آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال، فيما بينهم وبين ربهم، بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) يقول: ويثيبهم ثوابهم (بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا) في الدنيا (يَعْمَلُونَ) مما يرضى الله عنهم دون أسوئها.
كما يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) : أي (١) ولهم ذنوب، أي رب نعم (لَهُمْ) فيها (مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقرأ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)... إلى أن بلغ (وَمَغْفِرَةٌ) لئلا ييأس من لهم الذنوب أن لا يكونوا منهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: ٤]، وقرأ: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ)... إلى آخر الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧) ﴾
اختلفت القرّاء في قراءة: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة:"أليس الله بكاف عباده"على الجماع، بمعنى: أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوّفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء، وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة: (بِكَافٍ عَبْدَهُ) على التوحيد، بمعنى: أليس الله بكاف عبده محمدا.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار.

(١) في الأصل: ألهم ذنوب، وهو استفهام لا معنى له في هذا المقام، وقد أصلحناه على هذا النحو، ليتفق مع ما تضمنه الحديث.

صفحة رقم 293

فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَا واستفاضة القراءة بهما في قَرَأَةِ الأمصار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) يقول: محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) قال: بلى، والله ليكفينه الله ويعزّه وينصره كما وعده.
وقوله: (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ويخوّفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء، ببراءتك منها، وعيبك لها، والله كافيك ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) الآلهة، قال:"بعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خالد بن الوليد إلى شعب بسُقام (١) ليكسر العزّى، فقال سادنها، وهو قيمها: يا خالد أنا أحذّركها، إن لها شدّة لا يقوم إليها شيء، فمشى إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها".
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:

(١) سقام كغراب: واد بالحجاز، حمته قريش للعزى، يضاهئون به حرم الكعبة. اهـ من معجم ياقوت.

صفحة رقم 294
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية