوّة.
(٢) سورة الملك: ١٦.
(٣) سورة السجدة: ٥.
(٤) بشير من بني أبيرق.
(٥) زيادة عن تفسير القرطبي: ٥/ ٣٧٨.
فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ
أي عن طعمة يَوْمَ الْقِيامَةِ
لما أخذه الله بعذابه وأدخله النار أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
كفيلا.
ثم استأنف وقال وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
يعني يسرق الدرع أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
برميه البريء في السرقة، يقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
أي شركا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
يعني بما دون الشرك ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ
أي يتوب إلى الله يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً
متجاوزا رَحِيماً
به حين قبل توبته وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً
يعني يمنه بالباطل فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
يقول فإنما يضر به نفسه ولا يؤخذ غير الإثم بإثم الإثم وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً
بسارق الدرع حَكِيماً
حكم القطع على طعمة في السرقة وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً
أي بيمينه الكاذبة، أَوْ إِثْماً
بسرقته الدرع، وبرميه اليهودي ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
أي يقذف بما جناه من مأمنه فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً
والبهتان أي يبهت الرجل بما لم يفعل.
وقال الزجاج: البهتان الكذب الذي يتخير من [عظمه]. وَإِثْماً مُبِيناً
ذنبا بينا.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً)
عبد الله بن أبي بن سلول (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً)
يعني به عائشة أم المؤمنين حيث كذب عليها وكان من ذلك، وقوله (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ)
ولم يقل فيهما وقد ذكر الخطيئة ولم يقل كفرا، يجوز ان يكنى عن النفس والثلاثة والأكثر واحدها مؤنث بالتذكير، والتوحيد لأن الأنفس يقع عليها فعل واحد، فذلك جائز وإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلتها كالواحد، وإن شئت جعلت الهاء للإثم خاصة كما قال الله تعالى وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «١» جعله للتجارة ولو أتى بالتذكير فجعل كالفعل الواحد لجاز ثم قال لمحمد وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
بالنبوة وَرَحْمَتُهُ
نصرك بالوحي لَهَمَّتْ
يقول لقد همّت يعني أضمرت طائِفَةٌ
يعني جماعة مِنْهُمْ
يعني طعمة أَنْ يُضِلُّوكَ
أي يخطؤك وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
يقول وما يخطئون إلّا أنفسهم وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
وكان ضره على من شهد بغير حق وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
يعني القرآن والحكمة يعني القضاء بالوحي وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
قبل الوحي وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
من الله عليك عَظِيماً
بالنبوة.
هذا قول الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، ثم قال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ. عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
يعني به الإسلام والقرآن لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
يعني من ثقيف أَنْ يُضِلُّوكَ
وذلك
أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمد قد جئناك نبايعك على أن لا حشر ولا بعث ولا نكسر أصناما بأيدينا على أن تمتّعنا بالعزّى سنة، فلم يجبهم إلى ذلك وعصمه الله بمنّه وأخبره بنعمته