آيات من القرآن الكريم

۞ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

جهنم، ويقابل ذلك وعد الصادقين المصدقين بالله ورسوله بمنحهم عند ربهم كل ما يشاءون من الجنة والنعيم والرضوان، وإثابتهم أفضل الثواب، ليقترن الوعد بالوعيد، وتظهر التفرقة بين الحالين، قال الله تعالى مبينا هذا التفاوت:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٢ الى ٣٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧)
«١» «٢» [الزمر: ٣٩/ ٣٢- ٣٧].
من أقبح خصال المشركين: أنهم يكذبون الله ورسوله، فلا أحد أظلم ممن كذب على الله، فزعم أن له ولدا أو شريكا، أو صاحبة، وحرّم وحلل من غير أمر الله، وكذّب بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من دعوة الناس إلى التوحيد، والأمر بإقامة فرائض الشرع، والنهي عن المحرّمات، والإخبار بالبعث والنشور والحساب والجزاء.
وهؤلاء في الواقع يستحقون أشد العذاب، أليس في نار جهنم الواسعة مقام ومستقر لهؤلاء الكافرين؟! وفيه دلالة على علة كذبهم وتكذيبهم، وهو الكفر.
وفي مقابل هذا الوعيد: يأتي الوعد للمؤمنين، فالذي جاء بالصدق والقول الحق: وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والذين صدقوا به، وآمنوا بأنه رسول من عند الله، وهم أتباعه المؤمنون، أولئك لا غيرهم هم الذين اتقوا الله وخافوه، وتجنبوا الشرك وعبادة الأوثان.

(١) أي مقام لهم.
(٢) أي يكفيه وعيد المشركين.

صفحة رقم 2237

وثواب هؤلاء الصادقين المصدقين: أن لهم ما يطلبون عند ربهم في جنان الخلد، من رفع الدرجات، ودفع الضرر، وتكفير السيئات، وذلك جزاء الذين أحسنوا في أعمالهم.
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعة: الذي جاء بالصدق هو محمد صلّى الله عليه وسلّم، والذي صدّق به: هو أبو بكر رضي الله عنه.
وقال قتادة وابن زيد، الذي جاء بالصدق: هو محمد صلّى الله عليه وسلّم، والذي صدّق به هم المؤمنون. وقال مجاهد: هم أهل القرآن.
وعلة هذا الجزاء: تكفير السيئات، والمجازاة بأحسن أفعالهم، أي وعدهم الله تعالى بالجنان ونعمها من أجل تكفير سيئ عملهم، وإثابتهم بمحاسن أعمالهم، وإذا غفر الله لهم أسوأ أعمالهم، غفر لهم ما دونه بطريق أولى. والحسن الذي يعملونه:
هو الأحسن عند الله تعالى.
وكذلك يكفي الله المؤمنين في الدنيا ما أهمهم، ويمنع عنهم ما يخيفهم، أليس الله يكفي من عبده وتوكل عليه؟ فيدفع عنه الويلات والمصائب، ويحقق له جميع رغائبه.
والمراد بعبده: النبي صلّى الله عليه وسلّم وجميع عباد الله. وهذا تقوية لنفس النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن كفار قريش كانوا خوّفوه من الأصنام، وقالوا: أنت تسبّها وتخاف أن تصيبك بجنون أو علة، فنزلت الآية في ذلك. أي إن المشركين يخوّفونك أيها النبي بالذي يعبدون من دون الله.
وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى كسر صنم العزّى، فقال سادنها «١» : يا خالد، إني أخاف عليك منها، فلها قوّة لا يقوم لها شيء، فأخذ خالد الفأس، فهشم به وجهها وانصرف «٢».
ثم قرر الله تعالى: أن الهداية والإضلال من عنده بالخلق والاختراع، وأن ما أراد

(١) خادمها والقائم على حمايتها.
(٢) أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير عن قتادة.

صفحة رقم 2238

من ذلك لا رادّ له، ثم توعد الله المشركين بعزته وانتقامه، فكان ذلك والانتقام يوم بدر وما بعده.
أي إن من حقّ عليه القضاء بضلاله لسوئه وعناده ومكابرته، ماله من هاد يهديه إلى الرشد، ويخرجه من الضلالة، ومن يوفقه الله إلى السعادة والإيمان لاستعداده لهما، فلا مضل له أبدا. أليس الله بغالب لكل شيء، قاهر له، ينتقم من عصاته بعذاب شديد؟ فهو سبحانه منيع الجانب، قوي البطش، شديد الانتقام من أعدائه المشركين المكذبين رسوله وأمينه عليه الصلاة والسّلام.
مناقشة عبدة الأصنام
الإسلام دعوة الإصلاح الكبرى الشاملة لجميع أبناء البشر، لذا كان حريصا بصراحته ورحمته واعتماده على العقل الحر والمنطق الرشيد، هداية الناس جميعا حتى الوثنيين البدائيين إلى الدين الحق والعقيدة الصحيحة القائمة على توحيد الله عز وجل، وإبطال عبادة كل ما لا خير فيه ولا نفع، ولا دليل من الواقع عليه، واعتمد القرآن الكريم في مناقشة عبدة الأصنام على أساسين واضحين:
الأول- أن المشركين لو سئلوا عن خالق السماوات والأرض لأقروا بأنه الله تعالى.
الثاني- أن أصنامهم التي يعبدونها عاجزة عن تحقيق الخير أو دفع الشر.
روي عن مقاتل: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سألهم، فسكتوا، فنزل قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
وقال بعض المشركين: لا تدفع هذه الأصنام شيئا قدّره الله، ولكنها تشفع، فنزلت هذه الآيات الآتية:

صفحة رقم 2239
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية